(الميرغني والمهدي) في انتظار العودة
في ظل التحولات التي يشهدها المحيط السياسي الداخلي، كان لافتا ان يعلن حزب الأمة القومي عن عودة مرتقبة لزعيمه خلال الفترة المقبلة..
وذلك بحسب الأمين العام للأمة د. إبراهيم الأمين الذي قال في تصريح لـ(الإنتباهة) خلال الأيام الماضية ان قرار عودة المهدي حسمته مؤسسات الحزب، لافتا الى أنه يجري التشاور حاليا على الموعد الذي سوف يعود فيه زعيم الأنصار الى الخرطوم لممارسة مهامه من الداخل،.حسناً بقرار عودة المهدي تتجه الأنظار الى زعيم القطب الاتحادي محمد عثمان الميرغني ليطفو الى السطح اسئلة مهمة بحق الحزب الاتحادي، هل يتخذ قراراً مماثلا بضرورة عودة الميرغني الى الخرطوم وان كان الأخير قد طال غيابه تجاوزت الـ 5 سنوات .
(1)
ولا يخفى على أحد أن التحولات التي تجري حاليا بالساحة السياسية، فيما يبدو أنها مؤشرات لتشكيل مشهد سياسي جديد يختلف في أطروحاته وكلياته وحتى التحالفات التي ينتظر ان تتشكل خلال الفترة القليلة القادمة لضمان المنافسة بين القوى السياسية بالانتخابات المقبلة التي ينظر اليها خبراء السياسية الى أنها سوف تكون مختلفة عن سابقاتها .
وما بين التاريخ الذي غادر فيه رئيس الحزب الاتحادي الأصل محمد عثمان الميرغني، والموسوم بالعام 2013 واليوم في 2018 جرت الكثير من الأحداث تحت جسر الساحة السياسية التي شهدتها متقلبات كثيرة أعادت تشكيل المشهد من جديد، ولكن بميزات جديدة تمثلت في إحلال وفاق سياسي كبير كانت نتاج حوار وطني بين القوى السياسية كافة بمبادرة من رئيس الجمهورية المشير عمر البشير في بواكير 2014 قادت الى حوارات بين المكونات السياسية لمدة عامين حتى 2016 بقاعة الصداقة ، تمخض عنها مؤتمر الحوار الذي أفرز تشكيل حكومة الوفاق الوطني، والذي يشارك فيها حزب الميرغني بصورة فاعلة وحصة مقدرة، وعلى المستوى الداخلي استطاع الحوار ان يحيي مناخا جديدا فضلا عن رسمه لخارطة جديدة لممارسة العمل السياسي وإرسائه للحلول في مجالات الاقتصاد وغيرها بموجب توصيات تجاوزت الـ 900 ترجم منها حتى الآن اكثر من 50% في انتظار أن تكتمل عقدها بحلول 2020 م.
(2)
قرار المهدي بغض النظر عن مصدره ان كان الرجل نفسه أو مؤسسات الحزبه فقطعاً انه قرار وجد الثناء والاشادة من الحكومة نفسها قبل القوى المعارضة، فكان ان رحب وزير الإعلام والاتصالات الناطق الرسمي باسم الحكومة بشارة جمعة ارو بقرار عودة الرجل، ثم توالت موشحات الترحيب لجهة أن الرجل اتخذ قرارا صعبا مقارنة بظروف الزعيم الختمي, فرئيس حزب الأمة القومي ما زال مواجه ببلاغات مفتوحة ضده من جهاز الأمن لتحالفه مع جماعات مسلحة ، فيما يغيب الميرغني منذ ان غادر الخرطوم في العام 2013 بغرض الاستشفاء بزعم الحزب نفسه آنذاك ليبقى في لندن اكثر من 3 أعوام ثم يغادر بعدها الى القاهرة التي يبقى فيها منذ عامين ونيف وحتى الآن.
وخلال الفترة الماضية بدأت الأصوات تتعالى داخل الكيان الختمي الكبير مطالبة بضرورة عودة الرجل الى الخرطوم ليعيد ترتيب وتنظيم حزبه من الداخل وذلك بعد فوضى كبيرة سادت داخل الاتحادي الأصل، فضلا عن الانشقاقات الكبيرة التي كادت تعصف به الأمر الذي حد الى عضوية الحزب للمجاهرة والمناداة بضرورة عودة رئيسهم عله يفلح في ترتيب ما يعتقد البعض ان نجله الحسن قد ساهم في خرابه داخل الحزب, والأخير تحت قياداته داخل الحزب في مواجهات طاحنة بين قياداته التاريخية أفضت الى إقدام الحسن لفصل 18 قياديا من كبار زعامات الحزب الاتحادي لرفضهم الانصياع لقرار الحزب بالمشاركة في حكومة 2015 م.
