تحقيقات وتقارير

بعد تصريحاته المثيرة مبروك سليم.. عودة من بوابة الجدل


حينما تباعدت خطوط التلاقي بين منسوبي الاتحادي الديمقراطي بكسلا قبل آخر انتخابات ديمقراطية في العام ١٩٨٧، وحتى يحسم الحزب الجدل مركزياً، لم يجد الشريف زين العابدين الهندي غير التوجه شرقاً ..

والجلوس إلى المتنافسين من حزبه للترشح للدائرة ١٩١ الذين أكدوا له احترامهم لاختياره، فما كان منه وبذكائه المعروف عنه إلا وأشار إلى شاب لم يصل الثلاثين من عمره، فقال لهم هذا هو المرشح لأنه اسمه فقط يدل على أنه الخيار المفضل، فما كان من الحضور إلا النزول على رغبة الراحل الهندي، ومنذ ذلك الاختيار، فإن القائد الشرقاوي مبروك سليم ظل في الواجهة، غير أن التشكيل الأخير للحكومة جاء خالياً من اسمه ليختار عبر تكريم أقيم له في مسقط رأسه بريفي غرب كسلا إرسال عدد من الرسائل الغاضبة إلى بريد المركز.

للمكان دلالة

في بادية كراي درير بسهول كسلا الغربية، فإن صباح أمس الأول كان يوماً استثنائياً في حياة مبروك مبارك سليم، الذي وبعد رحلة سياسية استمرت (32) عاماً اختار أنصاره أن يقولوا له شكراً على طريقتهم الخاصة، حينما نظموا احتفالاً مزج في حضوره وبرامجه بين العروبة والإفريقانية، ولم يكتفوا بشكره بل أجبروه على تقبل هدايا تجاوزت قيمتها المائة مليون جنيه أبرزها خمسة آلاف رأس من الأبل والماعز وذهب.

مسيرة وسيرة

مبروك مبارك سليم هو حفيد سعد، وهو جد الرشايدة الأول الذي هاجر عبر البحر قبل ١٥٠ عاماً من الحجاز إلى السودان.

مبروك صاحب مسيرة سياسية متعددة المحطات وحاشدة بالأحداث والمتغيرات، فالرجل خرج إلى الوجود في العام١٩٥٨، وفي الوقت الذي كانت فيه مجموعته السكانية تعشق الترحال والحياة الظاعنة، فإنه اختار طريقاً مختلفاً بطرقه المبكر لأبواب التعليم، حيث درس بكسلا الأميرية الوسطى ثم الثانوية، وفي هذه المرحلة بدأت ملامح القيادة عنده تتشكل، حينما تولى في خواتيم سبعينيات القرن الماضي رئاسة اتحاد طلاب مدرسة كسلا الثانوية العريقة التي درس فيها إبراهيم محمود، وموسى محمد أحمد وأبوعبيد دج وغيرهم.

لم تتوقف مسيرته التعليمية عند هذه المحطة المتقدمة وقتها، فقد نال البكالوريوس في التجارة، ثم الماجستير في التاريخ والدكتوراة في علم الاجتماع.

علاقة باكرة

علاقة مبروك بالسياسة بدأت باكراً بانتمائه إلى الاتحادي الديمقراطي الذي دفع به لدخول الجمعية التأسيسية، وذلك في عهد الديمقراطية الثالثة ممثلاً للدائرة ١٩١، وظل على علاقة بحزب الوسط، حينما اختارت القوى السياسية معارضة نظام الإنقاذ في عقد تسعينيات القرن الماضي، حيث كان مشاركاً باسم الحزب في مؤتمر القضايا المصيرية الذي انعقد في أسمرا عام ١٩٩٥، ثم تم تنصيبه قائداً لجيش الفتح حتى العام ١٩٩٧. ويبدو أن الرجل رأى أن الحزب العريق لم يحقق طموحاته، فاختار في العام ١٩٩٩ تأسيس تنظيم الأسود الحرة، ليكون أحد أضلاع جبهة الشرق التي اختارت أسمرا منصة لمعارضتها العسكرية لنظام الحكم بالبلاد، لينضم التنظيم الوليد للتجمع الوطني الديمقراطي، وبعد إبرام اتفاقية سلام الشرق في العام ٢٠٠٦ تولى عدداً من المناصب منها وزير دولة بالنقل والطرق والجسور، ثم وزير البيئة والغابات والتنمية العمرانية، وأخيراً وزير دولة بالثروة الحيوانية لستة أعوام ليضع أخيرًا عصا الترحال.

ملك السدود

مبروك يعد من القيادات التي لا يعرف كثيرون أنها لعبت دوراً مؤثراً في توفير التمويل لثلاثة سدود بالبلاد، وقبل إحدى زياراته قبل ثمانية أعوام الي الكويت، فإن وزير المالية وقتها الزبير محمد الحسن أوضح له واقع البلاد وحاجتها لقروض لتنفيذ مشاريع تنموية ومنها السدود، ذهب مبروك إلى الكويت ولم يتأخر كثيراً في بث هموم وطنه لأميرها ومشاكله مع الحصار الجائر، وقال له إنهم يريدون قرضاً بخمسين مليون دولار للبدء في تشييد سد مروي فوافق الأمير، وطلب منه مبروك أيضاً قرضاً لتعلية خزان الروصيرص بمبلغ ٢١٠ مليون دولار فوافق علي ذلك، الأمير الكويتي لم يكتف بذلك، بل أعلن عن تكفله بكل مشاريع التنمية بالشرق التي تبلغ ٤٠٠ مليون دولار، وزاد عليها ستين مليون دولار للتعليم وتغيير شبكة المياه بكسلا.

استياء ورسائل

كان ذلك بالأمس، أما اليوم فإن مبروك بات خارج التشكيل الوزاري، وفي الاحتفال الذي تم تنظيمه له الأول من أمس، بدا عليه عدم الرضا من إقصاء حزبه، وأعرب سليم أمام حشد ضخم من أنصاره بمحلية ريفي كسلا أمس، عن دهشته من إبعاده بدعوى خفض الإنفاق الحكومي لجهة أنه لم يسبق له أن تقاضى راتبًا من الحكومة، ولم يستعمل سياراتها، وقال مبروك إنهم لا يجدون تفسيرًا منطقيًّا لإقصائهم عن الحكم الاتحادي والولائي، واعتبر الخطوة بأنها تشييع لمخرجات الحوار الوطني إلى مثواها الأخير. وقال إن تحركاته لاستقطاب قروض من الكويت لإنشاء “سدود مروي، ستيت وأعالي نهر عطبرة وتعلية خزان الروصيرص” كانت بغرض خدمة السودان، وشدد على أنهم مجموعة فاعلة ومنتجة ومؤثرة ويجب عدم إقصائئا، وقال”إننا مع الحق والاستقرار وضد الظلم والحرب”. مؤكداً أن حزبه متمسك بالمبادئ وبإخلاصه لوطنه السودان الذي يعشقون ترابه وأهله ويتمنون دوماً رفعته، وتساءل عن أسباب إبعاد مبروك عن التمثيل في الحكومة الاتحادية؟

كسلا: صديق رمضان
صحيفة الصيحة.