عبد اللطيف البوني

تعقيب من الدكتور الدرديري

[JUSTIFY]
تعقيب من الدكتور الدرديري

تساءلت بالأمس في عمودك المقروء عن السبب الذي جعل المؤتمر الوطني يدعو للتغيير إذا كان هو نفسه بخير حسبما قلتُ أنا في ندوة مركز دراسات المستقبل بالأربعاء الماضي. وأجد في تساؤلك سانحةً لتوضيح هذا الجانب المهم من نداء الوثبة. فالدوافع كثيراً ما تحدد طبيعة المقاصد وترسم مسار الوصول إليها.
قلتُ في تلك الندوة، ولا شك أنه لم يفت عليك مما قلتُ شيئاً لكنني أورده هنا لمصلحة القارئ، إن ثلاثة دوافع رئيسية كانت وراء دعوة المؤتمر الوطني للحوار، هي:
أولاً: أن انفصال الجنوب كشف عن حقيقتين مهمتين: الحقيقة الأولى، أن السودان لا يزال حافلاً بتعددٍ ثرّ. وأنه إذا ما كان سبب فشل الدولة السودانية في إدارة التعدد قبل الانفصال هو الاستقطاب الحاد بين الشمال والجنوب، فإن ذلك المبرر قد انتفى بذهاب الجنوب. ومن ثم آن الأوان لأن نعترف بالتنوع القائم ونقبل على إدارته بحكمة تجنبنا مزالق الماضي وعثراته. فالفشل في إدارة التنوع كان سبباً للحد من الحريات وتكرار الانقلابات ومنع تجذر الديمقراطية. وقد أوفى السيد الرئيس مسألة الهوية حقها في خطابه على النحو الذي بات معلوماً. الحقيقة الثانية التي
كشف عنها انفصال الجنوب هي أن السودان ينطوي على موارد مهولة يمكنها أن تعوضه عن ذهاب عوائد بترول الجنوب بل يمكنها أن تكون أساساً لارتياد آفاق النهضة الشاملة إذا ما أجمع السودانيون على تنظيم خلافاتهم بما لا يعيق استثمار تلك الموارد وإحسان توظيفها.
ثانياً: إنه بالرغم من نجاح تجارب الربيع العربي في إعلاء صوت الجماهير والتأكيد على أهمية تمثيلها بصدق في المؤسسات والتعبير عنها بطلاقة في السياسات، إلا أن الأعاصير العنيفة التي صاحبت ذلك الربيع لم تكتف فقط بدك العروش وإنما زلزلت أركان المجتمع ونفخت في نيران الفتن الطائفية والجهوية. ويرى المؤتمر الوطني أن نعتبر بذلك الدرس ونسعى لأن نستنشق العليل من نسمات الربيع العربي دون أن نتعرض للعنيف من سوراته.
ثالثاً: إن خروج القيادات التاريخية كان إعلاناً بانتهاء مرحلةٍ مهمة تعقبها مرحلةً لا تقل أهمية. وحيث أن تلك المرحلة لا تقتصر على الحزب وتشمل الدولة، فإن أمر التخطيط لها يهم أهل السودان جميعاً.
تلك هي الدوافع التي دعت المؤتمر الوطني لإطلاق نداء الوثبة. وهي وثبة تنطلق من منصة الواقع الراهن بما فيها من نجاحات مشهودة نعمل لتعزيزها، وما شابها من إخفاقات نتملاها ونعتبر بها. فما كان خطأً في التقدير ينحي جانباً وما كان خطأً في التدبير يقوم … وعلى الله قصد السبيل.
أما الحديث عن أن المؤتمر الوطني بخير، فقد جاء في سياق ما أوردته في الجزء الثاني من مداخلتي الذي ذكرت فيه أن هناك أربعة أسباب يمكن أن تقنع المراقب بأن يأخذ دعوة المؤتمر الوطني مأخذ الجد. ومن بين هذه الأسباب أن المؤتمر الوطني حزبٌ قوي له جماهيريته: فهو لا يمر بأزمة داخلية تعصف بأركانه ولا يخشى أن تطيح به الانتخابات في ماهو منظور من تقدير. فأن يتقدم الرئيس بمبادرته بعد أن تنحت قيادة الدولة والحزب بطواعية وبعد أن أدار الحزب حواراً للإصلاح داخله شارك فيه بفعالية أكثر من ستمائة من قياداته على مدى أسابيع، أن يقبل المؤتمر الوطني على الدعوة للإصلاح وهو يجهز اللوائح والبرامج لإعادة البناء الحزبي ولاختيار مرشحيه للرئاسة ولما هو دونها، لهو دليلٌ على أن هذه الدعوة قد صدرت والحزب في كامل عافيته. فإذا ما جاءت الدعوة من حزبٍٍ بكامل قوته فهي أرجى أن تصدق، بخلاف ما إذا جاءت من حزبٍ معلول أو مرتجف يهمه أول ما يهمه أن يبلسم جراحه هو لا جراح الوطن. ومهما يكن فهي قوةٌ نسبية … فكل قوةٍ بخلاف قوته تعالى نسبية. وأوافقك أنها قوة يعتريها من ضعف السودان العام ما يعتريها، وأنه أصاب السودان شيئاً بسبب ما فيها من أسباب نقص، فالكمال لله وحده … ونرجو أن يتم الله العافية على السودان أحزاباً ودولة.
مع فائق شكري وتقديري،
الدرديري محمد احمد
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]