تحقيقات وتقارير

رغم امتلاك السودان كافة مقوماتها السياحة .. مورد اقتصادي مهدر


قطاع الفندقة: 17 رسماً تتحصلها الحكومة من الفندق الواحد
الدكتور صلاح: الطرق تمثل أزمة حقيقية في الخريف

صاحب وكالة: نحتاج إلى بنية تحتية من فنادق وطرق ومنتجعات
مرشد سياحي: الميزانيات المخصصة لهذا القطاع متواضعة

ارتسمت الدهشة على وجه محدثي إياد سعد الدين المنتج الذي جاء إلى السودان للاستثمار في الدراما، وهو يحدث أن السودان من الدول النادرة التي تتمتع بـ”لوكيشن” طبيعي جاذب لتصوير أضخم الأعمال الدرامية، وتساءل لماذا لم يستثمر السودان موارده في صناعة سياحة جاذبة يمكن أن تسهم بقدر عالٍ في الناتج القومي.

حديث إياد سعد الدين كان مدخلي لإجراء هذا التحقيق الذي نحاول من خلاله أن نضع الملح على الجرح، ونسلط الضوء على أهم العقبات التي تواجه صناعة السياحة على الرغم من توفر مقوماتها.

الشعور بالحرج

يرى الباحث في الحضارة السودانية، الدكتور صلاح عوض، أن فصل الخريف يمثل واحداً من المعوقات التي تعرقل عمل السياحة في السودان حيث تعطل الأمطار حركة السير، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالحرج تجاه أي شخص يزور البلاد سائحاً، وهذا يؤثر سلباً في عدم الاستفادة من الطبيعة الغابية وشبه الغابية التي تميزنا عن الآخرين والتي تحوي مئات الأنواع النادرة من الحيوانات من أسود ونمور وفهود وزراف وخلافه.

شكل جاذب

ويمضي د. صلاح في حديثه للصيحة، ويقول: تعد سياحة (السفاري) من أشهر مجالات السياحة وأكثرها جذباً للسياح خاصة عشاق المغامرة، وتساءل لماذا لا تقوم الدولة بتحويل محمية الدندر إلى مكان لتواجد السياح الراغبين في السياحة من هذا النمط، ويضيف: من المعلوم أن الدول الأفريقية تعتمد ميزانيتها على هذا النمط غير أن الأمر عندنا مختلف تماماً، إذ لا تهتم الدولة بالإعلان عنها وإظهار التنوع البيئي الموجود في الأراضي السودانية، والذي ليس له مثيل في محيطنا الإفريقي والعربي.

ندرة الفنادق

ويؤكد الخبير صلاح أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في عدم وجود فنادق خمس نجوم أو أماكن لإيواء السائحين الراغبين برؤية الآثار، فالفنادق الموجودة في تلك المناطق غير مؤهلة ولا تحتوي على أي خدمة فندقية حقيقية، ولهذا يضطرون لأخذ السائحين واعادتهم نحو الخرطوم أو أي مدينة رئيسية بعد ساعات قليلة من تأملهم آثار مروي والبجراوية.

أما بالنسبة لسياحة الغوص في البحر الأحمر فالعائق الرئيسي أمامها هو الإعلام والمتاح حالياً بفضل مجهودات بعض الشباب على الإنترنت وبعض المخضرمين من العاملين بها.

حضارة ضاربة في القدم

ويؤكد أحمد الطيب الصادق/ مدير وكالة “رفل” للسياحة، أن للسياحة قيمة عالية في دعم الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن السودان يمتلك كل مقومات السياحة من حضارة ضاربة في القدم ومواقع أثرية ومناطق طبيعية ساحرة، فقط نحتاج إلى بنية تحتية من فنادق وطرق ومنتجعات تشجع على جذب السياح.

وقطع أحمد بأن السودان يمتلك أعذب ماء في العالم، فمعظم دول العالم تكرر المياه المالحة وبالتالي وجود المنتجعات يمكن أن يجذب عددا لا يستهان به في مجال السياحة، وطالب أحمد بضرورة الاستثمار في نهر النيل باعتباره من أعظم مصادر المياه في العالم، وضرب مثلاً بالتجربة المصرية، وكيف أنهم استفادوا من النيل لدعم السياحة .

أهم المحاور

وقال أحمد إن وكالات السفر تعد أهم المحاور في السياحة، فهي الجهة المنظمة للرحلات السياحية وتعلن عن ذلك بالتعريف عن المواقع السياحية والأثرية، وتقوم بعملية التنسيق عبر الفيديوهات والصور التي تعرف بالسياحة والمواقع في السودان كجبل مرة وأهرامات البجراوية.

وشدد أحمد على أهمية وجود الدليل السياحي مع قروبات السائحين بشرط أن يكون متخصصاً حتى يعرف السائح طبيعة أي منطقة تراثية وتاريخية ويستطيع الإجابة على أي استفسارات، ونوه أن الإعلام يعد أهم وسيلة للتعريف بالسياحة.

تدريب الكوادر

وقال أحمد: بحسب تجربتي الشخصية والسنين التي عشتها في ماليزيا، فإن اقتصادها وتطورها قائم على عائدات السياحة، لأن الشعب الماليزي شعب عملي ويعشق الأرض، وكل همهم أن يقدموا للعالم النموذج الأمثل لدولة جاذبة، ونحن كشعب نفوق الشعب الماليزي إرثاً وحضارة وجغرافيا، ومع ذلك تعد السياحة في آخر الأولويات، ولابد أن تهتم الدولة بالسياحة وتوفر كل المعينات والإمكانيات من بنيات تحتية، ولابد أن تكون هنالك رؤية واضحة تعمل من خلالها الدولة للتعريف بالمناطق السياحية وتوفير الكوادر وتأهيلها في مجال السياحة كمرشدين سياحيين.

شح التمويل

ويضع المرشد السياحي، محمد عبد الله مبضعه على الجرح ويشرح الواقع السياحي ويصل إلى جملة من النقاط، أجملها في شح التمويل الحكومي، ويرى أن الميزانيات المخصصة لقطاع السياحة متواضعة مقارنة بالدول الأخرى المهتمة بهذا المجال، بجانب غياب تام للقطاع الخاص للاستثمار في المجال السياحي، ويبرر ذلك بالتقلبات السياسية، وفي كثير من الأحيان البيروقراطية البغيضة، وضعف البنية الأساسية، فمعظم هذه المرافق لم يتم تطويرها وتجديدها واستحداث أخرى، بحيث تلبي السياسات الاقتصادية بشكلها المتكامل.

الاستقرار السياحي

ويمضي عبد الله في تشريحه، ويؤكد أن المعوق الأساسي الذي قعد بقطاع السياحة، يتمثل في عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني، فهذه المعضلة أعاقت تنفيذ الخطط التنموية الموضوعة بجانب هدمها للبنية التحتية الموجودة أصلاً، فضلاً عن سلبية الإعلام ودوره في التعريف بالسياحة، وعدم مواكبته للتقدم السريع والمتواصل في مجال المعلومات والاتصال.

دخول القطاع الخاص

ويرى عبد الله أن الحلول تتمثل في إعطاء قطاع السياحة الأولوية في ميزانيات الدولة بتخصيص ميزانية تتوافق مع حجم الخطة الموضوعة وإشراك القطاع الخاص في العملية التنموية من خلال تفعيل مبدأ (الشراكة)، وتطوير قطاع الإعلام السياحي وتدريب الكوادر العاملة بها، ودعم البحوث والدراسات، وإنشاء كليات متخصصة في مجال السياحة، والتعريف والاتصال بمناطق الجذب السياحي العالمية والوقوف على تجاربها والعمل على تكوين وتنشئة أجيال جديدة من المواطنين تكون لهم توجهات مختلفة عما هو سائد الآن من خلال التنمية المتوازنة المستدامة.

ضعف الثقافة

وطبقاً للخبير السياحي الدكتور عادل عبد العزيز الفكي أن من أهم المشكلات التي تواجه صناعة السياحة في السودان ضعف ثقافة ومفهوم صناعة السياحة عند عامة المجتمع وعند المخطط الاقتصادي للدولة ومتخذ القرار السياسي، كما أن السياحة ليس لها حضور في هيكل الاقتصاد السوداني ووظائفه، ولا تحسب من موارده ذات الأولوية بالرغم من وجود مقوماتها الأساسية، كما يوجد ضعف بائن في الإنفاق على تطوير بنيات السياحة ومشروعاتها والإعلام والترويج عنها وتدريب الكوادر البشرية التي تقوم بأمرها.

تقاطعات مخلة

ويرى الدكتورعادل أن المستثمرين في القطاع السياحي يواجهون إشكالية التقاطع بين الدستور القومي والقوانين الولائية والتي نتج عنها تأثير سالب على حركة الاستثمار الأجنبي بالسودان، كما أن الولايات تفرض رسوماً وإجراءات إدارية وسياسات تسهم في تعويق السياحة، وحتى القرارات والإجراءات بحسب الخبير عادل متقلبة وهذا أدى إلى إغلاق عدد من الفنادق والمطاعم السياحية الكبرى المنشأة باستثمار أجنبي كامل أو مشترك ومن ذلك فرض (17) رسماً مالياً وضريبياً على الفندق الواحد، وبعد التصديق الكلي للفندق يتم ترخيص منفصل لمناشط جزئية كل على حدة مثل المطاعم وصالة الرياضة وحمام السباحة، كما يتم التصديق لمناشط مقابل رسوم باهظة، وما إن تبدأ حتى يتم إلغاؤها، ثم تصدق مرة أخرى وفق شروط جديدة ورسوم جديدة.

موارد إضافية

ويضيف عادل إن تحريك هذا القطاع وإزالة معيقاته أمر ذو حيوية بالغة للاقتصاد السوداني حيث يعمل على توفير موارد إضافية للاقتصاد القومي والمجتمعات المحلية، ويوفر فرص العمل خاصة للشباب، ويحدث نقلة حضارية في المجتمعات المحلية.

صناعة المستقبل

وفي دراسة أجراها الدكتور عبد الرحمن محمد الحسن عميد الشؤون العلمية بجامعة بخت الرضا عن مساهمة السياحة في الاقتصاد السوداني توصل الى أن للسياحة دورا ونصيباً وافراً في الاقتصاد، إذ أنها تعتبر الآن صناعة المستقبل، وقد بين في دراسته أن دخل حركة السياحة العالمية نحو 800 مليار دولار حتى العام 2007م، مؤكدًا أن نائب السكرتير لمنظمة السياحة العالمية عند زيارته السودان في أبريل 2004 أكد أن للسودان مقومات وافرة تجعله في مصاف الدول التي تدعم اقتصاديات بلادها عن طريق تفعيل السياحة.

ويضيف: عدد السياح ومتوسط مدة إقامة السائح في البلد المضيف أهم محددات الإيرادات السياحية، وبالنظر إلى مؤشر عدد السياح في السودان، نجد أنه في تطور ملحوظ من عام إلى آخر، فقد بلغ عدد السياح في العام 2000م 37.6 ، ثم ارتفع إلى 50.9 ألف، إلى أن قفز إلى 205.8 ألف عام 2005م إلى أن بلغ 420.2 ألف سائح، ومن ذلك يتبين أن أعداد السياح حتى 2004م كانت تقتصر على الأجانب الذين يدخلون البلاد بغرض السياحة، إلا أن الفترة الأخيرة من 2005م إلى 2009م قد ازداد عدد السياح بأعداد كبيرة .

أسباب موضوعية

ويعزو الدكتور عبد الرحمن الزيادة في عدد السياح إلى إضافة السودانيين العاملين بالخارج إلى السياح الأجانب، وذلك حسب تعريف منظمة السياحة العالمية بأن الوطني المقيم خارج وطنه عند عودته في إجازة إلى بلده يعتبر سائحاً (الجهاز المركزي للإحصاء 2010م)، ورغم هذه الزيادة إلا أن نسبة أعداد السياح ربما لا تصل العدد المخطط أن يصله حسب أهداف الخطة الخمسية (2007 – 2009م) للوزارة، وهو 2 مليون سائح، ويؤكد أنه رغم هذا التطور في أعداد السياح في السودان، إلا أنه يعتبر قليلاً جداً عند مقارنته بدول المنطقة، فكما ذكر سابقاً أن عدد السياح في السودان عام 2005م بلغ 205.797 سائحاً، بينما بلغ 9 ملايين سائح في مصر، و4 ملايين في تونس لنفس العام.

إيرادات السياحة

وتكشف الدراسة عن تطور الإيراد السياحي في السودان من سنة إلى أخرى، ولكنه لم يكن بالشكل الذي يرجى أن يلعبه هذا القطاع المهم، حيث بلغ دخل السياحة للعام 2005م 164.6 مليون دولار، وارتفع ارتفاعاً ملحوظاً إلى 409.3 مليون دولار عام 2006م، وإلى 427.6 مليون دولار، و548.7 مليون دولار في عامي 2007م و 2008م على التوالي.

الخرطوم: معاوية السقا
صحيفة الصيحة