البحر الميت .. هل هو “أَدْنَى الْأَرْضِ” التي ذكرها القرآن الكريم منذ آلاف السنين؟
تتضامن الشعوب العربية مع الأردن جراء السيول التي ضربت بعض المناطق هناك في الأيام القليلة الماضية والتي راح ضحيتها العديد من الأشخاص معظمهم من الأطفال وأصيب آخرون لايزالون يتلقون العلاج في المستشفيات حتى الآن، حيث جرفتهم السيول إلى المناطق المنخفضة في البحر الميت.
يشتهر البحر الميت بأنه أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية بمقدار 400 متر، وفقا لما ذكرته هيئة تنشيط السياحة الأردنية، ونظراً لوقوع منطقة البحر الميت في أكثر المناطق انخفاضاً على وجه الأرض، فهي تعتبر أكثر عرضة لتشكل السيول عند هطول الأمطار بغزارة، بسبب المياه التي تأتي من الجبال القريبة والتي تصب في البحر الميت، – وفقا لما ذكرته بي.بي. سي -، وهذا ما يفسر خطورة وصعوبة وثقل حصيلة السيول التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة.
ويعد مفسرون وعلماء اختصوا بأبحاث القرآن خاصة ما يتعلق بالإعجاز العلمي في الكتاب الكريم وقوع البحر الميت في أخفض نقطة على وجه المعمورة حقيقة تحدث عنها القرآن الكريم منذ آلاف السنين، هذه المنطقة المنخفضة التي غلبت فيها الروم كما ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، وجاء العلم بعد قرون عديدة ليثبت هذه المعلومة التي تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الروم في الآيات من (1 إلى 3): {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}، ذكر الإمام السعدي في تفسيره ما يلي: “كانت الفرس والروم في ذلك الوقت من أقوى دول الأرض، وكان بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة، وكانت الفرس مشركين يعبدون النار، وكانت الروم أهل كتاب ينتسبون إلى التوراة والإنجيل وهم أقرب إلى المسلمين من الفرس، فكان المؤمنون يحبون غلبتهم وظهورهم على الفرس، وكان المشركون – لاشتراكهم والفرس في الشرك- يحبون ظهور الفرس على الروم، فظهر الفرس على الروم فغلبوهم غلبا لم يحط بملكهم بل بأدنى أرضهم، ففرح بذلك مشركو مكة وحزن المسلمون، فأخبرهم اللّه ووعدهم أن الروم ستغلب الفرس”.
روي عن ابن عباس وعكرمة أن الوقعة الكائنة بين فارس والروم حين غلبت الروم بين أذرعات وبصرى، ونقل الشوكاني عن ابن عطية: قال: “إن كانت الوقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة، وإن كانت الوقعة بالجزيرة، فهي أدنى بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن، فهي أدنى الارض بالقياس إلى أرض الروم، وفقا لما جاء في هوامش كتاب (تفسير عبد الرزاق) للإمام عبد الرزاق الصنعاني.
وقد جاء في (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و السنة المطهرة) ليوسف الحاج أحمد متحدثا عن التفسير اللغوي لكلمة (أدنى) في الآية الثالثة حيث قال: “قال ابن منظور في لسان العرب: أدنى: دنا من الشيء دنوا ودناوة: قَرُبَ. وهناك رواية قراءة أخرى عن الكلبي (في أداني الأرض) ذكرها الألوسي وأبو السعود في تفسيريهما. وأدنى: أخفض.”
وأضاف يوسف الحاج أحمد أن “المصورات الجغرافية توضح مستوى المنخفضات الأرضية في العالم أن أخفض منطقة على سطح الأرض هي تلك المنطقة التي بقرب البحر الميت في فلسطين حيث تنخفض عن سطح البحر بعمق (392) متراً، وقد أكدت ذلك صور وقياسات الأقمار الصناعية – وفقا لما ذكره مؤلف الكتاب.
وأشار إلى أن “الآية القرآنية الكريمة وصفت ميدان المعركة الأولى بين الفرس والروم بأنه أدنى الأرض، موضحا أن كلمة (أدنى) عند العرب تأتي بمعنيين أقرب وأخفض، فهي من جهة أقرب منطقة لشبه الجزيرة العربية، ومن جهة أخرى هي أخفض منطقة على سطح الأرض، وهي أخفض نقطة سجلتها الأقمار الصناعية على اليابسة، كما ذكرت ذلك الموسوعة البريطانية موضحا أنها “ذكرت ما ترجمته “البحر الميت”، بقعة مائية مالحة مغلقة بين إسرائيل والأردن وأخفض جسم مائي على الأرض، فانخفاضه يصل إلى نحو (1312) قدم (حوالي 400 متر) من سطح البحر.
من جانبه، قال الدكتور زغلول النجار في كتابه (تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم) مؤكدا ما سبق: “ثبت علميا بقياسات عديدة أن أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا هو غور البحر الميت، ويقع البحر الميت في أكثر أجزاء الغور انخفاضا، حيث يصل مستوى منسوب سطحه إلى حوالي أربعمائة متر تحت سطح البحر، ويصل منسوب قاعه في أعمق أجزائه إلى قرابة الثمانمائة متر تحت مستوى سطح البحر، وهو بحيرة داخلية بمعنى أن قاعها يعتبر في الحقيقة جزءا من اليابسة”.
وأضاف الدكتور النجار في خلاصة قوله أن “منطقة أغوار وادي عربة – البحر الميت – الأردن تحوي أخفض أجزاء اليابسة على الإطلاق، والمنطقة كانت محتلة من قبل الروم البيزنطيين في عصر البعثة النبوية الخاتمة، وكانت هذه الإمبراطورية الرومانية التي يقابلها ويحدها من الشرق الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وكان الصراع بين هاتين الإمبراطوريتين الكبيرتين في هذا الزمن على أشده، ولابد أن كثيرا من معاركهما الحاسمة قد وقعت في أرض الأغوار، وهي أخفض أجزاء اليابسة على الإطلاق”، مشيرا إلى “وصف القرآن الكريم لأرض تلك المعركة الفاصلة التي تغلب فيها الفرس على الروم في أول الأمر بـ { أَدْنَى الْأَرْضِ}، وصف معجز للغاية لأن أحدا من الناس لم يكن يدرك تلك الحقيقة في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده، وورودها بهذا الوضوح في مطلع سورة الروم يضيف بُعداً آخر إلى الإعجاز التنبؤي في الآيات الأربع التي استهلت بها تلك السورة المباركة، ألا وهو الإعجاز العلمي”.
مصراوي