مقالات متنوعة

جرد حساب مع الصادق المهدي (1)


بمناسبة الأخبار التي تنشر في هذه الأيام بشأن عودة الصادق المهدي للبلاد ، رأيت من المناسب إلقاء الضوء على بعض المواقف في الأحكام الشرعية التي نشرها في مناسبات سابقة مع الرد عليها ، وهو تذكير الهدف الرئيس منه في هذه السلسلة من المقالات هو (تراجع) الصادق المهدي عن ما خالف فيه من الأحكام الشرعية وهو في هذا العمر ، فإن في رجوعه عن فكره ومنهجه هو الأجدر أن تتم فيه مناصحته فإلى جرد الحساب أقول :

بحسب صحيفة المجهر السياسي الصادرة يوم السبت العاشر من شهر رمضان عام 1436هـ فإن الصادق المهدي جدّد ما يردّده بين الحين والآخر بشأن بعض الأحكام الشرعية ، في ما يخص المرأة المسلمة ، وقد سبق لي ردود كثيرة سابقة عليه في هذا الباب منها سلسلة مقالات (الصادق المهدي والمتاجرة بقضايا المرأة) وهي ثلاث حلقات ، ومقال (لو كان الصادق المهدي موفقاً لقال وهو يخاطب مسيرته النسائية ما يلي : ) ومقالات مقارنة بين ما عليه الصادق وما كان عليه جده المهدي في هذه القضايا ، وسلسلة من خمس حلقات في الرد عليه فيما نشره عن بعض الصحابة رضي الله عنهم عموماً وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خصوصاً ، وحيث إنه جدّد في ما نشر في تلك الصحيفة إنكاره لأمر ثابت في شريعة الإسلام بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وما كان عليه الصحابة الكرام في مجتمع النبوة فإني أدمغ باطله الذي تولّت الصحيفة المذكورة نشره حيث إنه وصف في ما نقلته عنه (النقاب) بأنه عادة ، وأنه لا أصل له ، وقال منكراً من القول وضلالاً عندما دعا لأن تكون الصفوف في الصلاة للرجال والنساء رأسية مخالفاً بذلك الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها .. رأيت أن أبيّن حكم النقاب في الإسلام.

إن تغطية وجه المرأة (حكمٌ شرعيٌ) وردت بشأنه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ، وعملت به الأمة الإسلامية منذ عهد النبوة وإلى يومنا هذا ، وقد حكى أئمة الإسلام ذلك ، وعلى سبيل المثال أورد عنهم ما يلي :

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (إن العمل استمر على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال). وقال ابن تيمية : (كانت نساء المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب) .وقال ابن رسلان : (اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات) . وقال أبو حامد الغزالي : ( لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه ، والنساء يخرجن منتقبات).
هذه النقول من هؤلاء العلماء ــ وغيرها كثير جداً ـ يتبين من خلالها أن لبس المرأة للنقاب هو الذي عليه العمل في المجتمع الإسلامي ، فهم قد حكوا ما عليه عمل المسلمين.

وأما النصوص الشرعية والتي تبين وجوب لبس المرأة للنقاب فهي كثيرة منها : قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).

وقد ساق ابن جرير الطبري وغيره بسند صحيح عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير هذه الآية : (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عيناً واحدة).
وقال الله تعالى : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ).ساق الإمام البخاري في صحيحه في باب (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل ، لما أنزل الله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرن بها).وفي رواية قالت رضي الله عنها : (لما نزلت هذه الآية (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أخذن أُزُرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه لهذا الحديث: (قوله فاختمرن أي غطين وجوههن ، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع).
ومن الأدلة من القرآن الكريم قوله تعالى : (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ).

فإن الله تعالى نهى المرأة من أن تضرب برجلها فيعلم ما تخفي من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرجل.فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم المرأة لا يدري ما هي؟ وما جمالها ؟ أشابة هي أم عجوز؟ أيما أعظم فتنة هذا أو أن ينظر إلى وجه سافر جميل ممتلئ نضارة وحسناً؟! وأما الأحاديث النبوية التي تدل على ستر المرأة لوجهها فهي كثيرة أيضاً ذكرها العلماء في مظانها، وبينوا أوجه الاستشهاد بها ، منها ما يلي :
*عن أم المؤمنين عائشة قالت : كان الركبان – تعني الحجاج – يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، محرمات فإذا حاذَوا بنا سَدَلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه . ( رواه أحمد ، وأبو داود ) فهذا بيان من عائشة رضي الله عنها لحال الصحابيات المحرمات ، أنهن إذا مر بهن الرجال غطين وجوههن .. مع أن المرأة ممنوعة من تغطية وجهها وهي محرمة .. إذن لماذا يغطين وهن محرمات ؟!! لأنهن يعلمن أن تغطية الوجه أمام الرجال الأجانب أهم وأوجب .

*قوله صلى الله عليه وسلم : ” لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ” ( رواه البخاري ) فمنع صلى الله عليه وسلم المرأة إذا أحرمت من أن تلبس ما جرت عادتها بلبسه في غير الإحرام كما منع الرجل عن لبس القميص والعمامة لأنه يلبسهما في غير الإحرام فدل ذلك أن عادة النساء في عهده صلى الله عليه وسلم كن ينتقبن – أي يسترن وجوههن ولا يخرجن إلا العينين –
*عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : كنا نغطي وجوهنا من الرجال ، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام .. رواه ابن خزيمة ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرطهما ، ووافقه الذهبي.
*وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن – أي متسترات غاية التستر – ثم ينقلبن – أي يرجعن – إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الناس ) متفق عليه.

*قوله صلى الله عليه وسلم : ” لا تباشر المرأةُ المرأةَ فتنعتها لزوجها حتى كأنه ينظر إليها) رواه البخاري ، وفي هذا دليل على أن النساء إذا خرجن يكن مغطيات وجوههن بحيث لا يستطيع الرجل أن يعرف وصف المرأة ومعالم وجهها إلا بسؤال امرأته أو سؤال من ينظر إليها من النساء ولو كانت النساء في عهده صلى الله عليه وسلم يمشين في الشوارع كاشفات عن وجوههن لما احتاجت المرأة أن تصف المرأة للرجل ما دام قادراً على أن ينظر إليها في الطريق إذا شاء
*عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ثم إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها ما يعجبه ويدعوه إليها فليفعل) قال جابر : فلقد خطبت امرأة من بني سلمة فكنت أتخبأ في أصول النخل حتى رأيت منها بعض ما أعجبني فتزوجتها ، فلو كانت هذه المخطوبة تمشي مكشوفة الوجه .. لما احتاج جابر أن يختبأ لها في النخل ليراها ، بل كان يقعد لها في الطريق بكل سهولة وينظر إليها ، وبمثل هذا الحديث ورد أمر النبي عليه الصلاة والسلام للمغيرة بن شعبة وغيرهما رضي الله عنهم جميعاً.

وأختم بأن أقول : للأسف يتكلّم في زماننا في الأحكام الشرعية كل من أراد !! وابتلينا في بلادنا بأناس فشلوا في جوانب كثيرة في دنياهم وسياساتهم فأصبحوا ينالون من دين الله ويحرّفون أحكامه بين حين وآخر على الطريقة المفضوحة (خالف تذكر) أو (أنا موجود) وحسبنا الله ونعم الوكيل.

د. عارف الركابي
صحيفة الإنتباهة