تحقيقات وتقارير

أبرزهم مبروك سليم ونهار ومسار وزراء سابقون .. لم يسعد (النطق) بعد انقلاب الحال


ما إن يعُين أحدهم بأحد المناصب حتى يُغيّر أسلوبه الخطابي ولهجته الحادة صوب المعارضة بدلاً من الحكومة، فيظل مدافعاً عن النظام إلى حين إبعاده عن الكرسي..

فيعود لما كان عليه فتصبح الحكومة “صديق” الأمس “عدو” اليوم.

بالأمس خرج وزير الدولة بوزارة الثروة الحيوانية السابق مبروك مبارك سليم مستنكراً إبعاده من التشكيل الوزاري الأخير، ليس سليم وحده لكنهم كُثر تغيّرت لجهتهم “الباردة” إلى “حارة” .

الهواء الساخن

من الناحية النفسية، فإن وجود الشخص في السلطة لفترة طويلة يجعله يستمرئها ليس حباً في مخصصاتها فحسب، علاوة على ذلك تشعره بزهو اجتماعي، ومن ثم فإن الإبعاد يجعل الشخص مُعرّضاً للصدمة النفسية والتغيير الكبير في الشخصية، ما يؤدي إلى احتمال أن يلجأ الشخص للانتقاد وتصريحات لإخراج “الهواء الساخن”.

نهج من سبقوه

مبروك مبارك سليم، رئيس حزب الأسود الحرة، اتبع نهج من سبقوه في انتقاد الحكومة، بعد إبعاده عن منصب وزير الدولة بالثروة الحيوانية في التشكيل الأخير. وفي حديث له أمام حشد ضخم من أنصاره بمحلية ريفي كسلا “السبت”، استنكر إبعاده عن المشاركة في الحكومة الاتحادية الأخيرة بحجة خفض الإنفاق الحكومي، وعبّر عن دهشته لإبعاده لهذا السبب لجهة أنه لم يسبق له أن تقاضى راتباً من الحكومة ولم يستعمل سياراتها، وقال: “لا نجد تفسيراً منطقياً لإقصائهم “في الحزب” عن الحكم الاتحادي والولائي”، واعتبر إبعاده وحزبه تشييعاً لمخرجات الحوار الوطني إلى مثواها الأخير. لم يتحدث سليم عن الحزب فقط، لكنه قال: إن الرشايدة مجموعة فاعلة ومنتجة ومؤثرة وبجب عدم إقصائها”.

“نهار” بعد “ليل”

أحمد بابكر نهار، وزير العمل السابق الذي أبعد في التشكيل الحكومي الأخير، عقب إبعاده بأيام أجرت معه “الصيحة” حواراً مطولاً، وكغيره من المُبعدين ولأول مرة منذ “12” عاماً قضاها بالسلطة تحدّث نهار حديث الغاضبين عن الفساد بالدولة وعن فترة عمله بوزارة العمل والمتاريس التي تعرض لها لعرقلة بعض الأعمال التي يقوم بها، بالرغم من أنه ظل صامتاً طوال فترة تواجده على “كرسي” السلطة.

نهار أصبح واضح القول جهاراً “نهاراً”، بعد أن كان قوله مطوياً تحت لسانه، حيث قال: “عندما تولينا أمر الوزارة وجدنا معطيات تدل على وجود فساد في “سودانير” التي كنا نريد النهوض بها وحتى نفعل ذلك، ومن أجل تقصي حقيقة ضياع خط “هيثرو” كوّنا لجنة رفيعة المستوى تضم خبراء في كل المجالات، وواجهت هذه اللجنة متاريس كثيرة ومعاكسات لا حصر لها حتى لا تؤدي مهمتها، ولكن تمكنت من إنجاز ما عليها”، ومن أبرز ما قاله نهار المبعد كذلك إن الفساد “معشعش” في مرافق الدولة.. مثله مثل البصلة الفاسدة.

مسار ونمر في “الأمان”

ومن بين المسؤولين الذين ارتفعت أصواتهم مجاهرة بالنقد للحكومة والمطالبة ببعض الإصلاحات، اللواء عمر نمر معتمد محلية الخرطوم السابق الذي ظل خلال الفترة الأخيرة يداوم على كتابة مقالات تُنشر بعدد من الصحف منتقداً ومطالباً بتنفيذ بعض الإصلاحات.

لم يختلف أسلوب مستشار الرئيس ووزير الإعلام الأسبق رئيس حزب الأمة القومي عبد الله علي مسار الذي يشغل رئيس لجنة الصناعة بالبرلمان حالياً، كثيراً عن طريقة عمر نمر، بالرغم من اصطدامه بالمؤتمر الوطني عندما كان وزيراً للإعلام في حادثة إقالته مدير وكالة السودان للأنباء آنذاك عوض جادين، وما تبع ذلك من تداعيات إلى أن جرى إعفاؤه وإعادة جادين لموقعه، إلا أن صوت مسار أضحى جهيراً بعد خروجه من الحكومة لا سيما في البرلمان خلال السنوات الأخيرة.

كرم الله

وعلى النقيض تماماً وخلافاً لكافة المسؤولين الذين ينتقدون الحكومة بعد إبعادهم من المنصب، يعتبر كرم الله عباس والي القضارف الأسبق من الذين بدأوا رحلة الانتقاد للأداء الحكومي منذ أن كان في منصبه، ولعل انتقاده كان سبباً كافياً في إبعاده عن الولاية، لكنه لم يتوقف عن الانتقاد وظل حتى تاريخه.

لا داعي

وزير العمل والتنمية والبشرية السابق بولاية الخرطوم السابق أسامة حسونة، قال في حديثه لـ”الصيحة”، إن من حق أي وزير الإدلاء برأيه، أياً كان الرأي سلباً أو إيجاباً أثناء وجوده في المنصب، ولا أحد يستطيع منعه، وقال إن الرأي من أجل مصلحة البلد ليس مرتبطاً بالوزارة، لذلك أي وزير يجب أن يكون رأيه معروفاً وواضحاً حول أي قضية. لكن حسونة قال إن أي حديث إصلاحي بعد مغادرة الشخص للمنصب ليس ذا جدوى لأنه من لم يستطع الإصلاح وهو على سدة الحكم لا يستطيع وهو مبعد، وأضاف: “أي وزير لا يتحدث عن وجود فساد إلا بعد إبعاده من المنصب، غير جدير بالاحترام لذلك يجب ألا يتحدث”.

غضب الإبعاد

وحول إمكانية أن يكون انتقاد المسؤولين للأداء الحكومي بعد إبعادهم تعبيراً عن غضبهم وعدم رضاهم عن الإبعاد، قال الوزير السابق حسونة لـ”الصيحة”، إنه لا يوجد مبرر للغضب لجهة أن العمل العام يعتبر تكليفاً وليس تشريفاً، لذلك عليك أن تتوقع إبعادك في أي وقت، وتابع: “ما مفروض الزول يزعل عشان أبعدوه من الوزارة”، لكنه نوه إلى أن ردة الفعل تعود بحسب توجهه الحزبي ومدى رغبته في العمل من أجل الوطن.

تأثير نفسي

وحول التأثير النفسي للإبعاد من المنصب على الوزراء والمسؤولين، قال اختصاصي الطب النفسي بروفسير علي بلدو، أن وجود الوزير في المنصب لسنوات يجعله في الغالب يصاب بما يسمى إدمان السلطة والرغبة في التشبث بالمنصب، وأشار إلى أن إدمان السلطة يعد أخطر من إدمان المخدرات.

وأكد بلدو في حديثه لـ”الصيحة”، أن إبعاد الوزراء الذين استمروا في السلطة لفترة طويلة يجعلهم أكثر عرضة للصدمة النفسية عند الإقالة، الأمر الذي يتسبب في انكسار نفسي للشخص والرغبة في إلحاق التهم بالآخرين، وهذا يفسر جنباً إلى جنب مع الرغبة في الانتقام والتشفي من الأعداء المتوهّمين، مما ينتج عنه تصريحات متفلّتة بغية إخراج الهواء الساخن بعد الإقالة.

فيما أشار علي بلدو إلى أن معظم الوزراء المبعدين يلجأون غالباً للدجل والشعوذة للبقاء والعودة للمناصب أو “الولولات” نتيجة الانهيار النفسي، وقد يُصاب البعض منهم بجنون الارتياب أو الشك بالآخرين والشعور بالظلم والذي قد يؤدي للاكتئاب وانفصام الشخصية والعنف الداخلي وعدم القدرة على التأقلم مع الحياة العادية.

تفسيران

ويظل انتقاد الحكومة بعد الإبعاد من النصب حبيساً بين تفسيرين، أحدهما الرغبة في الإصلاح بعد الإقالة وقول الحق حال عدم إمكانية قوله عندما كان أحدهم في السلطة، والإشارة لمكان الخلل، وبين التأثير النفسي للإقالة وتسبُّبها في تغيير شخصية البعض، وهنا طالب اختصاصي علم النفس علي بلدو بضرورة تهيئة المسؤولين المراد إبعادهم بصورة علمية قبل صدور القرار والابتعاد عن مفاجأتهم بالقرارات تلافياً للصدمة النفسية.

الخرطوم: صابر حامد
صحيفة الصيحة.