تحقيقات وتقارير

التصرف في ميدان عام .. وزارات في قفص الاتهام «1»


بعد أن كان صراع الأراضي مع المواطنين فيما بينهم , انتقل الصراع واصبح بين الحكومة والمواطنين , ليظل الصراع دائماً لوجود حاجة المواطن في أن يتحصل على قطعة سكنية , ليصل الأمر لصراع بين المواطنين والجهات المسؤولة في قضايا بيع الميادين العامة , وبدلاً من أن تقف الحكومة ضد هذه التغولات اصبح المواطن هو من يتصدى لها , ومن هذه الظواهر قضية ميدان امتداد الدرجة الثالثة مربع ( 7 ) الذي خُصص كميدان عام منذ العام 1965م إلا أن مواطني المنطقة تفاجأوا بمستثمر في مجال التعليم الخاص الذي وضع عليه مواد بناء لتشييده مدرسة خاصة ويمتلك شهادة بحث لمساحة عامة مسجلة باسم حكومة السودان ..

إلى تفاصيل القضية .
أياد خفية

(الانتباهة) قامت تسجيل زيارة ميدانية للمنطقة حيث وجدت عدداً من المواطنين الذين قاموا بنصب (صيوان ) على الميدان والذي ظل منصوباً لعدة شهور حفاظاً عليه من أي تشييد قد يحدث عليه , و سرد المواطن وليد محمد عمر لـ(الانتباهة) قصة التغول على الميدان بأنهم تفاجأوا بمواطن آخر يمتلك شهادة بحث للقطعة رقم ( 2 ) وهي مخصصة للميدان منذ ستينيات القرن الماضي وقال إن المواطن هو صاحب عدد من المدارس الخاصة بالمنطقة وعند سؤالهم عن الجهة التي خصصت له هذه المساحة قال بأنه قابل مكتب التعليم بوزارة التربية وهي من قامت بتخصيص المساحة له , و تساءل وليد عن أحقية الوزارة في تخصيص مساحة ليست ملكاً لها في أن تجعلها مدرسة خاصة وليست حكومية , مضيفاً أنهم قاموا بمخاطبة معتمد محلية الخرطوم الذي قام بإلغاء التخصيص إلا أن القضية لازالت قائمة , و قاموا بمخاطبة مكتب والي ولاية الخرطوم خلال الأسابيع الماضيه إلا أنه لم يرد على خطابهم , لافتاً إلى أن الردود التي يتحصلون عليها من الجهات المسؤولة عبارة عن مسكنات فقط وتقول إن الاجراءات متوقفة الى حين انتهاء التحقق من المعلومات و ملابسات القضية , ويرى وليد أن هناك اجراءات قانونية تتخذ ضد المواطنين الذين نصبوا خيمة اعتراضهم على بيع الميدان للمستثمر والذي قام باستخراج تصاريح بناء , بالرغم من أنه المتنفس الوحيد بالمنطقة وتتم فيه ممارسة كافة الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية , كاشفاً عن وجود اكثر من خمس مدارس خاصة لذلك المواطن , وقال إنه في آخر فعالية للمنطقة بالميدان جاء معتمد محلية الخرطوم السابق أبو شنب وأكد تثبيته له وعدم التصرف فيه من قبل أي جهة أخرى , ألا أنهم لا يرون قرارات ملموسة بدليل مواد البناء التي وضعت داخل القطعة (2) , على الرغم من زيارات رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة اليسع للمنطقة والتطمينات التي يبثها للمواطنين إلا أن الإشكال ما زال قائماً مع جهود المجلس وتوجيهات أمينه العام بالتحرك لوقف التغول , كما يرى وليد أن هناك أيادي خفية تحرك القضية لصالح المستثمر الذي يسعى بصورة كبيرة للقيام بأعمال البناء والتشييد . وأوضح المواطن كمال اليماني أن المساحة عبارة عن رئة المتنفس حسب التصنيف القانوني لها وهي مملوكة لحكومة السودان ولا يحق لأي شخص التصرف فيها , وتساءل عن الكيفية التي منحت بها المساحة لذلك المستثمر .

غموض في القضية
فيما قال المواطن طارق فضل لله إن مساحة الميدان عبارة عن (4250) متراً وإن المستثمر لديه شهادة بحث لنفس القطعة بمساحة ( 4200) متر بالاتجاه الغربي والساحة الشرقية المتبقية لا تصل نسبة 10 % من المساحة الكلية له , قال إن الجهة التي تريد نزع الميدان تقول إن مساحته هي في الجزء الشرقي هو عبارة عن شركة حكومية تابعة لوزارة المالية , وكشف طارق لـ(الانتباهة) أنه من الذين اجريت معهم تحريات شرطية بحجة الممانعة والتصدي لأعمال البناء , وأنهم كمواطنين يطالبون الجهات المسؤولة المتمثلة في المجلس الأعلى للشباب والرياضة ووزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم بأن تحدد موقفها تجاه القضية والكيفية التي تم بها تغيير الاستخدام من ميدان عام الى مدرسة خاصة , وسوف يتركون المساحة للمستثمر , ويرى أن هناك غموضاً في القضية . صلاح الدين احمدون محام ومواطن بالمنطقة قال إنه وبحسب قرار رئيس الجمهورية القاضي بعدم المساس بالميادين العامة , اعتبر الأمر الذي حدث بميدان الامتداد مربع 7 خطأً فادحاً ويعرّض الجهات المسؤولة للمساءلة القانونية , وناشد ديوان المراجع القومي بالوقوف على مثل هذه القضايا وعدم التركيز على الأموال والحسابات ,لأن الفساد ليس في الأموال فقط . ويرى المواطنون أن القضية تذهب في اتجاه خطير جداً وارجعوا ذلك إلى إزالة (عراضات ) الميدان ما يدل على تمكن المستثمر والمضي قدماً في البناء والتشييد .

شهادة ملكية
تحصلت (الانتباهة) على مستندات وشهادات ثبوتية توضح وجود إشكال حول ملكية الميدان وبيعه وتخصيصه لمنافع أخرى لفائدة أفراد بدلاً من أن يعمم لفائدة المواطنين لنجد أنه بتاريخ يناير من عام 2006م تم استخراج شهادة بحث ملكية عين للميدان والتي توضح أنه مخصص بصورة نهائية لوزارة الشباب والرياضة بولاية الخرطوم وأنها غير قابلة للتصرفات القانونية , وبتاريخ 30\9\2018م تم استخراج شهادة بحث أخرى بغرض التأكد من مكتب سجلات الخرطوم والتي حددت أن القطعة رقم ( 2) بمربع ( 7) بحي الامتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم هي ملكية عين والغرض منها ميدان بمساحة ( 4250) متر مربع وهي مسجلة باسم حكومة السودان ومخصصة نهائياً للمجلس الأعلى للشباب والرياضة ولاية الخرطوم , وغير قابلة للتصرفات القانونية .

مخالفة رئاسية
ولم يقف الأمر على مخاطبات الوزارات المعنية فقط بل تقدم أهالي المنطقة المتضررون بمخاطبة معتمد محلية الخرطوم السابق التي بدورها رفعت القضية إلى الوالي السابق الفريق ركن عبد الرحيم محمد حسين وأوضحت في محتوى الشكوى أن الساحة هي المتنفس الوحيد بالمنطقة كما أنها مخصصة للمجلس الأعلى للشباب والرياضة ولديها شهادة بحث , وأشارت الى أن مواطناً آخر يملك شهادة بحث للمساحة , ويسعى إلى تشييد مدرسة خاصة بها , ولفت مكتب المعتمد إلى أن المنطقة ليست بحاجة إلى لمدرسة خاصة أخرى , كما يرى أن هذا الإجراء مخالف لقرار رئيس الجمهورية الذي يقضي بعدم المساس بالميادين العامة المخصصة للناشئين . وبموجب ذلك أصدر والي ولاية الخرطوم السابق عبد الرحيم محمد حسين القرار رقم ( 83) لسنة 2017م يقضي بإيقاف تغيير استخدام الفسحات والميادين العامة لأغراض أخرى . وتم توجيه ذلك القرار لمعتمد محلية الخرطوم لاتخاذ الاجراءات اللازمة ضد الجهة المتعدية على الميدان .

دليل عافية
وبما أن الوزارة التي لها حق العمل وتطوير الميدان فقط دون التصرف في بيعه أو ما شابه ذلك تحصلت (الانتباهة) على مستند ممهور بتوقيع مدير عام وزارة الشباب والرياضة محمد عثمان الخليفة وبتاريخ 23/ 5/ 2017م يخاطب فيه مساعد الأمين العام للتوجيه بجهاز الأمن والمخابرات الوطني بالمساهمة في تنجيل الملعب . ما يدل على أن الميدان هو ملك عين للمجلس ويسعى إلى تسويره وتطويره.

تنصل من مهام
وللوقوف على أبعاد القضية قامت (الانتباهة) بالوصول الى مكاتب وزارة التربية والتعليم التي تعتبر أصل المشكلة , وعند وصولنا إلى مكتب مدير عام الوزارة أوضحت سكرتاريته بأن المدير العام غير مسؤول عن التخصيص , وعند مقابلة مكتب الوزير , أوضح مصدر بعد اطلاعه على شهادتي البحث , قال بأن هناك اختلافاً في الأرقام والمساحات , وألقى المسؤولية على وزارة التخطيط والتنمية العمرانية في استخراج شهادتي بحث لمساحة واحدة , رامياً عبء الإفادات والمعلومات على وزارة التخطيط والتنمية العمرانية .

تلاعب في الأرقام
وواصلت (الانتباهة) رحلة البحث والتقصي عن الحقيقة لتلتقي بمهندس مساحة بوزارة التخطيط والتنمية العمرانية فضل حجب اسمه و الذي أكد في حديثة لـ(الانتباهة) وجود حالات ترقيم تحمل الأرقام 1/1 في حالة سقوط بعض المساحات سهواً على أن تحمل جميع القطع التي تليها نفس الرقم الثاني بمعنى أن تكون هناك قطعاً بالرقم 2/1 و3/1 وهكذا , وأنهى المهندس الجدل حول القضية وقال بما أن القطعة التي جاءت بعدها تأخذ الرقم (2) بلا شك أن هناك تلاعباً في الأرقام مشيراً إلى أن التصرف في أي ميدان أومساحة لا يتم إلا بموافقة الوالي .

حسم الجدل
وضعت (الانتباهة) كافة تفاصيل القضية أمام وزير المجلس الأعلى للشباب والرياضة اليسع الصديق الذي أقر لـ(الانتباهة) بوجود خلاف كبير حول الميدان وقال إنه كان ملماً بها منذ البداية وتابع أن الميدان يعتبر متنفساً لأهالي المنطقة بجانب أن ملكيته مثبتة بشهادة بحث . ولفت إلى اتصاله بوزارة التخطيط والتنمية العمرانية وإطلاع وزيرها على ملابسات القضية , وأشار اليسع إلى وجود مساع لحسم القضية مع وزارة التخطيط محدداً الأسبوع الحالي موعداً نهائياً لحسم الجدل.

ام بله النور
صحيفة الإنتباهة