كادر خطابي مفوَّه وقائد سياسي محنك أحمد هارون… والٍ واجَه الكثير من الصعاب
من المفارقات أن هارون ما إن وطأت قدماه أرض شمال كردفان والياً عليها بدأ في طرح فكرة النفير وإن كان الرجل يرى أن نفير الحركة الشعبية عاد عليها بالانفصال ولم يعد على المستنفرين شيئاً..
يرى كثير من المواطنين أن هارون يمتلك كاريزما تجعله يكسب ود المواطن أينما حل، مبينين أن الرجل يكسر كل الحواجز ويتكلم لغة المواطن البسيط ويشاطر الجميع مناسباتهم ويمضي بينهم دون خيلاء السلطة
طبيعة هارون جعلته يتحدث بذات لغة المجتمع الذي يعمل وسطه ويستخدم مفردات الشباب التي يستخدمونها في الحياة العادية بعيداً عن اللغة المحتشدة بقاموس نخبوي
واجه هارون تمرداً قاده عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان استمر معه في نزال إلى أن ترك الولاية ميممًا شطر شمال كردفان
بروفايل: محجوب عثمان
في العام 1964 أطل على العالم مولود ذكر للشيخ محمد هارون شيخ الطريقة التيجانية بالأبيض، كآخر عنقود اطلق عليه أحمد لينضم إلى أسرة مكونة من العديد من الأبناء والبنات وكونه “حتالة” إخوته فقد نشأ بينهم ينال التوجيه والإرشاد من جميعهم، وينفذ ما يرد إليه من توجيهات أسرة صوفية ملتزمة بالطريقة التيجانية وتميل في أفكارها نحو الحركة الإخوانية التى بدأت تنداح بالبلاد آنئذٍ.
شخصية قيادية
تدرج أحمد هرون في مراحله التعليمية في مدينة الأبيض قبل أن ينتقل لمدرسة خور طقت الثانوية القومية وعندها بدأت شخصيته القيادية في التكون، إذ كان ضمن نحو ألفي طالب يملأون داخلية خور طقت واختير في عامه الأول رئيساً لداخلية ضيف الله، ثم في العام الثاني رئيساً ثانياً للداخلية ثم رئيساً للداخلية كلها في العام الثالث ربما ذلك ما مكنه أن يكون رئيساً لاتحاد الطلاب السودانيين عن الاتجاه الإسلامي خلال الفترة التي درس فيها القانون بجامعة القاهرة في مصر في العام 1988م، وتلك الفترة كانت خصبة في تكوين شخصية الرجل، إذ يذكر معاصرون أنه برز أثناء الدراسة بشخصيته القوية كواحد من القيادات الطلابية سيما وأنه سافر للقاهرة مشبعاً بفكر الإخوان المسلمين وبالعمل التنظيمي ما جعله يصنف ككادر خطابي مفوَه وقائد طلابي محنك.
انضمام إسلامي
في حديث سابق له يشير أحمد هارون إلى أن أخاه الأكبر التيجاني هرون هو الذي جنده للحركة الإسلامية ويبين أن ما ساعد على انخراطه في صفوف الحركة الإسلامية هو الوسط الذي نشأ فيه، فقد نشأ في أسرة متدينة إذ أن والده رغم أنه كان شيخاً كبيراً في الطريقة التيجانية، إلا أنه كان من المؤيدين والمناصرين للحركة الإسلامية، بينما كان شقيقه الأكبر من الإخوان المسلمين ومناصري الحركة الإسلامية، ويوضح ان جو التأثير المباشر الذي نشأ فيه جعل الحركة الإسلامية الخيار المطروح أمامهم ومضوا فيه..
مولانا هارون
يُعد أحمد هرون أحد الأطر النشطة بالحركة الإسلامية إذ تم تعيينه قاضياً بمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان بعد تخرجه في الجامعة، لكن مع بدايات الانقاذ انخرط في العمل العام كونه أحد المشاركين بفاعلية في قيام الإنقاذ، وما لبث أن تم تعيينه مسؤولاً عن صندوق السلام والتنمية بولاية جنوب كردفان عام 1995، ثم وزيراً للشؤون الاجتماعية بذات الولاية قبل أن ينتقل إلى العاصمة الخرطوم عام 1998 لتولي منصب المنسق العام للشرطة الشعبية والذي يذكر له أنه قام بتنظيمها وترتيب أوراقها وتخريج العديد من القوات منها لتنضم لركب الشرطة، ما أهله ليتم اختياره في العام 2003 وزيراً للدولة بوزارة الداخلية ، من بعد أعفي من منصبه بوزارة الداخلية وتحول إلى منصب وزير الدولة بوزارة الشؤون الإنسانية في سبتمبر 2005 في حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت بموجب اتفاق السلام في جنوب البلاد، قبل أن يتم الدفع به والياً لولاية جنوب كردفان ومن ثم فاز فيها بمقعد الوالي خلال انتخابات العام 2010م بعد صراع كبير مع الحركة الشعبية لتوتر الأجواء بينه وعبد العزيز الحلو ولتسفر عن تمرد الأخير عقب انفصال الجنوب.. بعدها تم اختياره والياً لولاية شمال كردفان التي لا يزال على سدة حكمها مرتكزاً على ثقافة النفير التي أرساها لإعادة تنمية الولاية.
انحياز مبكر
ويرى عدد كبير أن انحياز أحمد هارون إلى القصر بعد مفاصلة الرابع من رمضان على حساب جماعة المنشية، كان له دور كبير في تبوؤ هرون مكانته القيادية في صفوف التنظيم، حدث هذا رغم صلة القرابة التي تجمعه بالشيخ إبراهيم السنوسي وأسرته فضلاً عن العلاقة التنظيمية المتينة وعلاقة الجيرة بحسبان أنهما يسكنان في ذات الحي بمدينة الأبيض، لكن الكثيرين يرون أن مقدرات أحمد هارون القيادية التي لا ينكرها حتى خصومه هي التي أوصلته إلى ما وصل إليه، مبينين أن الرجل يمتلك كاريزما القيادة وأنه حقق نجاحات لا تخفى على أحد في كل المهام التي أوكلت إليه على مر سنوات الإنقاذ.
يقول أحمد هارون عن نفسه إنه اختبر الموت كثيراً ولذا لم يعد يهاب شيئاً، فهو منذ أن كان مجاهداً في صفوف المجاهدين الذين كانوا يخوضون الحرب بجانب القوات المسلحة ضد الحركة الشعبية في جنوب السودان في بواكير الإنقاذ، وتعرض الرجل لعدد من الحوادث كما يذكر له الصحفي يوسف عبد المنان أنه قاد عددا من المجاهدين عندما كان موظفاً صغيرا في إدارة السلام بجنوب كردفان لإنقاذ كتيبة من المجاهدين عندما تقطعت بهم السبل في منطقة نائية بجبال النوبة بفعل الخريف وتعذر إيصال الغذاء لهم، فكان أن حمل كيساً به نحو “كيلة” من الدقيق وأمر من معه بحمل كيس مماثل لكل منهم وساروا مسيرة يومين تعرضوا خلالها لكمين من الحركة الشعبية غير أنهم نجحوا في ايصال الغذاء..
طائرة عاشوراء
كما يذكر لهارون أنه كان ضمن (13) مدنياً نجوا من حادثة تحطم طائرة عضو مجلس الثورة إبراهيم شمس الدين بمدرج عدارييل، فضلاً عن حادثة أخرى لطائرة كان يستقلها بمعية كل من البروفيسور هارون لوال وزير الشؤون الإنسانية وفيليب طون وزير النقل بالإضافة لقائد سلاح المهندسين ونائب قائد القوات المشتركة والعميد مارشال ممثل الجيش الشعبي في هيئة القيادة المشتركة في رحلة عودة من مطار ملكال عندما صعقتها صاعقة على ارتفاع (10) آلاف قدم وأدت لتوقف جميع محركاتها وأجهزتها الملاحية لتهوي نحو الارض، غير أن جميع أجهزة الطائرة عادت للعمل عند وصولها لارتفاع (4) آلاف قدم، لكن مأساة الطائرة تلك لم تنته عند هذا الحد، إذ انها عندما وصلت إلى الخرطوم كانت الأحوال الجوية عاصفة ويمنع انتشار الغبار الرؤية ليقوم برج المراقبة بتوجيههم نحو الأبيض غير أنهم وجدوا أن الغبار وصل إليها عندما حاولوا الهبوط هناك فكان الخيار العودة للخرطوم، إلا أن وقود الطائرة كان قد نفد عند وصولهم غرب أمدرمان، لكن رسالة صوتية من برج المراقبة بمطار الخرطوم انقذتهم عندما أعلنت لهم انقشاع الأتربة وإمكانية الهبوط، ويبين ركاب الطائرة تلك أنها توقفت في المدرج لأن ماكيناتها لم تكن تعمل بعد أن توقفت بفعل انتهاء الوقود.
كتمة كادوقلي
من الحوادث الكبيرة التى ألمت بهارون وقتها كانت ما تعارف عليه بـ”الكتمة”، ففرحة فوزه بالانتخابات كوالٍ لجنوب كردفان في أبريل من العام 2010م، لم تدم طويلاً، إذ بدأ غريمه من الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو في التذمر بدعوى أن المؤتمر الوطني قام بتزوير نتيجة الانتخابات، سيما وأن الحركة الشعبية كانت تحاول الفوز بأي طريقة لدرجة أنها رفعت حينها شعار “يا النجمة يا الكتمة”، بمعنى أنها كانت تخير الناخبين بين التصويت لرمزها “النجمة” أو الاستعداد للحرب.. تصاعد التوترات حينها دفع وفداً من الحكومة المركزية للسفر إلى كادوقلي في صبيحة يوم 6/6/2010م ومنها لجبل “مردا” الذي استعصم به عبد العزيز الحلو لمحاولة إثنائه عن التمرد، وكان الوفد يضم ياسر عرمان والفريق مالك عقار والفريق مجاك نائب مدير جهاز الأمن والمخابرات آنئذ من جانب الحركة الشعبية وكلاً من إدريس محمد عبد القادر واللواء يحيى حسين والفريق عصمت عبد الرحمن رئيس هيئة الأركان حينها لكن المفاوضات باءت بالفشل.
ويشير الصحفي يوسف عبد المنان الذي رافق الوفد أن امرأة برتبة عقيد جاءت نحو هارون عندما كان يهم بوداع الوفد بمطار كادوقلي وقالت لهم “الليلة الموت جاييكم”.. ربما تلك المقولة دفعت هارون لتبديل عربته في طريق العودة من المطار نحو كادوقلي إذ أنه وبمجرد وصول موكب الوالي إلى منطقة “مرتا” خارج كادوقلي بدأ وابل من الرصاص ينهمر على عربته في مقدمة الموكب ..عندها واجه هارون تمرداً جديداً قاده عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان استمر معه في نزال إلى أن ترك هارون الولاية ميممًا شطر شمال كردفان.
نفير كردفان
في مقالاته التي كتبها هرون حول “الكتمة” قال “إن الحركة الشعبية تنكرت لبرنامج السودان الجديد من نمولي إلى حلفا، واستنفرت له كل من سمتهم المهمشين ثم اكتفت برفع يدها ملوحة لهم بعبارة الوداع المشهورة وداعاً «باي باي»، وقالت إن مشاركتهم في قتالها كان نفيراً وانفض بإنجازه لمهمة النفير!! ومن المعلوم بداهة أن المشاركين في النفير لا يقتسمون مع صاحب النفير شيئاً من حصاده” …
ومن المفارقات أن هارون ما إن وطأت قدماه أرض شمال كردفان والياً عليها بدأ في طرح فكرة النفير لإعادة إعمار الولاية وإن كان الرجل يرى أن نفير الحركة الشعبية عاد عليها بالانفصال ولم يعد على المستنفرين شيئاً، إلا أنه يلح ويصر على أن نفير شمال كردفان سينعكس على الولاية وإنسانها باعتباره تعميراً للأراضي لن يستفيد منه هو أو الحكومة التي ولته الولاية شيئاً، ويؤكد مقربون من هارون أن الحكومة ظلت تدفع ثلاثة أضعاف مقابل كل مبلغ مالي يتبرع به أي من المواطنين، فكان أن انعكس ذلك بصورة كبيرة على ارتفاع مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطن.
قاموس هارون
يرى كثير من المواطنين أن هارون يمتلك كاريزما تجعله يكسب ود المواطن أينما حل، مبينين أن الرجل يكسر كل الحواجز ويتكلم لغة المواطن البسيط ويشاطر الجميع مناسباتهم ويمضي بينهم دون خيلاء السلطة، فطبيعة هارون جعلته يتحدث بذات لغة المجتمع الذي يعمل وسطه ويستخدم مفردات الشباب التي يستخدمونها في الحياة العادية بعيداً عن لغة قيادات المؤتمر الوطني المحتشدة بقاموس نخبوي.
صحيفة الصيحة.