نزيف واتساب !!
* ظلت الحكومة تلوذ بالصمت وتمتنع عن الإعتراف بوجود وباء (الشيكونغونيا) فى ولاية كسلا ــ وهو ديدن الحكومة تجاه كل الأمراض الوبائية فى جميع أنحاء السودان، ولا أحد يدرى الحكمة من وراء ذلك
، فالإعتراف بوجود الوباء يسرع بالسيطرة عليه حيث تهب الدول والمنظمات لتقديم المساعدة، فضلا عن ارتفاع الوعى الشعبى مما يسهم فى السيطرة عليه، ولكن يبدو أن حكومتنا تؤثر التعامل بالقول المعروف ..( إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب)، فيما يتعلق بمفاسدها وأخطائها وتوجيه النقد لها، بينما تفضل ممارسة الاسهال الكلامى فى الكذب والخداع وتضليل الناس!!
* ظلت الحكومة تنكر وجود الوباء إلا عندما انتشر ولم يعد السكوت مجديا، وعندما تكلمت، سخر (البشير) من وجود وفيات، قائلا بأنها (وفيات واتساب) بينما كان الوباء يقتل المئات، رغم أنه لا يقتل فى العادة إلا الصغار وكبار السن الذين يعانون من سوء التغذية، أو عند إهمال علاج الأعراض مثل فقدان السوائل .. إلخ وهو ما حدث بالضبط فى مدينة كسلا وضواحيها، حيث وقف الصمت الحكومى ونقص الإمكانيات المريع وراء الوفيات والتدهور الكبير فى الحالة الصحية بالولاية، وكان من الممكن ألا يحدث ذلك لو اعترفت الحكومة بالمرض فى وقت مبكر وهب العالم لمساعدتها .. ولكن متى كان إنقاذ الناس وتخفيف معاناتهم أمرا يشغل بال الحكومة؟!
* ومثلما سكتت الحكومة عن انتشار وباء (الشيكونغونيا)، فلقد سكتت أيضا عن انتشار الحمى النزفية، او ما يعرف بوباء (الضنك ــ حمى الدينج)، وأنكرت وجوده تماما، رغم كل المؤشرات التى اكدت وجوده، من أعراض وظروف مناخية ملائمة، ووجود البعوض الناقل، وهو نفسه الذى ينقل مرض (الشيكونغونيا)..إلخ .. ولا تزال ساكتة وصامتة حتى اليوم، حتى فضحتها منظمة الصحة العالمية أول أمس على لسان (نعيمة القصير) مدير مكتبها بالخرطوم بحديثها عن إنتشاره بولاية كسلا (صحيفة الجريدة، الثلاثاء 16 اكتوبر، 2018)، وذلك على خلفية إنعقاد مؤتمرها الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالخرطوم، ووجه مديرها العام انتقادات للحكومة السودانية على ضآلة الإنفاق على الخدمات الصحية وتركها للمواطن، وهى انتقادات ترقى لمستوى الفضيحة، ولا ادرى بماذا سترد الحكومة، وهل سنسمع (البشير) الذى أقيم المؤتمر تحت رعايته، يردد النغمة النشاذ بأن حديث المنظمة الدولية ما هو إلا (أكاذيب واتساب).. أم ماذا ؟!
* إذا كانت الحكومة قد إستعصمت بالصمت مع مرض (الشيكونغونيا) باعتباره مرضا غير قاتل، فهل ستمارس نفس السلوك الجائر مع مرض حمى الضنك، وهو مرض فيروسى سريع الانتشار، شديد الخطورة، يؤدى الى وفاة حوالى (5 %) من المصابين به، ولقد قتل ما يزيد عن ألف شخص فى البرازيل قبل عامين، وأصاب مليون شخص، كما انه يتسبب فى انتشار حمى الملاريا بشكل وبائى بين المصابين به بسبب نقص المناعة، الأمر الذى يزيد المعاناة ويرفع معدلات الوفيات !!
* وما يزيد الأمر سوءا أن أعراضه لا تختلف كثيرا عن أعراض الإنفلونزا إلا عندما يتمكن من المريض، فيبدأ فى القئ المصحوب بالدم والنزف من الأنف .. وقد يصعب حينها انقاذه من الموت .. كما حدث قبل عدة أعوام للفنان الكوميدى الكبير (الفاضل سعيد) إبان زيارته لمدينة بورتسودان لعرض إحدى مسرحياته الكوميدية، رحمه الله، وهو مرض لا علاج له سوى معالجة الأعراض!!
* هل ستصمت الحكومة كما ظلت تفعل فى كل مرة، ولا تصحو إلا عندما تبلغ الأرواح الحلاقيم، وتضج الوسائط، لا لإنقاذ الناس، وإنما لاتهامهم بالكذب، وممارسة الغطغطة والدغمسة والجغمسة ونشر الأكاذيب، أم ماذا؟!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة