جعفر عباس

ابحثوا عن المتآمر بين ظهرانيكم (1)


رغم أنني أحترم محطات الإذاعة أكثر من احترامي لمحطات التلفزة لأن الإذاعة فن صعب فلابد أن يتحلى مخرجو الاعمال الإذاعية بمهارات فائقة لجذب المستمع، وفي السنوات الأخيرة صارت معظم البرامج الاذاعية تفاعلية تشجع المستمعين على التواصل مع مقدميها وضيوفها، ما يجعلها جاذبة، وخاصة أن معظم الإذاعات – بالنسبة الى شخص مثلي- غير منغمسة في العجرميزم والهيفاويزم، وحتى لو بثت الإذاعة أغنيات لذوات الثدي من المطربات فإنها تعفيك من النظر إليهن وتعصمك بالتالي من التعرض للتحرش )إذا كنت رجلا(، ومن الإحساس بأنك لا تجاري الموضة )إذا كنت امرأة ناقصة عقل من أنصار مهند التركي وحبيبته نور(.

وكعادة معظم الناس، فإنني أترك راديو السيارة مفتوحا على محطة إذاعية، وغالبا ما تكون تلك المحطة عربية، يصدر منها كلام كثير في المليان، وقليل في الفاضي، وقبل أيام تسلل إلى أذنيّ كلام عجيب، سبق لي أن سمعته ولو بمفردات مختلفة قليلا: أعداء العرب يتآمرون على اللغة العربية بهدف القضاء عليها، فصحت لا شعوريا: أبو العرب على سنين العرب!! متى يبطلون العويل ويكفون عن »هجم الذئب« شهرا وراء شهر؟
هل الأمريكان والإسرائيليون هم من فرضوا علينا تبادل التحية بـ»هاي / باي«؟ وهم من أقنعونا بأن كلمة زيرو أكثر دقة من صفر؟ وهم من وضع مناهج اللغة العربية العقيمة والمنفرة في مدارسنا حتى صارت اللغة العربية كحساب المثلثات مشبعة بألغاز من شاكلة جيب الظل وجتا وحتى ومتى؟
أرضعنا الإعلام الرسمي وفطمنا، على أن بؤس حال الخدمات من تعليم وصحة وطرق وغيرها، يعزى إلى أن أعداء الأمة يتربصون بنا، وهكذا نشأنا على أن أعداء الأمة هم الإسرائيليون والأمريكان، وهم الذين يشجعون كبار القوم عندنا على الاختلاس وهم من دون غيرهم الوسواس الخناس.

وسأتوكل على الله وأنفي عن إسرائيل والولايات المتحدة تهمة التآمر علينا، و»نا« الجماعة هنا تعود إلى الشعوب، وبالتالي فإنني أقول إن حكومات عربية كثيرة لا تحفل بأمر مواطنيها، فيما يتعلق بالمعايش والأمن والأمان والخدمات الضرورية، وسيصرخ مرتزقة الإعلام قائلين: حرام عليك فالدول العربية -باستثناء مصر والأردن- ما زالت رسميا في حالة حرب مع إسرائيل، ولكننا نعرف أنها حالة لا تختلف عن حب مراهق لنانسي عجرم، أي انها حالة حرب افتراضية، لا تأخذها إسرائيل مأخذ الجد، وحالة حب لا تحفل بها العجرمية، ولا يستقيم الزعم بأن الولايات المتحدة تتآمر على العرب، مع التهافت المبتذل لخطب ودها، واعتبار دعوة زعيم عربي لواشنطن فتحا مبينا.

ولكن الزعم بأن هناك جهات تتآمر على اللغة العربية، سخف ينم إما عن خفة في العقل، أو استخفاف بالعقل الجمعي لعموم العرب، فلم نسمع أن شخصا طبيعيا أو اعتباريا في حلف الناتو أو الفيفا أو الكونغرس أو الكنيست أو الكرملين ذكر اللغة العربية بسوء، ولم تقم المخابرات الأمريكية بجعل »الفاعل« في بعض الجمل العربية مستترا من دون أن يكون قد ارتكب فعلا يستوجب طلب الستر، ومع هذا يختفي ليسبب للطلاب والكتاب عقدا نفسية وهم يبحثون عنه كي يرفعوا من قدره بالنصب
بل إنني زعيم بأنه ما من فرد أو دولة تتآمر على الإسلام، مهما حمل رسميون وشعبيون في الشرق والغرب الإسلام تبعات جرائم يرتكبها مسلمون متطرفون في ديار الإسلام وديار النصرانية، لأنه يستحيل التآمر على أي معتقد يدين به الناس.

وأصلا كيف تتآمر على الإسلام؟ بطباعة نسخة مزورة من القرآن الكريم؟ سيكون ذلك خدمة ليس للإسلام فحسب، بل لأنصار نظرية المؤامرة المسلمين، الذين ستزداد صفوفهم عددا- وعتادا يرش بالدم من يرش الإسلام بالحبر. هل بتكذيب بعثة محمد عليه السلام؟ منذ فجر البعثة الأول وإلى يومنا هذا ما زال مكذبوها يرغون ويزبدون، وليس في الأمر تآمر بل عمل مكشوف، يرتد على مرتكبيه إحباطا، لأنهم يدركون في مرحلة ما أن القافلة لا يوقفها نباح الكلاب.
كفانا عبثا وعيب أن نرمي غيرنا بدائنا ثم ننسل.

زاوية غائمة – جعفر عباس