تحقيقات وتقارير

الآلاف عالقون في السعودية بسبب الكفلاء السودانيون في المهجر .. المستجيرون بالرمضاء من النار 3- 3


شاب بمكة: “جرجرة” الكفلاء سبب مباشر لتراكم المتأخرات

مغترب: كثير منا بات وجودهم غير شرعي بسبب مشاكل مع الكفلاء

مقيم بالطائف: المشكلة تحتاج إلى تدخل عاجل من الدولة

في مطعم الخرطوم بحي العزيزية بمكة المكرمة، وفي مقهى شعبي بحي بني مالك في جدة، ثمة روابط مشتركة، في البقعة المباركة والمدينة الساحلية وربما بعيدا هناك في الرياض، فإن الأمسيات تعني للسودانيين المقيمين بالمملكة العربية السعودية التقاط الأنفاس من رهق يوم عملي شاق بدنياً أو بطالة مرهقة نفسياً.

في المطعمين وجدت أن القاسم المشترك هو الشكوى من أن الدولة التي هاجروا إليها بحثاً عن الحد الأدنى من الحياة الكريمة التي افتقدوها في وطنهم لم تعد مثلما كانت في الماضي، وأكثر ما أثار حيرتي أن عددا مقدراً من المغتربين ينشدون العودة إلى السودان، إلا أنهم عاجزون عن فعل ذلك بداعي الرسوم الملقاة على عاتقهم، والتي يعتبر الإيفاء بها بمثابة تحرير شهادة تمكنهم من المغادرة والعودة للوطن.

عندما يبلغ السيل الزبى

في زيارتي هذا العام إلى المملكة العربية السعودية قصدت مطعم الخرطوم بحي العزيزية بمكة المكرمة، وعرفني مرافقي الذي يقيم بالمدينة المقدسة على عدد من السودانيين ومعظمهم من الشباب، لذا لم أجد صعوبة في تجاذب أطراف الحديث معهم، فالمعلومات كانت مبذولة منهم في سخاء ودون تحفظ، طلبوا مني بعد أن تعرفوا على هويتي الصحفية التطرق الى قضية يعتبرونها ذات أهمية بالغة، وتتمثل في عجز الكثير من السودانيين المقيمين بالسعودية العودة إلى السودان بسبب المتأخرات المالية التي يجب عليهم سدادها لسلطات البلد المضيف حتى يتمكنوا من العودة إلى وطنهم. ويكشفون أن “جرجرة” الكفلاء تعتبر سبباً مباشراً لتراكم المتأخرات على معظم السودانيين بالإضافة إلى عجز آخرين عن سداد ما عليهم من التزامات مالية تجاه الكفلاء الذين يرفضون تجديد الإقامة إن لم يتحصلوا على الأموال التي يفرضونها على المهاجرين من مختلف الجنسيات وخاصة السودانيين.

شاب ثلاثيني اعتذر عن ذكر اسمه، بدا غاضبًا وساخطاً من عجزه العودة إلى البلاد، وقال” والله عاوز أرجع السودان، ولكن ما في طريقة بسبب المتأخرات واختفاء الكفيل، الآن أنا عاطل عن العمل، ولا أعرف على وجه الدقة ماذا أفعل حتى أعود إلى بلدي وأهلي، وكما يقولون فقد بلغ السيل الزبى”.

تهريب غريب

في تلك الجلسة التي اجتاحني خلالها حزن عميق بسبب ما يواجهه بعض المغتربين بالسعودية من ظروف قاهرة حالت بينهم والعودة إلى السودان، ذكر مقيم آخر يبدو في العقد الخامس من عمره أن الوصول إلى السعودية فيما مضى كان يتم عن طريق التهريب عبر السنابك انطلاقًا من بورتسودان وسواكن إلى جدة، ولكن ــ والحديث للخمسيني ــ فإن الأوضاع تغيرت تماماً وفسر قوله هذا مضيفاً: كثير من العالقين السودانيين بات وجودهم في المملكة غير شرعي بسبب مشاكل مع الكفلاء أو بالاستغناء من الشركات، وهؤلاء يريدون العودة إلى السودان، ولكن ليس أمامهم سبيل للخروج عبر المنافذ الرسمية، لأن عليهم متأخرات مالية أو بدعوى تبليغ الكفلاء السلطات بهروبهم، وحتى يتمكنوا من الخروج فليس أمامهم غير الهرب عبر اليمن حيث الحرب، وهذه لم تعد خياراً مفضلاً أو أن يخاطر الذي يريد العودة إلى السودان بحياته ويهرب عن طريق السنابك من جدة إلى السواحل السودانية، وفي كل الأحوال فإن بقاءه أو هروبه محفوفاً بالمخاطر، لأن البقاء في السعودية يعني عدم قدرته على العمل لمخالفته نظام الإقامة، وإذا اختار ركوب أمواج المالح فربما يتم إلقاء القبض عليه .

