جعفر عباس

التهويل جلب إلى السويد الويل


في مدينة كوستي التي كانت في السودان الأوسط، ثم صارت بعد انفصال الجنوب هي الجنوب الجديد للبلاد )ما موطن العلة في الانتماء إلى الجنوب؟

لماذا بلدان جنوب الكرة الأرضية أكثر تخلفا ومشاكلا وعللا من النصف الشمالي؟ لماذا ظل جنوب السودان شوكة في خاصرة الوطن؟ لماذا شمال مصر أكثر تطورا من جنوبها؟ والله يستر على مدينتي كوستي التي صارت جنوب السودان الجديد(.
المهم أنه في تلك المدينة درج شخص مختل عقليا على رفع يديه بالدعاء: يا رب مليون جنيه، )وكان ذلك في زمن لم يكن فيه شخص في السودان يملك المليون(، وعندما يسألونه ماذا سيفعل بذلك المبلغ، كان يقول إنه يريد أن يبني سورا عاليا مسقوفا للمدينة، ويحكم إغلاقه بالأقفال، ثم يطير فوق البحر ويرمي بالمفاتيح حتى لا يعثر عليها أحد، ورغم أن أهل تلك المدينة شديدو التعصب لها فإنهم لم يكونوا يغضبون من كلام ذلك المجنون بل يضحكون له، رغم أنه كان يحلم بعزلهم عن الدنيا وحرمانهم من الشمس والمطر.

وتذكرت صاحبنا ذاك وأنا أقرأ كلام القس الأمريكي فريد فيليبس الذي وصف السويد بأنها غدة سرطانية ينبغي اجتثاثها وتخليص البشرية منها، »لأنها بلد فاسق دنس وكافر«، ومرة أخرى أكرر ان الرجل قس مسيحي وليس داعشيا، وسر غضب القس الأمريكي هو أن كاهنا سويديا يمثل حاليا أمام القضاء لأنه شتم الشاذين جنسيا )مجاراة للعولمة »المثليين جنسيا«( ودعا عليهم بالفناء، من دون أن تتحرك أي جهة في السويد للدفاع عنه، ويقول فيليبس إن ألف سويدي هلكوا في كارثة التسونامي في تايلاند لأنهم فسقة وعاهرون وفاجرون، وتمنى لو أن المد البحري أهلك مئات الآلاف من السويديين، وأضاف أنه لو أن كارثة من أي نوع أبادت الشعب السويدي بأكمله »سترتاح البشرية« منه. وناشد فيليبس في تصريحات تم تداولها على نطاق واسع تايلاند منع السويديين من دخول أراضيها حتى لا يدنسوها فيحيق بهم غضب السماء! )وكأنما تايلاند أرض الطهر والنقاء الأخلاقي(.

السويديون تعاملوا مع كلام القس فيليبس كمزحة ويتداولونه بلا غضب أو سخط! تخيل لو أن شخصا ما قال نصف ذلك الكلام عن إسرائيل، لا حول ولا قوة إلا بالله.. الأسطول الأمريكي الثالث يتحرك لإلقاء القبض على القائل، مع فرض حظر اقتصادي شامل على البلد الذي ينتمي إليه قائل ذلك الكلام، ومثلما انشغلت الحكومة الأمريكية بصدام حسين عن أسامة بن لادن، فإنها ستنشغل عن أبي بكر البغدادي بمن شتم إسرائيل حتى لو كان الشتم من قبيل الهذيان الذي قاله القس فيليبس! دعك من إسرائيل.. ماذا لو قال شخص ما كلاما من ذلك القبيل عن بلد عربي؟ ستنفتح صنابير الردح والقدح من دون الالتفات إلى حقيقة أن مثل ذلك الكلام لا يصدر إلا عن شخص ناقص العقل، يبحث عن الشهرة والأضواء.. فكل البلدان العربية -ولله الحمد- مثال للطهر والفضيلة والرجولة والبطولة والفحولة والكرامة، ولا يجوز التعريض بها بالحق أو من باب المداعبة والمناكفة.

ومع هذا، فالفلسطيني يطلق النكات على أهل الخليل، والسوريون جعلوا من أهل حلب مادة للتندر، والمصري لا يمكن أن يلقي عشر نكات من دون أن تكون سبع منها في أهل الصعيد، وفي السودان تصدر يوميا مجموعة من النكات عن أهلي النوبيين الذين يسميهم أهل السودان الأوسط »البرابرة«! وكلنا نقول في بلداننا كلاما جارحا مثبطا ومحبطا ولكن يا ويل غيرنا إذا رددوا نفس ذلك الكلام.
ادعاء الكمال بالحق والباطل يجعلنا على الهبشة وسريعي الاشتعال، وويلك يا اللي تعادينا يا ويلك ويل.

زاوية غائمة – جعفر عباس