حيدر المكاشفي

الحوار على طريقة “أم دورور”

[JUSTIFY]
الحوار على طريقة “أم دورور”

الآن بعد خطاب الوثبة أضحت الأمور معلقة تماماً على رقبة الحوار، الذي قيل أنه سيجري مع وبين مختلف الفرقاء السياسيين والقوى الاجتماعية المختلفة ونشطاء المجتمع المدني، ومن كثرة ما ترددت مفردة (حوار) هذه الأيام، حتى حسبنا أنه بمجرد جلوس المتحاورين إلى بعض، ستنحل تلقائياً – بضربة لازب – كل عقد البلاد ومشكلاتها وقضاياها المعقدة، وكأنه ينعقد لأول مرة ولم تشهد البلاد العشرات من الحوارات والاتفاقات والتفاهمات والمواثيق على مدى نحو عشر سنوات، ولكن للأسف كل جولات الحوار التي تمت بكل أشكالها وأنواعها وبالأخص تلك التي انتهت إلى توقيع اتفاقات ومواثيق، لم تفض إلى حل يضع حداً لحالة الانقسام والاحتراب والاستقطاب وينقذ البلاد من سيناريو مرعب يتهددها، والدليل أننا ما زلنا نتحدث عن الحوار ونعول عليه وكأن في مسماه دون موضوعه الحل السحري. صحيح أن الحوار الوطني أو أي حوار حول قضية أو قضايا ما، أسلوب حضاري، ولكن شريطة أن يكون وسيلة لغاية وليس هدفاً لذاته، بمعنى أن يكون الحوار من أجل كسب الزمن أو هدره، ويشترط فيه أيضاً أن تكون أسسه واضحة وأطرافه متفقة على القضايا موضوع الحوار، ونية الطرفين منعقدة فعلاً للبحث الجدي عن حلول ومخارج عملية للمشكلات والقضايا المتحاور حولها، فإذا استوفى الحوار هذه الشروط عندها يكون هو الحوار المطلوب المنتج والمثمر والمحمود، أما بغير ذلك فلن يكون سوى (طق حنك) أو حوار طرشان محكوم عليه بالفشل قبل بدئه، ولن يورث شيئاً سوى ضياع الوقت وتأزيم ما هو متأزم أصلاً من قضايا، وإن كان مثل هذا الحوار مجرد تكتيك لفرض الأمر الواقع على الأطراف الأخرى أو استغلال (شكلانيته) لتمرير سياسات أو قرارات معينة، فلن يعدو أن يكون ذلك سوى متاجرة به، وستبدو معه الحكومة وحزبها وكأنهما يمارسان تجارة (أم دورور)، وأم دورور لمن لا يعرفها، هي تجارة شعبية متنقلة لا يستقر لها مقام، كل يوم في منطقة على مدار الأسبوع ولها شهرة وذيوع وانتشار خاصة في أرياف كردفان ودارفور، وفي أسواق أم دورور التي لا يحكمها ضابط ولا رابط ولا تتحكم فيها محلية، تجد أن كل شيء متاح ومباح حتى (المريسة) تحتل مكانها بين المعروضات لذة للشاربين، وتجد فيها من يجمع بين التجارة والصيدلة يبيع (الكول والمرس) جنباً إلى جنب كبسولات المضادات الحيوية وراجمات الملاريا، وآخر يمارس الطبابة إلى جانب التشاشة فتجد عنده العقاقير البلدية من عروق وقرض وحرجل وخلافها وأكوام البصل والتوم والشمار وما شاكلها، وثالث يمزج بين عمل الحلوانية وتجارة السلاح، من أراد النبق والدوم والقضيم واللالوب يجد عنده ومن أراد الجبخانة فالمخلاية مليئة بأشكال وألوان منها، ورابع يزاوج بين العطارة والكيف تفوح من محله رائحة النشوق والتمباك وهي مختلطة بروائح فليردمور والريفدور و(ون مان شو)، وهكذا يختلط الحابل بالنابل والمنتهي الصلاحية بالساري المفعول في هذا السوق العجيب.. وغاية الرجاء والأمل في الحوار المرتقب أن يكون جاداً ومثمراً ومنتجاً للحلول المتوافق والمتراضى عليها، لا أن يكون مجرد دورة أخرى في حلقة الحوارات المفرغة.

(أرشيف الكاتب)
[/JUSTIFY]

بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي