تحقيقات وتقارير

هجرة 27805 للعمل واستقدام 1816 أجنبياً سوق العمل .. عطاءات لتصدير واستيراد (العمالة)


أعلن وزير الدولة بوزارة العمل، خالد حسن إبراهيم أمام البرلمان عن استقدام (1816) أجنبياً للعمل بالبلاد، وفي ذات الوقت كشف أن عدد المهاجرين لأغراض العمل بالخارج بلغ (27805) مواطنين . ويعزو الخبراء الاقتصاديون أسباب هذا التضارب في أرقام الهجرة الوافدة للبلاد من الأجانب والمغادرين من المواطنين لاختلال سوق العمل وعدم انسجامه مع متطلبات الحياة المادية نتيجة تدني الأجور وتفشي للبطالة التي وصلت إلى مستويات مرتفعة وسط الشباب، مع انخفاض المستوى المعيشي لهؤلاء العمال بجانب عدم وجود قوانين وتشريعات ملزمة للقطاع الخاص الذي يشكل سوقاً أساسياً لهذه العمالة بإجراء تحسينات مستمرة في الأجور لمواجهة الزيادة في مستوى المعيشة والتضخم مقابل أسواق العمل الخارجية الجاذبة لكفاءتهم وتوفر لهم الشروط المجزية.

هاجس مؤرق

يرى مراقبون أن هجرة الكوادر والعمالة الوطنية المؤهلة أصبحت تشغل بال الكثيرين من الاقتصاديين وتشكل هاجسًا يؤرق مضاجع الدولة بهياكلها المختلفة بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة ما يتطلب إعادة النظر في الهجرة بأبعادها بعد أن أصبحت تمثل أخطر المشكلات التي تواجه برامج الدولة في التنمية بفقدان الكادر الوطني الذي يمثل أهم رأسمال اقتصادي بما يجعل الهجرة تبديداً للأموال التي أنفقتها الدولة في تعليم وتدريب هذه الكفاءات لتحصل عليها دول المهجر. ويؤكد الخبراء الاقتصاديون الذين استنطقتهم “الصيحة” أن سوق العمل في القطاع الخاص يعتمد الآن بشكل كبير على العمالة الوافدة ذات الأجر القليل والمهارة المتدنية مؤكدين أن الاعتماد المفرط على سوق العمل الخاص على العمالة الأجنبية المتدنية الأجر والمهارة قلل من توفير فرص عمل للمواطنين وفاقم من مشكلة البطالة بين الشباب.

وأشاروا إلى أن هذا النوع من العمالة لا يسهم بأي حال من الأحوال في نقل المعرفة ورفع تنافسية الاقتصاد، حيث تعتمد على الجهد البدني في إشارة منهم إلى أن غالبية هذه العمالة الأجنبية تعمل في مهن النظافة بالمؤسسات الصحية وعمال لشركات البناء والطرق والمطاعم والمنازل .

وضع مختل

يقول الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي للصيحة إن الوضع في السودان مختل، فهو بلد بإمكانات اقتصادية كبيرة في مقدمتها أراضٍ واسعة صالحة للزراعة تتجاوز الـ(200) مليون فدان، لكن المستغل من هذه المساحة لا يتعدى (10%)، وعدد سكان السودان لا يتجاوز الأربعين مليوناً، في مقابل هذه الإمكانات، وهناك دول بها كثافة سكانية، والشباب في السودان عازف عن العمل في الزراعة، لذلك لا أرى غضاضة في استخدام أيدٍ عاملة أجنبية في الرزاعة وهذا طبيعي في كل الدول.

وأشار د. الرمادي إلى أن الاختلال والتشوه الذي نشهده في سوق المهن التي تحتاج لمهارات وتعتمد على الجهد البدني ناتج من عادات وتقاليد لدى المجتمع السوداني تتعارض مع امتهان بعض المهن لذلك من الطبيعي أن تأتي عمالة أجنبية لتسد الفجوة في هذه المهن، وهذا موجود في كل الدول، وليس في السودان وحده .

ويرى د. الرمادى أن معدلات الهجرت المعلن عنها للكوادر الوطنية ناتجة عن الوضع الذي تعيشه البلاد التي تشهد تدنياً في كل المرافق نتيجة السياسات الاقتصادية المطبقة في العقدين الماضيين التي تسببت في الركود الاقتصادي نتج عنه إغلاق أكثر من (80%) من المصانع نتيجة عدم توفر التمويل لقطع الغيار ومدخلات الإنتاج ما خلق فائض عمالة وتزايداً في معدلات البطالة خاصة وسط الشباب .

تبديد موارد

وأضاف د. الرمادي أنه لا يرى هناك تبديداً للموارد البشرية السودانية بالهجرة باعتبار أن السودان يصدر أيدي عاملة لا يحتاجها في بعض المهن خاصة الطب والتعليم ويستورد كوادر وكفاءات يحتاجها، وهذا تدخل ضمنه الأيدي العاملة. وختم: لكن يجب أن تكون هناك سياسات اقتصادية منتجة تستوعب كل الأيدي المدربة في كافة المجالات حتى تتمكن البلاد من الاحتفاظ بكوادرها المدربة خاصة في مجالات الزراعة والصناعة والتنمية المستدامة.

من جانبه، قال رئيس جمعية حماية المستهلك بروفيسير نصر الدين شلقامي للصيحة إن المعلومات التي قدمها وزير الدولة بالعمل غير كافية، ولم تجب عن سؤال هل هذه الأيدي الأجنبية الوافدة خبراء أم عمال.

إحصائيات غير دقيقة

ونفى شلقامي وجود خلل في سوق العمل بوجود هذا العدد من الأيدي العاملة الأجنبية مقابل الأيدي الوطنية المهاجرة، مضيفاً: بقدر ما إن هناك إحصائيات غير دقيقة للمهاجرين، لكن الهجرة طبيعية ولا تبعث على الخوف. وأضاف شلقامي أنه لا يرى غضاضة في استقدام عمالة أجنبية ماهرة في مجالات التكنولوجيا والبترول، لكن شرط أن تكون مقننة وتدخل بصورة رسمية للبلاد . واعتبر د. شلقامي وجود هذا العدد من المهاجرين السودانيين من الكفاءات ظاهرة تندرج في إطار استثمار العقول خاصة في مجال التعليم والصحة، منبهاً إلى هناك دولاً مثل الفلبين أنشأت جامعات لتخريج كوادر وسيطة في الحقل الصحي وتستثمرها، مشيراً إلى أن هجرة الكوادر تمكنها من اكتساب خبرات، والآن هناك الكثير من الكوادر السودانية في مجال الطب والتعليم عادت للبلاد واكتسبت من هجرتها تأهيلاً وخبرة كبيرة استفادت منها المؤسسات الوطنية.

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة