المختطفون في ليبيا .. أرواح للبيع
لم يكن (س ) ابن منطقة (..) في ولاية الجزيرة يدري ما ينتظره من مصير مجهول في تلك البقعة القريبة من السودان والبعيدة عن الرحمة لمن يسكن فيها ،فحلم (س) كان ان يجد ما يسد به رمق اسرته ،وان فكر أبعد من ذلك ان يتوجه صوب اوربا مهاجرا عبر (السنبك) بعد ان يجمع قرابة الألفي دولار قيمة تذكرته (للموت) او لجحيم البحار فخيار ان ( يعبر) هو الأضعف مقارنة بخيار (الوصول) ومقارنة بآخر الاحصاءات نجد ان الاحتمال الأكبر والراجح هو الاول، وهو العبور لكن العبور ليس لاوربا وإنما للموت.
وقصة( س) لن تختلف عن قصة من سنورد قصصهم الحقيقية هنا ومن قامت عصابات او جماعات مسلحة باختطافهم عقب الفوضى ضربت ليبيا ، وبعد انهيار الامن في الجماهيرية الليبية خرجت العديد من الشركات الكبرى من سوق العمل الليبي , الامر الذي ادى الى تدفق الجاليات السودانية الى ليبيا لإيجاد فرص عمل جيدة , إلا ان هناك العديد من المخاطر التي تهدد امن وسلامتهم وتعرضهم للكثير منها , ولم يقف الأمر على السودانيين فحسب بل الى كل الافارقة هناك الذين يتعرضون لعمليات الاتجار بالبشر , وفي نوفمبر الماضي، بثت شبكة (سي إن إن) الأميركية تقريرا مصورا يظهر ما وصف بسوق لبيع مهاجرين أفارقة مقابل 1200 دينار ليبي (ثمانمائة دولار تقريبا) للفرد، في منطقة قريبة من العاصمة الليبية طرابلس وأثار التقرير ردود فعل غربية، وبلغ الأمر حد عرض مسألة الاسترقاق المفترضة مجلس الأمن الدولي، وطلب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج لجنة تحقيق ليبية مختصة الإسراع في الانتهاء من تحقيقاتها حتى يمكن معرفة ما حدث ومكانه والأطراف المتورطة في الاسترقاق المزعوم.
اتخاذ موقف
تظهر الى السطح مرة اخرى عملية اختطاف اخرى لرعايا سوادنيين و تحصلت “الإنتباهة” على تفاصيل مهمة في قضية اختطاف عدد 7 أشخاص من مواطني محلية القرشي بولاية الجزيرة في الحدود الجنوبية للجماهيرية الليبية واكد عدد من اسر المختطفين ان المفقودين كانوا يعملون في التجارة ونقل البضائع من الحدود الليبية الى مناجم الذهب في الحدود التشادية , وقال شقيق احد المختطفين يدعى عابدين عباس الذي كان يعمل في ليبيا منذ عامين وقد انقطع الاتصال بينهما منذ الخميس قبل الماضي , ليكتشفوا عملية الاختطاف عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر فيديو انتشر مؤخرا تم تسجيله من قبل الخاطفين في رسالة واضحة للحكومة السودانية .
هوية المختطفين
ويكشف الموطن كمال ابراهيم الذي فقد ابن اخته خلال عملية الاختطاف عن هوية بقية المختطفين وهم (بلال الطريفي من حلة بشير القرشي وسيف الدين محمد بدوي القرشي , وحمزه الفضل من قرية الشويرف وبلال الطريفي من حلة بشير وآخر من قرية ود حجار), موضحا انهم كانوا مجموعة كبيرة , نجت مجموعة منهم من الاختطاف وأرجع ذلك الي انهم كانوا في منجم مؤمن من قبل الأجهزة الشرطية الليبية بالقرب من ذلك المنجم الذي اقتيد منه اقاربهم، ويناشدون رئاسة الجمهورية في التدخل وإرجاع المختطفين الى ذويهم .
رسالة للحكومة
وقال اقارب المختطفين لـ”الإنتباهة” انهم لم يتلقوا اي اتصالات او مساومة من اية جهة , ويرى ان الخاطفين يقصدون الحكومة بتلك الرسالة .
وبعد مقابلة ذوي المخطوفين لجنة العدل والتشريع بالمجلس الوطني والتي بدورها أرسلت مسألة مستعجلة الى وزير الخارجية الدريري محمد احمد , ولم تتخذ الخارجية اي موقف حتى الآن. واضافوا أنهم رفعوا القضية الى جهات اخرى مسؤولة ولكن لا حياة لمن تنادي.
قضية عائمة
فيما يرى الخبير الأمني اللواء عباس ابراهيم شاشوق ان هذه القضية عائمة والغرض منها إرسال رسالة خاصة للحكومة السودانية لإيقاف تدفق الحركات المسلحة الى ليبيا ويعتقد ان هناك مآرب ساسية اخرى وسوف يتم الإفصاح عنها خلال الايام المقبلة من قبل الخاطفين , واضاف ان هناك نوعا من الفوضى الامنية بالجماهيرية ، وأرجع ذلك الى الأوضاع العامة بالجماهيرية الليبية بعد نهاية حكم القذافي واصبح الوضع منقسما بين مجموعات مختلفة منها من يأخذ بالثأرات القبلية ومنهم من يعمل لصالح شبكات خارجية وأصبحت هناك حدود قبيلة داخل الجماهيرية خاصة من العسكريين السابقين الذين اتخذوا من مناطقهم مقرا لهم خاصة مناطق التنقيب عن النفط ومناجم التعدين , مما جعل الامن غير مستتب , مع انعدام السيطرة عليه من قبل الحكومة الليبية , وأصبحت الجماعات في حالة البحث عن الثروات والتوجه الي التعامل مع الحركات المسلحة من دول الجوار المتواجدة داخل الاراضي الليبية والاستعانة بالمرتزقة وإدخالهم في ذلك الصراع , في ظل عدم وجود دولة بالمفهوم الواضح , وازدياد الصراع والقتال , وقال ان هناك بعضا من الحركات المسلحة الدارفوية اخذت في الانضمام الي تلك الحركات , واضاف عباس ان على الحكومة السودانية ان تحذر رعاياها من العمل في ليبيا وتحذرهم من الابتعاد عن مناطق الصراع وعدم الدخول معها في اي مواجهات , مشيراً الى ان هذه الاختطافات تحمل رسائل مهمة للحكومة السودانية التي تم وضعها في موقف حرج نسبة الى عدم قدرتها في السيطرة على حركات دارفور التي يتهمها الشعب الليبي بالضلوع في عمليات ارهابية داخل بلادهم مما ولد شعورا سيئا في نفوسهم الامر الذي يجعلهم يضحون بالمواطن السوداني هناك ونهب ثرواته . كما يرى عباس شاشوق ان الحكومة لا تستطيع ان تتنبأ بمثل هذه الأحداث ولا يمكنها اتخاذ قرار نسبة لعدم وجود جهة يمكنها ان ترسل اليها شكوى حتى الامم المتحدة نسبة لتلك الأوضاع والانقسامات وكل ما عليها هو سحب رعاياها.
أحداث سابقة
وفي احداث سابقة ايضا بالجماهيرية الليبية قد تم اختطاف ثمانية سودانيين من قبل عصابة مجهولة , وتعرضوا للتعذيب من قبل الجهات الخاطفة سراحهم.
وقامت الخارجية السودانية باستدعاء القائم بالأعمال الليبي في الخرطوم للاستفسار عن احتجاز سودانيين بليبيا في ظروف قاسية وتعرض بعضهم لمعاملة وحشية ، وفق ما أظهرته تسجيلات مصورة متداولة. وقال المتحدث باسم الخارجية السودانية إنه تم إبلاغ القائم بالأعمال الليبي رفض الخرطوم الأساليب التي وصفها بغير الإنسانية في معاملة السودانيين، مضيفا أن القائم أعرب عن اعتذاره البالغ باسم بلاده، وأكد أن جماعات منفلتة وراء الحادثة.
