تحقيقات وتقارير

أوضاعهم تتباين في أوروبا وكندا السودانيون في المهجر .. المستجيرون بالرمضاء من النار 2- 3


صديق محمد عثمان: أغلب مبررات اللجوء السياسي لا ترقى لقبولها

جعفر السبكي: السودانيون يعانون ظروفاً صعبة في كل دول أوربا

شهاب طه: أغلب السودانيين في أوربا يواجهون معاناة حقيقية

لم يضع جلال الذي كان يعمل سائقًا بمصنع سكر حكومي أن الأقدار ستسوقه بعيداً عن موطنه الأصل، كان جل طموحه أن يتم استيعابه في الخدمة المستديمة، لذا فقد كان من المخلصين والمجدين في علمهم، ولما تطاول أمد تحقيق حلمه تسلل اليأس الى نفسه، ورأى أن يضرب في فجاج الأرض بحثاً عن وظيفة تدر عليه دخلاً جيداً، اختار الخرطوم وجهة أولى، ولكن لم يحالفه التوفيق، فتوجه نحو دنقلا ليعمل في إحدى الشركات الخاصة، ومن هنا بدأت رحلته إلى ما وراء البحار، رحلة لم يضعها في حسبانه ولكن تبدو حتى الآن وبعد مرور عشرة أعوام سعيدة.

في دولة العدو

حظ جلال في التعليم يعد متواضعاً وعلاقته بالسياسة صفرية بامتياز، كان كل همه ينحصر في مساعدة والدته التي تعمل في مهنة هامشية لإعالة أبنائها، في دنقلا التقى عددا من زملاء الشقي في قيادة السيارات، عرضوا عليه الهجرة إلى مصر، ومنها إلى أوربا، دون تردد وافقهم، فهو كان يبحث عن تحسين وضعه بغض النظر عن الدولة التي يمكنها أن تحقق أحلامه.

في القاهرة عرف أن انتظار قبول طلب اللجوء قد يستغرق زمناً طويلاً فاختار أن “يقد سلك” ويتسلل إلى إسرائيل، وبعد مضي عشرة أعوام، فإن أمنية جلال بتحسين وضع أسرته قد تحولت إلى واقع.

أوضاع متقلبة

حامد .. شاب في العقد الثالث من عمره مثله وعدد كبير من الشباب السوداني رأى أن واقعه لن يتغير إلا بطرق أبواب الهجرة إلى أوربا، فعل ذلك قبل خمسة أعوام، إلا أنه وفي دردشة مع “الصيحة” عبر الواتساب يشير إلى أنه يعاني كثيراً من انخفاض درجات الحرارة، ويكتب ضاحكاً :”هنا البرد صعب لكن الدولار حار، وفي السودان الجو مسخن والجيب برضو”، وحينما سألته عن إمكانية عودته، قال إنه يتمنى أن يفعل ذلك، ولكن ليس في الوقت الراهن، ويشير إلى أن السودانيين في أوربا رغم معاناة بعضهم إلا أن وضعهم يعتبر أفضل حالاً من أولئك الموجودين في دول الخليج، ويضيف: في أوربا يمكنك أن تتأكد جيدًا أنك إنسان له حقوق وعليه واجبات، هنا القانون فوق الجميع والحرية متاحة، كما أن الدخل يعتبر جيداً، ويشير إلى أن كثيراً من الشباب السوداني اختار الزواج من أوربيات، مبينًا أنه اقترن بسويدية، وقد أنجب منها طفلاً، غير أنه ينوه إلى أن الحصول على حق اللجوء بات عسيراً والكثير من الذين وفدوا إلي أوربا مؤخراً يواجهون هذه المعضلة.

اللجوء يتضاعف

من ناحيته، فإن السوداني صديق محمد عثمان، المقيم ببريطانيا بضواحي العاصمة لندن، يقول إن دخول السودانيين إلى أوروبا سابقاً كان يتم غالباً عبر الابتعاث الرسمي للدراسة وأغلبهم كانوا يعودون الى دولة الدراسة بعد فترة ويستقرون بها، غير أنه وفي حديث للصيحة يؤكد أن الوجود السوداني الأخير أغلبه نتج عن هجرات اللجوء منذ أوائل التسعينات لأسباب سياسية، والآن لأسباب اقتصادية، ويضيف: للأسف فإن أغلب المبررات التي يرتكز عليها طالبو اللجوء السياسي لا ترقى لقبول طلباتهم، ولكنها صادفت هوى الحكومات الغربية التي كانت بحاجة لمهاجرين جدد، وأضاف: والناظر لتعامل الغرب مع ظاهرة اللجوء يمكنه أن يتتبع دورات انفتاح في سياسات اللجوء يعقبها انغلاق أو تضييق تام لأن الدول الغربية تأخذ ما يكفي حاجة اقتصادها من عمالة ثم تغلق أبواب الهجرة لفترة، وهكذا.

مهن متدنية

ويكشف صديق أن أغلب المهاجرين وليس السودانيين وحدهم يعملون في مهن متدنية لا تتطلب مهارات حسب حاجة الاقتصاد وحاجة المهاجرين أنفسهم إلى العمل، وأردف: ولأن المهاجر يبدأ من أول السلم، فإن صعوده في الدرج الوظيفي يستغرق وقتاً أطول، كما أن المجتمعات الغربية ليست بالشفافية التي يتصورها الكثيرون، فالواسطة عندنا في مجتمعاتنا قد تكون ظاهرة اجتماعية، ولكنها هنا ظاهرة مؤصلة في صلب النظم، فأنت ومن تعرف وليس أنت وكفاءتك.

معيار الإنسانية

أما السوداني المقيم في كندا، شهاب طه، فيبدأ حديثه بالإشارة إلى أن أي مهاجر من العالم الإسلامي والوطن العربي، وحينما يحط رحاله بإحدى دول الغرب، فإن الشعور الذي يتملكه يكون الإعجاب والابتهاج، وقال للصيحة إن ذلك يعود إلى الشعور بالإنسانية وعدم وجود قيود تفرض عليه، كاشفاً أن المهاجر يحظى بالاحترام منذ وصوله المطار، ويرجع ذلك إلى وصول الغرب إلى صيغة جيدة من التعايش الإنساني.

ورغم أن شهاب يؤكد بأنه لا يدعي أن الحياة في الغرب هي المثالية فوق الأرض، ولكن يؤكد عدم وجود حضارة أفضل من الغربية في نموذجها المتعلق بالتعايش السلمي. وفيما يتعلق باللاجئين، قال إن الغربيين مبدئيون وعلى التزام بالمواثيق الدولية التي تتعلق بحماية حقوق الإنسان واللاجئين ولا يمكن تغييرها من قبل السياسيين لوجود منظمات مجتمع مدني قوية ومؤثرة.

حقوق اللاجئ

وقال شهاب إن اللجوء تختلف طرقه، فالبعض يأتي للدراسة ويطلب اللجوء، وآخرون يأتون عبر البحر، وأضاف: الجميع ينظرون إليهم على أساس أنهم لاجئون وتوجد محكمة مختصة للنظر في طلبات اللجوء، حيث يتم توجيه الكثير من الأسئلة لطالب اللجوء، مشيراً إلى أنه وبمجرد دخول الوافد إلى الغرب عامة وكندا على وجه التحديد، يتم منحه إذن عمل إلى حين النظر في طلب اللجوء، مبيناً أن الأجر في الساعة يبلغ أثني عشر دولاراً أمريكياً وأن معظم وقت الوافد يكون للعمل، ولكن رغم ذلك فإن السودانيين لديهم دار ويلتقون في المناسبات، ورغم أن عددا من السودانيين تعد أوضاعهم جيدة، إلا أن شهاب طه يؤكد أن الغالبية يواجهون معاناة حقيقية بدعوى المسؤوليات الملقاة على عاتقهم والالتزام تجاه أسرهم بالسودان، مباهياً بسلوك السودانيين الذين سريعاً ما ينسجمون في المجتمع الكندي ونظام الحياة المنضبط، وقال إن سهولة الحياة خاصة على صعيد خدمتي التعليم والصحة المجانيتين تجعل المقيمين في كندا لا يضعون خيار العودة مجدداً إلى السودان.

وفي تعضيده لتطور الخدمات ومجانيتها، أشار إلى أن أحد السودانيين خضع لعملية قلب مجانية بلغت تكلفتها 65 ألف دولار، وكشف عن نقله من مستشفى إلى آخر عبر طائرة الهلكوبتر.

اختيار واستثمار

ويلفت شهاب إلى أن كثيرين يختارون الهجرة إلى الغرب عامة وكندا خاصة لاستثمار الأموال التي يمتلكونها ومعظمهم قادمون من الخليج، وأن بعضهم يرسل أبناءه إلى الدراسة فيلحق بهم، ورغم اعترافه بوجود عنصرية طفيفة، إلا أنه يشدد على أن القانون مقدس والتعامل الإنساني هو العنوان البارز، إلا أنه يلفت لأمر يعتقد أنه هام ويتمثل في أن الغرب عامة يهتم بالأطفال حتى ولو كانوا من أسر وافدة، حيث يعمل الغرب على توفير كل وسائل الراحة والرفاهية لهم، وأردف: وبكل تأكيد، وحينما يكبر هؤلاء الصغار فإن ارتباطهم بوطنهم البديل يكون أقوى من الوطن الأصل، وهؤلاء بالتأكيد طبيعي ألا يعودوا للسودان لأن انتماءهم بات للدول التي نشأوا وترعرعوا فيها، ويقول إن عدم عودتهم ليس لأن الحياة مفتوحة وفيها إباحية وغيرها ولكن بداعي الانتماء.

زيارة وواقع

قال لي شهاب: أتمنى أن تزور الغرب بوصفك صحفياً حتى تتمكن من عكس الواقع كاملاً عن اختلاف الحياة كلياً، فقلت له” لا أتمنى الذهاب إلى الغرب لأنني سوف أعيش إنساناً، وهذا الأمر لم نألفه، ولم أتعود عليه”، فضحك وأضاف قائلاً: أختلف معك، فحضورك هنا وغيرك من الصحفيين يتيح لك نقل تجربة الحياة البسيطة والمنظمة التي يشعر فيها الوافد بإنسانيته، وهي تجربة تستحق أن يقف عليها الإنسان، ونتمنى أن تسود في عالمنا الإسلامي.

أوضاع قاسية

جعفر السبكي إبراهيم، الصحفي السابق بصحيفة الصحافة وعضو الاتحاد الدولي للصحفيين ببلجيكا، يؤكد في حديثه مع الصيحة أن اللاجئين السودانيين يواجهون في أوروبا ظروفا قاسية، خاصة حديثي الوصول، إذ يواجهون ثلاثة أخطار تتمثل في الإبعاد والسجن والترحيل لاعتبارات كثيرة منها علاقة الحكومة مع الاتحاد الأوروبي في عملية الحد من الهجرة غير الشرعية حسب الاتفاق الموقع بينهما، وبالتالي ــ والحديث لجعفر ــ يواجه السودانيون في الآونة الأخيرة رفض حق اللجوء خاصة في المانيا وبلجيكا، حيث يتم حبسهم وإعادة البعض منهم إلى الدولة التي نالوا فيها البصمة حسب اتفاقية دبلن التي تعتمد البصمة لأي طالب لجوء في أول دولة يدخلها، وبالتالي يتم إرجاعه الى الدولة التي بصم فيها، وأضاف: وهناك عدد كبير من اللاجئين السودانيين أغلبهم تم إرجاعهم لأنهم قادمون من إيطاليا.

عقبة أخرى

ويقول السبكي، إنه توجد عقبة أخرى تتمثل في إصرار بعض اللاجئين على السفر إلى بريطانيا، ويكشف أن هؤلاء يواجهون اعتقالات، ويتم إرجاعهم إلى السودان، وأضاف: في بلجيكا هناك العشرات تم إرجاعهم، والبعض لا يزالون في السجون توطئة لإعادتهم إلى السودان، وبسببهم برزت مشاكل كبيرة في بلجيكا حيث تبنتهم بعض أحزاب المعارضة، وقد تم استدعاء وزير الداخلية والمفوض الأمر الذي أخّر إبعادهم، لكنهم يقبعون في السجن، بيد أن المفوضية ترى أن الحل باستيعابهم في بلجيكا، وهم يرفضون، وبالتالي الحكومة البلجيكية ترفض أن تكون دولة ممر، بالإضافة الى ذلك فإن البعض يعاني في كيفية الحصول على الإقامة في ألمانيا، حيث يُواجَهون بالرفض وهذا سببه التقارب بين الحكومة الألمانية مع الحكومة السودانية.

معاناة

ويكشف جعفر السبكي، عن وجود ثلاثة آلاف سوداني يعانون في المانيا في سبيل الحصول على الإقامة، وعدد من المنظمات الآن تعمل من أجل تحسين فرص الحصول على محامين يساعدوهم على ما يسمى بكسر البصمة لبعض الدول خاصة إيطاليا، لأن حكومات الاتحاد الأوروبي تعرف أن ايطاليا ترفض كل اللاجئين لعدم قدرتها على إتاحة الفرص لهم وتوفير الخدمات، بجانب أنها تصر على معاقبة طالبي اللجوء لأنهم يبصمون ويهربون إلى الدول الأخرى فتعمل على إعادتهم مرة أخرى، ولتسهيل ذلك تعمل هذه المنظمات على إجراءات موجزة، وهناك قانون وُضع أمام البرلمان والمفوضية الأوروبية ينتظر موافقة المجلس والبرلمان الأوروبيين عليها، والأسبوع الماضي حدثت مظاهرة كبيرة من قبل المنظمات والأحزاب ببلجيكا لمنع ترحيل اللاجئين الذين يقبعون في السجون البلجيكية، رغم أن المفوضية الأوروبية ترفض إعادة اللاجئ إلى بلده دون موافقته، لكن صراحة كل حكومات الاتحاد الأوربي تتجه إلى عدم التقيُّد بقوانين الاتحاد الأوربي والهجرة، خاصة أن التقارب بين الحكومة والاتحاد الأوروبي أصبح وبالاً على اللاجئ السوداني الذي يعاني ظروفاً صعبة في كل دول الاتحاد الأوربي وتتم مطاردتهم في الشوارع في فرنسا وبلجيكا وينامون في الشوارع والأسواق.

الخرطوم: صديق رمضان
صحيفة الصيحة