(3)
الحزب الاتحادي (الأصل) يواجه مشاكل متعددة تتطلب عودة الميرغني لضمان إعادة ترتيب الكيان الختمي، والذي لم يعقد مؤتمره العام لنصف القرن في البلاد على الرغم من تاريخه العتيق ، فالمكون السياسي ذو الخلفية الختمية والذي يتمتع بشعبية ممتدة على امتداد الوطن ظل فيه رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني قائدا في حقب متعددة ووصولا الى تعيينه لنجله الحسن الميرغني نائبا له بالحزب ورئيسا بالإنابة .
ومنذ تعيينه قبيل انتخابات 2015 بأشهر قليلة ، خاض الحسن معركة شرسة مع قيادات تاريخية بالحزب على غرار طه علي البشير وعلي السيد وآخرين كانوا رافضين لمبدأ المشاركة بالانتخابات والشراكة مع الوطني، قادت تلك المواقف الى فصل الحسن لهؤلاء القيادات في سابقة لم يشهدها تاريخ الحزب وربما العمل السياسي بالأحزاب الأخرى، الانتخابات التي جاءت بالحسن بموجب الشراكة مساعدا أول لرئيس الجمهورية لم تكن مستدامة ، فكان مشروع الحوار الوطني الذي قاد الى حكومة الوفاق الوطني واحتفظ الحسن بموقعه ، في حين شهدت الأشهر الاخيرة تقلبات للحزب لم تعهدها، فتعالت نبرة البيانات التي قدمت لـ الميرغني الكبير بضرورة عودته الى البلاد، فضلا عن اتساع الرقعة بين عضوية الحزب وقياداته والأسئلة الحائرة في مخيلة الاتحاديين بصورة دائمة على شاكلة (متى يعقد الاتحادي مؤتمره العام) و(متى يعود الميرغني الكبير) فرئيس الحزب محمد عثمان الميرغني غادر البلاد قبل 5 سنوات متوجها الى العاصمة البريطانية لندن بغرض الاستشفاء ومنها لم يعد الى البلاد رغم الوعود الذي ظل يطلقها ما بين الحين والآخر عن قرب عودته ولعل آخرها التي كانت قبيل العيد حينما أعلن الاتحادي الأصل عن عودته في الثامن من أغسطس الماضي.
(4)
القيادي بالحزب الاتحادي (الأصل) علي نايل قال لــ(الإنتباهة) انه التقى بالميرغني قبل ايام قليلة من عيد الأضحى، وان رئيس الحزب الاتحادي (الأصل) قد قال له بانه سوف يذهب الى العمرة عقب العيد ثم يعود الى البلاد وما زلنا نتوقع أن يعود الميرغني خلال الفترة الحالية ، واعتبر محدثي أن عودة الرجل تعني انصلاح الحال بالحزب الاتحادي الأصل، حيث سيعمل الميرغني على إعادة توحيد الاتحاديين . وزاد نايل قائلا : وجود الميرغني فيه الخير والبركة ، ويشير نايل الى أن مبررات الميرغني فيما يتعلق بغيابه بسبب ظرفه الصحي، معتبرا ان عودته الى البلاد في ظل ظروفه الصحية تشكل عليه أعباء وضغوطاً من زيارات واجتماعات وغيرها ، وبالتالي ينتظر الاتحاديون ان يعود الرجل بكامل عافيته حتى يسهم بصورة فعالة في إعادة الروح للحزب الاتحادي، تلك الروح التي فقدها الأصل منذ ان غادر الميرغني الخرطوم قبل سنوات ,حيث دخل الحزب في دوامة انشقاقات ومشاكل كلها بسبب غيابه.
فيما للقيادي بالحزب الاتحادي الأصل علي السيد رأي آخر حيث يقول لــ(الإنتباهة) إن الاتحادي يفتقد الى مؤسسات اصلا تتحدث للميرغني وتطالبه بعودته .وتابع السيد وقال : الميرغني لن يعود إلا اذا ربنا قال كن فيكون، ولكل أجل كتاب, وما بنعرف متين يجيء وتراجع وزاد : نتمنى عودة الميرغني حتى تكون بشارة خير ليعود الميرغني، ولكن نخشى ان الصادق ذاتو ما يرجع . ويسترسل السيد ويقول : ما عارفين الميرغني سيجيء متين ولا اظن انه سيرجع وللأسف ما عندنا مؤسسة لتقول لرئيس الحزب تعال ولا ما تجي لاتخاذ القرار .
من جانبه قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد عبد القادر لـ(الإنتباهة) الميرغني زعيم كبير ومؤثر وفاعل بالحركة السياسية ، وقد دفع حزبه فواتير كبيرة بسبب غيابه عن الساحة الداخلية فظهرت الخلافات والانشقاقات التي اثرت على جماهيرية الحزب الاتحادي الديمقراطي وأفقدته الحيوية والنشاط المطلوب, ولذلك فان أي يوم يؤجل فيه قرار العودة يكون خصما على فاعلية وقوة وإسهام الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) الذي نرجو منه ممارسة دوره الوسطي التاريخي في حلحلة مشكلات البلاد ، وأشار عبد القادر الى أن الغياب الكثير لرئيس الحزب الاتحادي لم يعد مبررا خاصة وان البلاد تتأهب للمعركة الانتخابية في العام، 2020 وهنالك الكثير الذي يمكن ان يفعله الزعيم الغائب اذا كان موجودا أو حال عودته للخرطوم .
أما الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الاتحادية عادل عبده قال لــ(الإنتباهة) إن الميرغني قراراته لا تتخذ بشفافية وتكون مبنية على رؤيته الشخصية وفي نطاق ضيق مع بعض معاونيه لذلك فان مسألة عودته موضوعة في سجل مقترحاته، ولكنها لم تفعل بشكل واضح حتى تستطيع العضوية بالداخل ان تكون مهيأة لاستقباله ، ويواصل عبده في إفاداته ويقول ان الأصوات بدأت تتعالى من المقربين والشباب والجمهور القاعدي الاتحادي بضرورة عودته لبناء الحزب وتطوير هياكله واستعداده لمرحلة 2020 ، عبده قال إن العودة موجودة بذهن الميرغني ولكن تاريخ عودته يصعب التكهن بها على الأقل خلال الوقت الراهن رغم أن المشهد السياسي يحتاج الى حضوره والساحة السياسية ساخنة وملتهبة ، واضاف عبده وقال ان الحزب عبارة عن مياه راكدة في بركة، وهنالك الكثير من القضايا التي تتطلب حتمية عودة الرجل الى الخرطوم ليسهم في إيجاد الحلول لها .
(5)
ويرى مراقبون أن تفاصيل قرار العودة يختلف بين المهدي والميرغني. فالأول غادر البلاد لأسباب سياسية رأى فيها حزبه مؤخرا قرار عودته وحسمته، فيما سافر الثاني الى الخارج قبل سنوات للاطمئنان على وضعه الصحي ، وبالتالي فان مؤشرات اتخاذ القرار تختلف وان كان الحزب الاتحادي الاصل تطغى عليه شخصية الميرغني بصورة كبيرة مقارنة بحزب الأمة القومي والذي يتمدد فيه شيء من الممارسة السياسية على الطريقة المدنية .
فيما يرى آخرون ان هنالك قضايا مصيرية بدأت تشكل تهديدا حقيقيا لنشاط الحزب الاتحادي الأصل السياسي والتنظيمي خلال الفترة المقبلة . ولعل أبرزها الاستعداد للانتخابات التي تقترب رويدا رويدا ، فضلا عن حسم مصير المؤتمر العام الذي تتوق أشواق الاتحاديين اليه بالاضافة الى ضرورة إيجاد مبادرة فعالة للملمة شمل الاتحاديين الذين تشرذموا مؤخرا وانشقت الكثير من قياداته منهم من انشأوا أحزاباً سياسية وآخرون احتجبوا عن ممارسة السياسة على غرار بخاري الجعلي وغيرهم وبالتالي فان المشهد الحالي يتطلب قرارا شجاعا بعودة الميرغني بصورة عاجلة الى الخرطوم وذلك لضمان أن يكون هنالك حضور فاعل للاتحادي في الانتخابات المقبلة فضلا عن ضرورة قراءة الملعب السياسي مبكراً.
صحيفة الانتباهه.