سودانيات يعشن “تحت الشمس” لأجل “لقمة العيش”
تزايدت خلال السنوات الأخيرة في السودان ظاهرة خروج المرأة إلى العمل في القطاع غير المنظم كـ”بائعات شاي” و”بائعات طعام” وغيره، قرب المؤسسات الحكومية والخدمية وحتى داخل الأحياء والحدائق؛ الأمر الذي اضطر السلطات لاحقًا للاعتراف بهذه المهن ومحاولة تقنينها وسنّ ضوابط لها.
ظروف ودوافع
وتختلف ظروف النساء التي قادت لدخولهن هذا المجال، غير أنهن يتفقن حول الصعوبات الجمّة التي تواجه عملهن، فبعضهن فقدن أزواجهن إما بالوفاة أو الغياب الطويل، أو لظروف عجز من يعول الأسرة، بالإضافة لحالات الطلاق التي تفرض عليهن أحيانًا التحول إلى المعيل الرئيس للأسرة.
فمثلًا “آمنة” سيدة في العقد الخامس تعمل في المجالين في وقت واحد، فهي تبادر منذ الرابعة فجرًا إلى إعداد أنواع من الطعام و”الكسرة” لتعمل في بيعها إلى ما بعد الظهر في وسط الخرطوم، ثم تنتقل بعد ذلك إلى موقع قرب منزلها في أم درمان لتعمل في بيع الشاي إلى ساعة متأخرة من المساء، تساعدها ابنتها وابنة أختها، وهي على هذا الحال طوال الأسبوع عدا الجمعة إذ تعمل مساءً فقط.
تقول “آمنة” إنها تُعيل (7) من الأبناء والبنات أعمارهم بين الثامنة والـ(17)، تحملت مسؤوليتهم بعد أن توفي عنها زوجها. وتؤكد أن العائد جيد، لكنه يكفي بالكاد مع غلاء الأسعار وتزايد الطلبات.
قطاع معترف به
آمنة شكت مثل غيرها، من تعنت السلطات في مسألة التصاديق والحملات التي تضيق عليهن من جانب “المحلية”، هذا غير احتمالهن مضايقات بعض الزبائن وتعرضهن للكثير من الحديث غير المسؤول وهن يكافحن تحت أشعة الشمس الحارقة من أجل لقمة العيش. وطالبت السلطات بتقنين الرسوم والتصديقات التي تسمح لهن بالعمل دون خوف، والكف عن ملاحقتهن عبر “الكشة”، وهي حملة تعمل على إزالة القطاع غير المنظم من الشارع العام.
“فاطمة. ع”، شابة في منتصف العقد الثالث، تطلقت من زوجها، تعمل في بيع الشاي بمنطقتين أيضًا، فهي تجلس تحت شجرة قرب مؤسسة خدمية من الصباح الباكر وحتى قرب العصر، ثم تنتقل إلى موقع آخر “نادي مشاهدة” لتعمل مع زميلة أخرى في الفترة المسائية، وتقول إنها كانت تعيش حياة جيدة فزوجها رجل ميسور، لكن بعد الطلاق، ضاق حالها، خاصة وأنها لم تحتمل العيش مع إخوتها أو أسرتها، ولها ابن واحد، فاضطرت لخوض هذا العمل الذي كان صعبًا في البداية، بيد أنها اعتادت، وازدهر عملها فلديها الكثير من الزبائن، وأكدت أن العائد ممتاز، ويسمح لها بعيش حياة معقولة هي وابنها، بل وشرعت في الادخار من أجل مشروع يقيها نائبات الزمان.
ويعزو خبراء اجتماع تزايد الإقبال على المهن غير المنظمة خاصة بيع الشاي والطعام والآيسكريم وغيرها، لحوجة النساء المطلقات والأرامل، بجانب تزايد الفقر وتنامي الهجرات من الولايات نتيجة الحروب وضيق العيش، إلى المركز والمدن القريبة التي لا يتسع مجال الرزق فيها لغير المهن التي يصفها البعض بـ(الهامشية)، لكنها معترف بها كقطاع غير منظم، حتى باتت من الظواهر الاجتماعية المألوفة. ويشيرون إلى أن الهدف في النهاية هو إعالة الأسر وتعليم الأبناء و”ستر الحال”، وهو ما نجحت فيه كثيرات وأصبحن يشار إلى تجاربهن بالبنان.
تقنين أوضاع
لا توجد إحصاءات رسمية تسمح بتقنين الأوضاع بالصورة المطلوبة، بحسب ما أفاد مصدر بوزارة العمل، الذي قال إن هناك ميزانيات مرصودة لإجراء مسح شامل للقطاع غير المنظم، لكن لم يتم تحديد موعده لأسباب فنية.
وفي سياق مقارب، التقى معتمد محلية الخرطوم الفريق ركن أحمد علي عثمان أبو شنب، أمس، باتحاد “بائعات الشاي” بحضور رئيس اتحاد شباب المحلية ورئيسة الاتحاد “عوضية كوكو”، إذ أعلن عن تدشين مشروع “تقنين عمل بائعات الشاي في مواقع ثابتة” الاثنين المقبل، بالتنسيق مع الاتحاد الوطني لشباب المحلية وشركة (كوفتي) المحدودة.
وكشف المعتمد عن تخصيص (200) كشك في المرحلة الأولى سيتم توزيعها بعدد من المواقع ذات التردد العالي للمواطنين مجانًا دون رسوم أو إيجارات. وأكد أن المحلية تسعى لتقنين أوضاع جميع أصحاب المهن غير المنظمة شريطة عدم إخلالهم بالتنظيم، ونوه لضرورة التزام جميع العاملات باستخراج الكروت الصحية ومعايير النظافة وصحة البيئة، وتعهد بتوفير كافة المعينات الأخرى تحت إشرافه المباشر.
وأكد المعتمد إيقاف جميع الكشات والمخالفات ضد “بائعات الشاي” بعد استكمال تنظيمهم، وامتدح دورهن في إعانة وكفالة أسرهن بالكسب الشريف، ونفى ما يشاع ويروج عن طبيعة عملهن، وأكد عدم ورود إي بلاغ يشين طبيعة عملهن، “كما يشهد لهن بالعفة والشرف والمهنية في العمل”.
مشروعات دعم
بدورها، قالت سعاد عمر، أمينة التنمية الاقتصادية بالاتحاد العام للمرأة السودانية، إن اتحادها أقام مشروعًا لتنظيم “بائعات الشاي” قبل نحو (5) سنوات بتمويلهن وتسلميهن المعدات والمستلزمات، وأوضحت أنه تم تجاوزه الآن إلى مشاريع أخرى.
وأضافت لـ”إرم نيوز” أن الاتحاد منظمة طوعية ضخمة ومتجذرة في كل الولايات وتضم أكثر من (4) ملايين عضو، ولديه حزمة معالجات اقتصادية عادية، وأخرى للظروف الخاصة موجهة للمرأة في القطاع غير المنظم وفي الريف، وذكرت منها منافذ التمويل الأصغر بكل ضروبه، والتمويل عن طريق القروض الحسنة “ليس فيه هامش ربحية”، وأكدت أن هنالك من قطعن شوطًا في هذا المجال الذي يعود بعائد كبير للشرائح الضعيفة وذوات الدخل المحدود.
عوض جاد
إرم نيوز