جعفر عباس

الإنجاز أوّله حُلم

من لا يحلم لا ينجز شيئا، فمعظم الابتكارات والمشاريع والطموحات والاكتشافات والاختراعات بدأت بأحلام؛ حتى الإمبراطوريات الكبرى بدأت كأحلام في عقول قادة عظام؛ ومن يحلم ويتشبث بحلمه يصل الى غايته في غالب الأحوال؛ مثلا وأنت صغير تحلم بأن تصبح لاعب كرة قدم ماهرا )بس ليس في فريق عربي، بل كن مثل محمد صلاح المصري، واطفش من الشرق الأوسط لتصبح نجما عليه القيمة عن استحقاق(؛ المهم إذا كنت تحلم منذ الصغر بأن تصبح لاعب كرة بارعا، وتمارس اللعب في حواري الحي والمدرسة وتدرس حركات مارادونا وكريستيان رونالدو وكاكا وميسي وتثابر، فستجد حتما يوما ما من يكتشف موهبتك ويسعى لضمك الى فريق كبير، ليس تكرما منه بل لأن موهبتك فرضت نفسها عليه.

تحلم بأن تصبح كاتبا فتقرأ الكتب ومختلف أنواع المطبوعات وترسل للصحف مقالا يتم رفضه، لأنه سخيف وركيك، فلا يركبك اليأس وتواظب على القراءة لسنتين أخريين -مثلا- وتبعث بمقال آخر الى صحيفة فينشر في بريد القراء، فيرفع ذلك معنوياتك ويبقى عليك ان تثبت شيئا فشيئا أنك تستحق مساحة خاصة بك، لأن لديك أسلوبك الخاص وطرحك المميز؛ وليس من الشطط القول بأن كل الفنانين والمبدعين كانوا ولا يزالون حالمين. والعالِم الحق هو الذي لا يكف عن الحلم بسبر غور وحلّ لغز أمر ما، أو التوصل الى إجابة لمعضلة ما.. ضع راية افتراضية في مكان عال وقرر السير نحوها والوصول إليها مهما طال المشوار.. ومن يتهيب صعود الجبال / يعش أبد الدهر بين الحفر )أبو القاسم الشابي(.

شخصيا لم تعد عندي طموحات ذاتية، ولا يعني هذا أنني رفعت الراية البيضاء، بل يعني أنني راض بما أنجزت، ولم يعد »فيني حيل« للمجاهدة لتحقيق طموحات جديدة، بل صار كل همي تعزيز ما أنجزت؛ بعبارة أخرى فإنني سعيد بما وصلت إليه في مسيرة حياتي العملية والاجتماعية والعائلية، وصرت »أشيل هَم« طموحات من يهمني أمرهم: عيالي وأقاربي وأصدقائي وكل من يستعين بي في أمر يقع في حدود إمكاناتي،.. وأنا مقتنع بأنني لو توليت أمور السلطة في بلدي السودان لجعلت همي الأول مكافحة الفقر يليه المرض ثم الجهل والأمية، ولكن لا يمكن ان أفكر مجرد تفكير في شغل أي منصب سلطوي ولو على مستوى وكيل وزارة شؤون الريجيم والرشاقة )أصلا هذه وزارة تسد النفس لأنك تتعامل فيها مع بشر من فصيلة الدبابات ووحيد القرن لتحويل الدبابة الى عصا ووحيد القرن الى غزال(.

ولكنني مازلت أحلم.. ليس بمجد شخصي، ولكن لبلدي والبلدان العربية والإفريقية الأخرى وللناس البسطاء.. أحلم بامتلاك عشرة ملايين دولار.. ثم أقوم بتوزيعها على كذا مشروع وكذا شخص، وأكتشف أنني بائس حتى في الأحلام، فأرفع المبلغ الى 100 مليون دولار.. ستين مركز صحي وخمسين مدرسة مجهزة بمختبرات العلوم وصالات الألعاب.. بس، يفتح الله.. ما تكفي.. بطريقة أو أخرى سيستولي لصوص المال العام على ثلث المبلغ على الأقل .. خليها 150 مليونا.

فيما يخص نفسي فإن أولويتي في حال توافر مثل ذلك المبلغ عندي هو توظيف اختصاصي مساج يلازمني 24 ساعة.. رقبتي صارت نقناقة وتشكو كلما جلست أمام الكمبيوتر او التلفزيون.. والفقرات السفلى في ظهري تضامنت مع رقبتي.. وأريد سائقا خاصا.. لا شيء يسبب لي التوتر كالوقوف طويلا بسيارتي في زحمة المرور.. لو عندي سائق أتركه يتصرف وأقرأ كتابا او صحيفة.. وباقي الملايين التي أحلم بها لكم.. والله أنا جادّ جدّا.. بس وفروا لي تلك الملايين ثم انظروا كيف سأدخل السعادة في قلوب مئات الآلاف وأعصابي وعضلاتي مرتخية بسبب المساج وعدم قيادة السيارة.

زاوية غائمة – جعفر عباس