وراء القضبان

استمعت إلى تلك الحكايات المؤلمة في النصف الأول من هذا العام، وخلال الأيام الماضية، فإن عدداً من المغتربين الذين تواصلوا معي عبر الوسائط طالبونا بإلقاء الضوء على هذه القضية، مؤكدين أن عدد العالقين في ارتفاع بسبب تراكم المتأخرات.

مقيم في جدة يدعى محمد، بدا منزعجاً رغم أن إقامته سارية المفعول، وقال إن الصحافة في السودان مطالبة بتقصي حقيقة أوضاع المغتربين في السعودية الذي يشير إلى أن عددا مقدراً منهم تقطعت بهم السبل عقب الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية، عطفاً على مشاكلهم مع الكفلاء، وأضاف: للأسف الشديد، فإن أعداداً مقدرة من بني جلدتي في سجون الترحيل بمدن السعودية المختلفة، وهؤلاء انتهى أمد إقاماتهم وعجزوا عن تجديدها، وآخرون دوّن كفلاؤهم بلاغات ضدهم بدعوى الهروب، وقد ذهبت قبل أسبوع إلى أحد السجون، ووجدت عدداً من السودانيين لا يعرفون مصيرهم ، والسفارة السودانية لا تجد غير زيارة هذه السجون لاستخراج وثائق سفر اضطرارية، وهذا يعني منع المبعد من دخول المملكة لخمسة أعوام وهؤلاء الذين دونت ضدهم بلاغات هروب والسفارة تفعل ذلك ليس عطفاً منها، ولكن لأن السلطات السعودية تلزمها بفعل ذلك لتفريغ السجون، أما بخلاف ذلك فليس لها دور تجاه العالقين.

أسر تطلق نداء الاستغاثة

أبو رامي، المقيم في الرياض، قال إن مشكلة الرسوم والمتأخرات لم تتسبب في إجبار الآلاف من المغتربين الرجال على العودة إلى الوطن وحسب، بل طالت الكثير من الأسر التي عجزت تماماً عن العودة للبلاد بداعي الرسوم الكثيرة المفروضة عليها، مبيناً أن السفارة والقنصلية أعلنتا أكثر من مرة عن توفيق أوضاع هؤلاء العالقين، ولكن حينما يذهبون بحسب أبو رامي، فإنه تتم مطالبتهم بإحضار خروج نهائي، ويضيف: كيف تستطيع هذه الأسر إحضار خروج نهائي وغرامات كثيرة مفروضة عليهم، وإن كانوا يستطيعون فعل ذلك فلماذا حضروا الى السفارة، الكثير من هذه الأسر عليها غرامات بداعي عدم التجديد لعام كامل، قد تصل إلي عشرين ألف ريال فمن أين لهم بهذا المبلغ الكبير، وما هو دور السفارة في الوقوف بجانبهم وكان يفترض بها أن تتحمل دفع الرسوم المفروضة عليهم بدل أن تمنحهم تذكرة قد لا يتجاوز سعرها بالباخرة الخمسائة ريال، بكل أسف فإن السفارة ليس لها دور تجاه هذه القضية التي أعتبرها بكل المقاييس خطيرة علي كل الأصعدة خاصة الاجتماعية، وهي لا تجيد غير فرض الرسوم على السودانيين عند حضورهم إليها، وللقنصلية لإجراء معاملات رسمية ويكفي فقط الإشارة إلى أن رسوم تجديد الجواز تبلغ خمسمائة ريال وللمفارقة، فإن استخراج جواز سفر جديد في السودان لا يتجاوز الأربعمائة جنيه فقط.

جبايات لا حصر لها

شاب سوداني مقيم في الطائف، قال إن مشكلة العالقين تحتاج إلى تدخل من الدولة التي عليها أن تتذكر أن هؤلاء المغتربين كانوا من روافد خزانتها بالعملة الحرة وظروفهم ساءت، وهذا أمر طبيعي في الحياة، وأكد أنهم حالياً في أمس الحاجة للوقوف بجانبهم، كاشفا عن الضرائب والرسوم على الوافدين، ضارباً المثل بالرسوم التي يتم تسديدها لمكتب العمل عند تجديد الإقامة التي تتراوح بين الاثنين ألف ريال إلى الأربعة آلاف ريال، وكذلك توجد رسوم على الجواز تتراوح بين السبعمائة إلى ألف ريال، بالإضافة إلى مبلغ التأمين الذي لا يقل عن السبعمائة ريال ، هذا بالإضافة إلى الرسوم الشهرية التي تبلغ ثلاثمائة ريال على الفرد الواحد، ويلفت إلى أن الكفيل أيضاً يفرض على المقيم مبلغاً من المال يتفاوت أيضاً من كفيل إلى آخر وأدناها أربعمائة ريال، ويضيف: في ظل سعودة الوظائف وضيق فرص العمل، فإن كثيرين يعجزون عن سداد هذه الرسوم .

معاناة مغترب

عثمان الذي يقيم في الرياض، قال إن الكثير من السودانيين يواجهون صعوبات بالغة في سبيل العودة إلى الوطن، وأضاف ساردًا قصته: أنا أحد الذين حكمت عليهم الظروف بأن أكون عالقاً لا أعرف كيف السبيل إلى بلادي ، مثل غيري فأنا ضحية لتعامل الكفلاء، ومعلوم أن نظام الكفالة يتيح للمقيم العمل بحرية بعيدًا عن الكفيل في حالة تسديده مبلغاً سنوياً إليه لا يقل عن الأربعة آلاف ريال ، ولكن هذا الأمر يعرض المقيم لمخاطر الترحيل، لأنه لا يعمل مع كفيله، وبعض الشركات تشترط على المقيم تجديد إقامته على نفقته الخاصة، بيد أن بعض الشركات الكبيرة تحرص على التجديد للوافدين، مشيراً إلى أنه وحتى يتمكن من العودة إلى السودان فقد ذهب إلى القنصلية وأخبرهم بمشكلته مع كفيله الذي يرفض أن يجدد له إقامته وطالبهم بمنحه خروجاً نهائياً عبر منحه وثيقة سفر اضطراري إلا أنهم عجزوا عن مساعدته، وقال: والله وضعنا صعب جدًا، فأنا على سبيل المثال لا أستطيع التحرك بحرية لأنني معرض في أي وقت للتوقيف من قبل الشرطة، لأن إقامتي غير سارية المفعول، كما أنني لا أستطيع العمل بداعي تخوف الشركات عن توظيف الذين انتهت فترة إقامتهم، ولم يتمكنوا من تجديدها خوفاً من الغرامة التي تصل إلى مائة الف ريال، وحاليًا لا أعمل، وأعتبر نفسي عالة على أصدقائي الذين ورغم سودانيتهم وشهامتهم، إلا أنهم لا ذنب لهم، فالكفيل الذي رفض لعامين على التوالي التجديد لي هو السبب، وتقدمت ضده بشكوى الى مكتب العمل قبل عام الذي يعطيني في كل مرة أمر تكليف بالحضور إلى الكفيل، ولكن لا أستطيع العثور عليه، وعبركم أؤكد أنني أريد العودة إلى السودان ولكن عجزت تماماً عن فعل ذلك بسبب المتأخرات واختفاء الكفيل.

أمل وألم

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن قرار الرسوم الشهرية المفروضة على المقيمن جاء متزامناً مع تفعيل قرار السعودة، وأسهم هذا بحسب مقيم سوداني ـ فضل حجب اسمه ـ في مضاعفة معاناة المغتربين عامة والعالقين على وجه الخصوص ،ويشير بعد ان فضل حجب اسمه الي ان الرسوم الشهرية تعني المزيد من الأعباء المالية على الذين فشلوا في تجديد إقاماتهم، وهذا من شأنه أن يسهم في تراكم المتأخرات المالية عليهم، وبالتالي يباعد بينهم والعودة إلى البلاد، ويقول: حتى الذين ما تزال إقامتهم سارية المفعول فإنهم يواجهون خطر البطالة لأن معظم الشركات اتجهت إلى تصفية وجود العمالة الأجنبية، وحتى الشركات التي يتم نقل الكفالة إليها فإنها تطلب من المقيم أن يتحمل تكلفة تجديد إقامته، والكثير من المغتربين وصلوا الى قناعة العودة إلى البلاد بسبب الرسوم المفروضة عليهم، ولكن لا يستطيعون فعل ذلك بسبب المتأخرات .

الخرطوم: صديق رمضان
صحيفة الصيحة