الطيب مصطفى

هل يُراجع رؤساء تحرير الصحف ذلك الخطأ ؟


هل يُراجع رؤساء تحرير الصحف ذلك الخطأ ؟

للأسف الشديد فقد وقعت مُعظم الصحف السودانية بما فيها (الصيحة) وهي تُورد خبر انسحاب بعض الأحزاب والنواب من جلسة إجازة قانون الانتخابات في عددها ليوم الخميس في خطأ مهني فادح حيث أبرزت بعضها الخبر بمانشيت عريض يتحدث عن انسحاب ( 34) حزباً بالرغم من أن (23) من تلك الأحزاب والحركات والمنظمات لم يكن ممثلاً أصلا في البرلمان.

تلك الأحزاب الـ (34) هي التي قدمت عريضة لرئيس المجلس الوطني طالبة منه تعديل مشروع قانون الانتخابات بما يستجيب لبعض رؤاها، وكنا نحن من بين تلك الأحزاب الموقعة على تلك العريضة، وعندما حدث التوافق على معظم تلك النقاط الخلافية ولم يبق سوى مادة واحدة هي أيام الاقتراع ، هل تكون يومين أم ثلاثة ، غادر منبر السلام العادل بعضويه الاثنين في البرلمان كما غادر عدد من برلمانيي أحزاب تلك العريضة، فكيف يجوز أن يُقال أن (34) حزباً انسحبت من جلسة البرلمان؟!

عدد من الصحف ارتكبت خطأ آخر حين قالت (انسحاب أحزاب الحوار) بالرغم من

أن معظم تلك الأحزاب – ونحن منها – لم تنسحب البتة بل ساندت القانون بقوة.

لو نُسب الخبر إلى أحد النواب المنسحبين لكانت المسؤولية عليه بفقه أن ناقل الكفر ليس بكافر ولكن عندما تُورد الصحيفة الخبر على لسانها هي فإن ذلك يعتبر خطأ مهنياً كبيراً سيما وأنه ورد في جميع الصحف ما عدا (أخبار اليوم والرأي العام) وربما صحيفة أخرى لم أقرأها.

أكتب ذلك ناقداً الصحف التي اقترفت ذلك الخطأ المهني حتى تُراجع ما حدث تجنباً لتكراره، فالصحافة التي ظلت تُمارس دور الرقيب والناقد للأخطاء السياسية ينبغي أن تتقبل النقد وتسعى إلى تصحيح سلوكها المهني.

أقول إنه من الخطأ أن تتحدث الأحزاب المنسحبة عن انهيار الحوار أو تصف عدم التوافق على مادة واحدة من كل مواد القانون بأنه فشل للتوافق، ذلك أن الاتفاق على (108) من مواد القانون المكون من (109) مواد يعتبر نجاحاً كبيراً، أما تضخيم ذلك الخلاف حول تلك المادة ونسيان المواد الأخرى على كثرتها فإنه يُعبّر عن سلوك عدواني وغير حميد.

ليت من انسحبوا بسبب مادة واحدة شاركوا في إجازة ما توافقوا عليه وتحفظوا على المادة المختلف حولها بدلاً من تضخيم تلك المادة على ما عداها من مواد .

للأسف فإن الموقف المتعنت لبعض الأحزاب المنسحبة التي لن تقبل بالتوافق حتى لو استجيب لكل مطلوباتها ينم عن تطرف يحملهم المسؤولية التاريخية عن تعويق مسيرة التوافق.

ينبغي لنا أن نتفق على تفسير عبارة التوافق الذي يعني أن تتنازل الأطراف المختلفة لتلتقي في نصف الطريق أما تعريف البعض للتوافق على أنه يعني سحق الآخر فإنه لن يفعل غير سوق البلاد نحو الاحتراب الذي ظللنا غرقى في خضمه منذ ما قبل الاستقلال.

ينبغي أن تنصرف الأحزاب السياسية الآن إلى المهام التالية بما فيها تكوين مفوضية الانتخابات ومناقشة القوانين الأخرى مثل قانون الأحزاب السياسية وقانون الصحافة، وأن نضع نصب اعيننا ذلك الهدف السامي المتمثل في الانتخابات التي ستُجرى بحول الله في عام 2020 .

ظللنا في منبر السلام العادل منذ أن انطلقت مسيرة الحوار ندعو إلى عدم التطرف في المواقف، وقد تعلمت درساً بليغاً من د.الترابي الذي كان حزبه (المؤتمر الشعبي) معنا وعندما انسحبنا من الحوار جراء ما اعتبرناه خرقاً لأربع عشرة نقطة من خارطة الطريق المتفق عليها مع المؤتمر الوطني واصل المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي الحوار .. عندما رجعنا لاحقاً للحوار مرة أخرى كتبت مقالاً بعنوان (مراجعات سياسية) قلت فيه إن قرارنا بالانسحاب من الحوار كان صحيحاً ومبنياً على حيثيات صحيحة لكن موقف الترابي كان أصح فقد غض الرجل الكبير النظر عن تلك التجاوزات وخروج الوطني على خارطة الطريق مستفيداً من درس المفاصلة الذي أحدث خراباً كبيراً بالسودان وقرر المضي قدماً في الحوار رغم العثرات.

نحن ننظر أمامنا بفقه تجاوز الصغائر أو ما أشير أليه دوما بـ(الغرق في شبر موية) ولن تلفتنا تلك السفاسف عن الهدف الكبير المنصوب أمامنا للتغيير الكبير المحدد له عام 2020 .

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة