جعفر عباس

خاطرة عن التعليم والتهليس باسم التدريس


وكأن ال في المدرسين لا يكفيهم فإن وزارات التربية والتعليم تتفنن في تنكيد عيشهم بقرارات ومراسيم تعسفية تسندها حملات تفتيش

فجائية تعقبها تقارير قد تؤدي الى الحرمان من الترقيات أو العلاوات، وقد ظللت أقول إنه من الظلم الفادح للمعلم حرمانه من تقديم الدروس الخصوصية نظير أجور إضافية، ولو كانت رواتب المعلمين تغطي حاجياتهم الضرورية لما لجأ معظمهم الى الدروس الخصوصية، ولاستمتعوا مثل بقية الموظفين بساعات قيلولة وتعسيلات وقضاء الأمسيات مع العائلة أو الأصدقاء.
ولكن مهما حاول القائمون على أمور التعليم تحريم وتجريم الدروس الخصوصية )كما هو #حادث في منطقة الخليج(، فإنهم لن يفلحوا في معاقبة المعلمين الذين يقدمون مثل تلك الدروس في وقتهم الخاص. لأن الاتفاق حولها يكون بالتراضي بين المعلمين وأولياء الأمور، ثم: أنا مدرس و»فاضي« في الأمسيات، وأستطيع ان أمارس نشاطا تعليميا يعود عليّ بمال يزيد على الراتب التعبان الذي أتقاضاه من وزارة التربية، وأولياء أمور الطلاب الذين أدرسهم في بيوتهم أو بيتي لن يبلغوا عني سلطات الوزارة لأنهم بحاجة إلى خدماتي.
ولكن لكل قاعدة استثناء؛ وعانى من عواقب ذلك الاستثناء مدرس في عاصمة خليجية يمثل حاليا أمام القضاء: كان صاحبنا يمارس التدريس الخاص بالجملة وبتسعيرة الجملة: يأتي إليه الطلاب كمجموعات على كذا دفعة في اليوم الواحد، وبذلك ضمن لنفسه دخلا شهريا يناهز 10 آلاف دولار؛ هذا النوع من التدريس لا يستحق مسمى »خصوصي«، فأن تعطي درسا لخمسة أو سبعة أشخاص في جلسة واحدة يؤدي بالضرورة الى قدر من الكلفتة، لأنك لا تستطيع أن تقدم العون المطلوب لكل واحد منهم خلال الحصة الواحدة؛ وكأب وكشخص مارس التدريس فإنني أنصح أولياء الأمور بعدم الموافقة على اقتراحات من نوع: رايحين نذاكر أنا ومصطفى وطارق وحامد.. أنا وسوسن وهدى وإشراقة.. حتى لو كانوا جادّين في المذاكرة فمن المؤكد أنهم سيمضون نصف الوقت في الدردشة، ولكن لا مانع في أن يستعين الطالب في المذاكرة بزميل له )واحد( في مادة او مواد معينة.
نعود إلى الأبل )مذكر أبلة! بالمناسبة فإنه حسب علمي كلمة أبله التي تعني معلمة كلمة تركية، وصيغة المذكر منها »خوجة« وتعني مدرس(.. المهم أن صاحبنا هذا أدرك مع قرب موعد #الامتحانات أن عشرات الطلاب الذين ظل يدرسهم لن ينجحوا، وبالتالي فإن بضاعته ستبور ولن تجد من يشتريها مستقبلا، وأن بعض أولياء الأمور لن يسكتوا عن الآلاف المتلتلة التي ضاعت هدرا. تعمل إيه يا أستاذ لإنقاذ نفسك من الكساد والمحاسبة؟ جمع طلابه الخصوصيين وقال لهم: نو بروبليم.. ادخلوا الامتحان بقلوب جامدة وخلوا الباقي علي أنا.. يعني سأقوم بتعديل درجاتكم بحيث تنجحوا على نحو مشرف في المادة التي كنت أدرسكم إياها.. بل سأعدل نتائجكم في المواد الأخرى.. وجاءت الامتحانات وظهرت النتائج واكتشف بعض طلابه أنهم رسبوا في كذا مادة من بينها المادة التي دفعوا فيها الآلاف.
نجح المعلم أبو ضمير مثقوب في تعديل نتائج بعض طلابه الخصوصيين، ولم يتمكن من فعل الشيء نفسه مع المجموعات كلها.. وتعالت احتجاجات الراسبين الذين كانوا مفرفشين ومهيصين أيام الامتحانات.. وكل شيقن انكشفن وبان، واكتشفت إدارة المدرسة التزوير والقضية لا تزال قيد النظر، ولكن مثل هذه القضايا تكون فيها العقوبة فقط بالطرد من الخدمة.
كنت ومازلت أعتقد أن العاملين في مجالات التدريس والرعاية الصحية والشرطة ليسوا ميالين الى خيانة أمانة »المهنة«؛ ولكن يكون الخروج عن القاعدة، عندما يكون الاعتبار الأول للمال، وابن آدم مفتري.. فالمعلم الذي نحن بصدده اليوم لا يزيد راتبه الرسمي على ألف دولار، ولما نجح في ضرب المبلغ في عشرة، قسم ضميره على عشرة ومن يتنازل عن قسم كبير من الضمير يتحول إلى تافه حقير.. وفي السودان نقول: الطمع ودّر ما جمع )ودّر تعني أضاع يضيع(.

زاوية غائمة – جعفر عباس