تحقيقات وتقارير

العودة للبيت القديم (رجعنا لك) “سونا” إلى رئاسة الجمهورية… تقوية أم حصانة؟


أصدر رئيس الجمهورية، عمر البشير “الأحد” مرسوماً جمهورياً نظم بموجبه أجهزة الدولة الرئاسية والتنفيذية القومية واختصاصاتها وأسبقياتها..

وبيّن المرسوم الجمهوري المسائل التي يقرر بشأنها الرئيس وسلطاته، ووفقاً للمرسوم، فقد تغيّرت تبعية وكالة السودان للأنباء “سونا” إلى الرئاسة بدلاً من وزارة الإعلام التي انضوت تحت لوائها منذ العام 1986م بعد الانتفاض على نظام مايو.

النشأة

“سونا” أنشئت في يناير من العام 1970م، بقرار من الرئيس جعفر نميري خلال الخطاب الذي ألقاه في مدينة الأبيض بمناسبة أعياد الاستقلال، لكنها افتتحت رسمياً في العيد الثاني لثورة مايو في العام 1971م، طوال فترة حكم الرئيس جعفر نميري ظلت الوكالة تتبع للرئاسة بصورة مباشرة إلى أن جاءت الانتفاضة على نظامه في العام 1986، ومنذ تولي الصادق المهدي زعيم حزب الأمة دفة الحكم بالبلاد وضعت “سونا” تحت إشراف وزارة الإعلام إلى الأول من أمس “الأحد” بعد صدور المرسوم الجمهوري بعودة الوكالة الرسمية لبيتها الأول “رئاسة الجمهورية”.

دواعي العودة

كثيرون يرون أن تبعية “سونا” لوزارة الإعلام تسبب بصورة واضحة في تدهورها، حيث فقدت كل مكاتبها الثمانية التي كانت تعتمد عليها في تلقي الأخبار من خارج السودان، فضلاً عن تدهور العمل بالولايات، حيث عانى غالبية المراسلين بالولايات المختلفة من وضع صعب أثر بصورة واضحة في أداء الوكالة الرسمية، أضف إلى ذلك أن ضعف الرواتب التي يتقاضاها منسوبو “سونا” أبعد عنها كثيرين ممن كانوا يرغبون في تقديم خدماتهم لها.

يقول الكاتب الصحفي النور أحمد النور إن “سونا” أُهملت من قبل الحكومة خلال السنوات الأخيرة مما أدى لتدني مستوى الخدمات التي تقدمها، فضلاً عن كونها لم تستطع استقطاب كوادر مما أثر على مستواها المهني وتراجع دورها كثيراً في أن تصبح المصدر الرسمي لأخبار الدولة.

تقوية

قرار عودة “سونا” وتبعيتها لرئاسة الجمهورية يفسر بأن الحكومة تتجه في المرحلة المقبلة لتقوية الإعلام الرسمي بصورة أكبر، وجعل الوكالة الرسمية المصدر الأول للأخبار، بعد أن شابتها كثير من الهنات خلال السنوات الماضية – بحسب النور أحمد النور- لا سيما بعد النشاط والتواجد الكبيرين لرئيس مجلس الوزراء القومي معتز موسى بمواقع التواصل الاجتماعي “تويتر وفيس بوك”، حيث ظل الوزير ومنذ حوالي “15” يوماً “يغرد” بصورة يومية على “تويتر” حول نشاطاته التي يقوم بها، ما يشير ربما إلى اعتراف الحكومة بهزيمة الإعلام الرسمي في مواجهة وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعلها تفكر في تبعية “سونا” لرئاسة الجمهورية بدلاً من وزارة الإعلام لتقويتها.

لا فائدة

ويرى النور أحمد النور، أن القرار الأكثر صواباً في حالة “سونا” هو البقاء تحت سقف وزارة الإعلام والسعي لتقويتها ودعمها مالياً وتغيير هيكلها بأن يكون جاذباً للصحفيين، وأشار إلى أن تبعيتها لرئاسة الجمهورية لن يغير كثيراً في واقعها حال لم تهتم بها الدولة وتكون هنالك إرادة سياسية لتغييرها ودعمها، وقال النور لـ”الصيحة”، إنه لا يعتقد بأن تبعية “سونا” لرئاسة الجمهورية سيؤدي لتطويرها لجهة أن كثيراً من المؤسسات التي تبعت لرئاسة الجمهورية لم تتطور كثيراً، وأضاف: “بالتالي كان المطلوب أن تُدعَم ويُغيَّر هيكلها”.

وعلى النقيض تماماً من حديث النور، وصف رئيس قطاع الإعلام بحزب المؤتمر الوطني دكتور إبراهيم الصديق القرار بأنه تعظيم لدور “سونا” في تقديم الرسالة الإعلامية حتى تكون المصدر الأول للمعلومات، وأشار إلى أن (سونا) تتمتع بكفاءات ذات خبرات تراكمية مميزة، وأداء تحريري احترافي، وقال إن القرار خطوة من شأنها أن توفر لوكالة السودان للأنباء إمكانية تحقيق الريادة في المنطقة وتعزيز المحتوى السوداني على المستوى الإقليمي والعالمي لما تتمتع به من صلات وتعاون وشراكة مع مؤسسات ووكالات أخرى، وقال الصديق لـ”الصيحة” إن تبعية الوكالة لرئاسة الجمهورية يمنحها المزيد من القوة في أن تكون المصدر الأول للأخبار لا سيما البيانات والمراسيم الجمهورية المؤكدة.

حصانة

يشير البعض إلى أن تبعية “سونا” لوزارة الإعلام لم يضعف من وجودها عالمياً فحسب، بل حتى على المستوى المحلي كانت الوكالة الرسمية غالباً ما تأتي متأخراً في تأكيد نبأ رسمي، ويقول مصدر لـ”الصيحة” إن وجود “سونا” تحت إشراف وزارة الإعلام جعل بعض الجهات الحكومية تضع يدها على الوكالة الرسمية –أحياناً- ليس بنشر الأخبار التي تريدها فحسب بل حتى في التغاضي عن بعض الأخبار، وأشار إلى أن تبعية الوكالة الرسمية لرئاسة الجمهورية يمنحها حصانة رئاسية من أي تدخلات سواء من بعض الوزراء أو من حزب المؤتمر الوطني باعتبارها تابعة للرئيس بصورة مباشرة.

رئيس تحرير القوات المسلحة الأسبق والخبير الإعلامي العميد عبد العظيم نور الدين، قال إن وكالة السودان للأنباء يجب أن تتبع لجهة سيادية حتى لا تكون تحت سيطرة الجهاز التنفيذي، الأمر الذي يجعلها أكثر انطلاقاً مما سبق، وأوضح لـ”الصيحة”، أن القرار يهدف لتقوية الوكالة في كل الجوانب لانطلاقة أكبر، وأشار إلى أن أداء “سونا” في عهد وزارة الإعلام كان ضعيفاً، لكنه أوضح أنه في الفترة الماضية، لم تكن سونا وحدها التي عانت، بل حتى وكالات الأنباء العالمية واجهت صعوبات أدت إلى تراجع مستواها، لعل أبرزها تحدي نشر الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الخرطوم: صابر حامد
صحيفة الصيحة.