وكان ناشطون بثوا مقاطع فيديو تظهر تعذيب مهاجرين سودانيين، ومقطعا صوتيا لمحادثة هاتفية أجريت بين شقيقة أحد المخطوفين ومن يعتقد أنه زعيم الخاطفين، حيث طلب فدية مالية تحوّل إليه خلال ثلاثة أيام وإلا فإنه سيستأنف تعذيب المخطوفين بوتيرة أعلى .
لتعلن السلطات السودانية والليبية فيما بعد الإفراج عن ثمانية سودانيين جرى احتجازهم وتعذيبهم واعتقال أفراد العصابة التي كانت تحتجزهم في مدينة سرت شمالي ليبيا عبر بيان نشرته قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني الليبية إنها تمكنت من تحرير ثمانية سودانيين تم خطفهم وتعذيبهم ومساومة أهلهم على إطلاق سراحهم. وأضافت أنه بناء على أمر من النائب العام تم تحديد مكان احتجاز المواطنين السودانيين في بلدة القداحية بمدينة سرت، واعتقال أربعة متورطين في عملية الخطف نشرت أسماؤهم، مشيرة إلى أن تحرير المختطفين تم بالتعاون مع قوات الأمن المركزي وقوة حماية سرت. لتخرج وزارة الخارجية السودانية بتصريحات توكد الافراج عن المحتجزين الثمانية، وقالت إنهم سيسلمون إلى سفارة السودان في طرابلس وتم تسليمهم بالفعل ورجوعهم للسودان خلال تلك الأيام .
تعهدات ولكن؟
وبعد تداول المقاطع للحالات السابقة تعهدت حكومة الوفاق الوطني الليبية بملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحق المهاجرين الأفارقة وإحالتهم إلى المحاكمة، ودانت الخارجية الليبية بأشد العبارات “الأفعال الإجرامية المشينة واللاإنسانية” التي يتعرض لها بعض المهاجرين في البلاد. كما طالبت الوزارة الجهات المختصة في الدول التي ينتمي إليها المهاجرون بمساعدة جهات التحقيق الليبية، وتبادل المعلومات لمواجهة العصابات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود.
فتح تحقيق
بدوره، أعلن الاتحاد الأفريقي فتح تحقيق بشأن تداول تعذيب مهاجرين سودانيين في ليبيا بحسب ما اوردته قناة الجزيرة . بالرغم من كل هذه التعهدات والاجراءات التي اتخذتها الحكومة الليبية , والاتحاد الافريقي , تكررت المأساة مرة اخرى باختطاف ” 7″ مواطنين سودانيين الذين ظهروا عبر فيديو في حصاري ليبيا في محاولة جاهدة من الجهة الخاطفة من عدم التمكن لاية جهة تحديد موقعها , مع عدم ظهور اي ردود افعال من الحكومة السودانية او الليبية .
تحفظ وحماية
ولمزيد من التقصى حول القضية ومعرفة ما تقوم به المؤسسات المنوط بها حماية المواطنيين بالخارج تواصلت “الإنتباهة” مع الناطق الرسمي بوزارة الخارجية السفير ابوبكر الصديق ليؤكد وجود اتصالات لصيقة بين الخارجية والسفارة السودانية بليبيا لمعرفة ملابسات القضية وتحديد مكان المختطفين وتتحفظ الوزارة عن نشر معلومات تضر بأمن وسلامة رعاياها المختطفين.
تحذيرات الداخلية
ويبدو أن خطورة الأوضاع في ليبيا على المواطنين جعلت وزير الداخلية يخرج عن الأعراف الدبلوماسية وعن صمته، وجعلته يسارع للتأكيد والتحذير من خطورة السفر إلى ليبيا، وقال الوزير أحمد بلال للمركز السوداني للخدمات الصحفية، إن عمليات الاختطاف أصبحت متكررة بصورة كبيرة في ليبيا. وحذر بلال المواطنين من السفر إلى ليبيا وناشدهم وطالبهم بذلك، وأشار إلى وجود مجموعات متفلتة تُهدّد حياة المواطنين، ولم يخرج الوزير من تصريحه دون أن يبث تطمينات لأسر المختطفين حول مساعي وزارته لإنقاذهم، وأكد على أن وزارة الداخلية ستبذل كل الجهود لإنقاذ المواطنين السودانيين المختطفين بليبيا.
صحيفة الانتباهه.