بعد تسليم المقترحات العملية السلمية في السودان.. قراءات في الاحتمالات
تسلمت الوساطة الإفريقية ردود الحكومة والحركات المسلحة وقوى نداء السودان على مقترحات الوسيط ثامبو إمبيكي للأطراف في نوفمبر الماضي، في محاولة لترتيب أجندة المفاوضات بناءً على منهج تفاوضي تتراضى عليه جميع الأطراف.
وينتظر أن تشهد الجولة المقبلة المقررة في منتصف ديسمبر الجاري بأديس أبابا توقيعا على اتفاق لإيقاف العدائيات بين الحكومة وحركات دارفور وكذلك المنطقتين، بجانب لقاء قوى نداء السودان والحكومة لاسئناف الحوار بالداخل.
اشتراطات المهدي
وفي الوقت الذي تعكف فيه الوساطة على تجهيز الأجندة، فاجأ تحالف قوى تحرير السودان المكون من ثلاث حركات تقاتل الحكومة أمس الأول، الساحة السياسية بإعلانه إيقاف جزئي لإطلاق النار والعمليات العسكرية لمدة ثلاثة أشهر اعتباراً من الجمعة الماضية، لإتاحة الفرصة للجهود السلمية لتسوية النزاع. وكشف رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي في مقابلة إذاعية، عن اتصال بينه والوساطة ممثلة في مساعد الوسيط الإفريقي (عبدول محمد) اتفق معه المهدي على لقاء يعقد من الوقت الراهن وحتى العاشر من الشهر الجاري للاتفاق على تفاصيل تحيي مشروع خارطة الطريق. وأكد المهدي أن رئيس آلية الاتحاد الإفريقي ثامبو امبيكي التقى لدى زيارته الأخيرة للسودان وفداً من قوى نداء السودان بالداخل برئاسة عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني وآخرين.
وأشار المهدي لتأكيد امبيكي العمل على إحياء خارطة الطريق وأخذ المستجدات في الحسبان، وأضاف: خارطة الطريق تعني اتفاق على إيقاف العدائيات وضمان انسياب الإغاثة ووجود مناخ مناسب للحوار فيه إطلاق سراح المعتقلين والأسرى وكفالة الحريات؛ فضلاً عن لقاء بين الأطراف المختلفة نداء السودان والحكومة يمهّد لبحث القضايا المهمة وهي الحكم والسلام والدستور على أساس قومي لا يهيمن عليه أحد ولا يُعزل أحد، وأضاف: “نحن نرى إذا انعقد الحوار التمهيدي يمكن لنا جميعاً أن نُواصل الحوار حول هذه الأجندة داخل السودان بعد أن يكون المناخ المناسب قد تحقق”.
مسار دارفور
الحكومة تخوض محادثات عدَّة مع حركتَي العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، متمسكة بموقفها الرافض لتجاوز منبر الدوحة واتفاقية السلام الخاصة بدارفور. في المقابل ظلت العدل والمساواة وتحرير السودان ترفضان الاعتراف بتلك الاتفاقية، بيد أن الحركتين مؤخراً واجهتا ضغوطاً إقليمية ودولية للحاق باتفاق السلام، فضلاً عن ما تواجهانه ميدانياً وأدى إلى تراجعهما عسكرياً.
وفي تطور لافت، أعلن رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم في وقت سابق من الشهر الماضي، عن مشاورات أجرتها حركته مع اللجنة القومية للسلام بقيادة مدير المخابرات الأسبق اللواء متقاعد حسب الله عمر. وأشار جبريل إلى أن اللجنة الوطنية تضم آخرين بينهم شقيقه د.عبد العزيز نور عشر. وإزاء هذه التطورات، أكدت مصادر موثوقة – رفضت ذكر اسمها – لـ(السوداني) أمس، أن اللجنة الوطنية أجرت مشاورات مكثفة مع حركتَي مني وجبريل في عدة جولات بكل من باريس وكمبالا، أفضت للتوافق على ورقة إطارية غطت كل النقاط المُختلَف عليها بين الحكومة والحركات. ورجحت المصادر أن يتم التوقيع على إيقاف للعدائيات بأديس أبابا، ومن ثم عودة العدل والمساواة وتحرير السودان إلى الدوحة لاستكمال الاتفاق السياسي وتضمينه في وثيقة الدوحة وتنفيذه بمسار مختلف، وهو ما كشف عنه جبريل إبراهيم في حديثه ذاك.
تأكيدات حكومية
في السياق، تدخل الحكومة جولة المحادثات المقبلة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بزعامة عبد العزيز الحلو لإيقاف عدائيات يمهد لإيقاف دائم لإطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية وبحث المسار السياسي. وتأتي الجولة المُقبلة عقب موافقة الحكومة على مقترح الأمم المتحدة الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية لمواقع الحركة من داخل البلاد، وهي ثالث موافقة للحكومة عقب المبادرة الثلاثية لإيصال المساعدات الإنسانية بقيادة “الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية”، بجانب موافقة سابقة لها على مقترح أمريكي بنقل المساعدات الإنسانية عبر مطار مدينة الأبيض.
وإزاء انقسام الحركة الشعبية بجناحَي عقار والحلو وافقت الحكومة رسمياً في الثاني من نوفمبر الماضي على وساطة رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت للدفع بعملية السلام، ورحّبت بمساعيه لتوحيد الحركة الشعبية. وكان كبير مفاوضي الحكومة مساعد رئيس الجمهورية د.فيصل حسن إبراهيم، قاد جولة محادثات سرية في نوفمبر الماضي مع حركة عبد العزيز الحلو. ولم يكشف د.فيصل عما أسفرت عنه تلك المحادثات، مكتفياً بتصريح مقتضب قال فيه إن عبد العزيز الحلو أكد التزامه بوحدة السودان، مؤكدا أنه أمرٌ محمود. وأشار د.فيصل إلى أن الوفد الحكومي وافق على مناقشة المسار السياسي مع قناعتهم أن القضايا المثارة تم تضمينها في الحوار الوطني، وتمسك د.فيصل بضرورة وجود جيش وطني واحد.
توقعات إيجابية
يقول الكاتب الصحفي المختص بقضايا القرن الإفريقي والنزاع في المنطقتين محمد حامد جمعة، إنه لا يتوقع أن تكون ردود الأطراف التي سلّمتها للوساطة متقاربة، ويذهب في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن مقترحات الأطراف جزء من عملية التكتيك الخاص بكل طرف، متوقعاً حدوث اختراق في جولة المحادثات المقبلة لعدة معطيات أبرزها أن الحكومة من مصلحتها إحداث هذا الاختراق للظرف الاقتصادي الذي تمر به، بينما من مصلحة الحلو الذي يبحث هو الآخر عن قاعدة في المجتمع الإقليمي والدولي التوقيع على اتفاق إيقاف عدائيات.
أما حركات دارفور يرى جمعة أنه ليس لديها خيارات من ناحية الميدان والتقديرات السياسية والأمنية، وأنها قد ترفع سقوفاتها واشتراطاتها في ما يلي توقيع العدائيات. ويختم محمد حامد جمعة بعامل آخر يراه مهماً، وهو وساطة رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت لتسهيل العملية التفاوضية.
الخرطوم: عبد الباسط إدريس
صحيفة السوداني.