تحقيقات وتقارير

الأزمة الاقتصادية .. هل هناك مخرج


لم يأل الاقتصاديون جهداً في وضع بصمتهم بطرح المعالجات اللازمة لمشكلة الاقتصاد السوداني مهما تعاظمت عليه الأزمات، وكان الخروج منها يمثل نهضة جديدة للاقتصاد مهما كانت ضآلتها، إلا أن الأزمة الآن تمددت بشكل كبير وحزمت معها كل أطراف التعقيدات الاقتصادية من شح في السيولة واصطفاف لليال وأيام في محطات الوقود، كما لم تزل أزمة الخبز في مكانها رغماً عن الوعود باقتراب زوالها وتهديد كل من يتعرض لمعاش الناس بالتهريب، ومع اقتراب العام الجديد لا زالت الجهات التنفيذية في حيرة من حل الأزمة وإيجاد الحلول لها ونحن على أعتاب عام جديد موازنته لم تتضح ملامحها حتى الآن. (الإنتباهة) حملت كل هذه الهواجس وطرحتها على منضدة بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي لكتابة (روشتة) علاجية قد لا تكون عاجلة إلا أنها تحمل تشخيصاً دقيقاً للمرض وخطوات علاجه وخرجت بما يأتي :

(الأزمة الأم)
في حديثه للصحيفة لخص وزير المالية الأسبق د.عز الدين إبراهيم الأزمة الحالية بأنها أزمة واحدة تفرعت منها أزمات في صفوف الخبز والوقود والسيولة في البنوك وحلها يعتمد على حل الأزمة الأم وهي ليست الأولى من نوعها وتعود للانفلات الذي حدث في الموازنة التي فيها عجز كبير وتعتمد على تمويل من البنك المركزي والبنوك التجارية. فخلق طلب شديد على الدولار الذي جذب الى مظلته حتى السلع التي لا تُشترى به كمدخلات الزراعة كما أنه أفرز حالة التضخم الموجودة الآن بعد انفلات السيولة. واستنكر عز الدين ما يشاع عن عدم توفر سيولة في البنوك، وقال إنه غير صحيح وأن الشح سببه السيولة النقدية فقط والبنوك تحتوي على ودائع وهي سيولة أيضاً ولكن من نوع آخر إضافة الى الكاش خارجها وما في أيدي الناس المسبب للأزمة يمثل ثلث السيولة الكلية التي قدرها بنك السودان بـ 300 مليار جنيه فادت لارتفاع الطلب على الدولار والأراضي والمواد الغذائية وكل الأزمات الموجودة. وأشار إبراهيم الى أن حل الأزمة يتمثل في تقليص استدانة الحكومة من البنك المركزي وتقليل القروض من البنوك التجارية بما يسمى بالاحتياطي القانوني.

استغلال أزمات
وقال إن اتجاه الجهاز الاقتصادي لحل المشاكل عن طريق زيادة السيولة لتحريك الاقتصاد دون النظر للآثار الجانبية لهذه السياسات، كما أن تركيزنا على سعر الدولار أدى لانخفاض قيمة الجنيه السوداني بدلاً من أن يرتفع وهذا بسبب توفره في أيدي الناس وفقاً لقاعدة العرض والطلب.
ووصف ما يقال بأن المضاربين والمهربين وغيرهم بغير الاقتصادية، بل هم سبب الأزمة، بل ويستغلها الوسطاء وذلك يقود الى متاهة ولن يتوفر العلاج طالما أن أس الأزمة موجود.

نقطة ضعف
فيما أكد المحلل الاقتصادي المعروف د.هيثم فتحي أن الموازنة العامة كانت ولا زالت نقطة الضعف الأولى والأهم في الاقتصاد السوداني ولا زال العجز فيها كبيراً جداً بكل المقاييس حتى بعد المساعدات والمنح الخارجية. وأبان أن ارتفاع أسعار المواد البترولية والقمح العالمية عن التقديرات في الوقت الحالي وبما يؤثر على زيادة دعم المواد البترولية والغذائية مما يساعد على زيادة الضغوط التضخمية، في ظل ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار مقابل الجنيه وانعكاس ذلك على تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي عن المعدلات المقدرة في الموازنة لأسباب خارجية أو داخلية.وأضاف: العلاج يتطلب ضرورة التزام الهيئات ومؤسسات الدولة وعلى وجه الخصوص شركات وبنوك القطاع العام بتحويل الفوائض المدرجة بموازناتها للخزانة العامة للدولة كمورد رئيس لتمويل التزامات الدولة، والوضع الحالي يحتاج الى ضخ كميات نقدية كبيرة فلابد من وضع معالجات تمس كافة القطاعات لكي تنجح الحكومة في خفض التضخم إلى أقل من 10%.

معالجات خاطئة
وكان للخبير الاقتصادي د. الفاتح عثمان محجوب رؤيته القاطعة بأن ملامح الأزمة الاقتصادية ظاهرة في كل مفاصل الاقتصاد السوداني إذ أن العملة الوطنية في انهيار متواصل والخبز والوقود وحتى الكاش غير متوفر أما المواصلات العامة، فهذه باتت متعثرة تماماً، ورغماً عن ذلك ـ والحديث للفاتح ـ توجد زحمة سير في كل شوارع العاصمة وكل المحال التجارية ممتلئة بالسلع وهذا يعني أن جوهر الأزمة الاقتصادية ناتج عن أفكار ومعالجات خاطئة لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي الراهن وعليه يجب تغيير جذري للطريقة التي يدار بها الاقتصاد السوداني.
ندرة
ويعتقد الفاتح أن الاقتصاد الآن يعيش ندرة في النقد الأجنبي مع طلب عالٍ جداً للسلع الاستهلاكية المستوردة في ظل سياسات حكومية تكبل الإنتاج المحلي بعشرات المؤسسات الجبائية التي تمتلك صلاحيات إقفال وتجريم أكبر مؤسسة اقتصادية، بل والتشهير بها على صفحات الصحف مع صعوبة بالغة في التعامل الرسمي عبر المصارف بالنقد الأجنبي وكل ذلك يخلق مشاكل تحول دون جذب أي استثمار للسودان.

تغيير جذري
ويكمن الحل وفقاً للفاتح في إحداث تغيير جذري وكامل للطريقة التي يدار بها الاقتصاد السوداني وذلك بإنشاء شركات مساهمة عامة يتكون رأسمالها بنسبة تفوق 80% من المصارف تحتكر الصادر للسلع الرئيسة وأخرى تحتكر استيراد السلع الرئيسة مع تبني سياسات واضحة تلغي الفوضى الجبائية الحالية وتلغي معها كل الصلاحيات الفوضوية التي امتلكتها المؤسسات الحكومية المختلفة التي تعطيها صلاحيات إدانة وتشهير وإقفال المؤسسات وتسهيل بيئة العمل في السودان بوضع مواصفات بسيطة للصناعات الصغيرة تركز علي الجودة وتقدم النصح في كيفية تحقيقها.

دعم خاطئ، ولفت الفاتح الى أن مظاهر الأزمة نتجت عن دعم موجه للجهة الخاطئة، فمثلاً بدلاً عن دعم الوقود يجب دعم المواصلات العامة وتوفيرها وجعل بعضها مجاني تماماً للفئات التي ترى أنها بحاجة إليه مثل الطلاب والعمال وتوفير أشكال متنوعة منه ويجب توجيه دعم الوقود بالكامل لدعم التعليم والصحة والمواصلات العامة لجعل حياة الناس في السودان أفضل أما الخبز فأمره سهل اذ يجب تبني إجباري للخبز المخلوط وبذلك يتم إلغاء فاتورة استيراد القمح مع فرض جمارك عالية على القمح المستورد لصناعة الخبز تصل الى الضعف لجعل الخبز المخلوط جاذباً، كما أن تحرير الوقود يعني أن الاستهلاك سيقل وبالتالي ستقل أيضاً فاتورة استيراد السيارات والاسبيرات وبذلك يعود التوازن للاقتصاد السوداني واستقرار العملة الوطنية. على الحكومة أن تؤسس بذات الطريقة أعلاه شركة قابضة لإنتاج اللحوم ويتم توجيه كل التمويل الأصغر في البلاد لمزارع تسمين واستيلاد العجول وعمل شركات دولية لبناء مسالخ، وتوجيه كل الأموال لصالح صناعة اللحوم وبناء سلاسل الإنتاج التي تمدها بالعجول وبناء مؤسسات إنتاجية صناعية تتعامل مع مخلفات الذبيح من دم وجلود وغيرها.

طرد الكسل
وخلص محجوب الى دعوة الحكومة على ترك الكسل وتشرف بنفسها علي إدارة الاقتصاد لإنهاء المضاربات التي أدت لانهيار العملة الوطنية وإفقار الشعب وتكلس قطاعات الإنتاج. فالشعب غير مستفيد من دعم الوقود لانه لا ينعكس على المواصلات العامة بينما دعم الوقود يكفي لتحسين كافة الخدمات الأساسية للمواطنين من صحة وتعليم ومواصلات عامة اي الأزمة ناتجة عن طريقة خاطئة في تقديم الدعم سببها ضعف إحساس المسؤولين بمعاناة المواطنين.

استطلاع:رباب علي
صحيفة الإنتباهة