جولة بمراكز علاج الإدمان.. قصصٌ وتحذيرات!!
(هــ. ا) طبيب يعمل في ثلاثة مستشفيات حكومية شهيرة جداً، تعرًّض لحادث مروري خطير جداً في العام 2009م تم إسعافهِ على جناح السرعة لأحد المشافي فكانت نتيجة التشخيص (كسر في الرقبة) أقعده عن العمل وجعلته (أسير) لعلاجٍ قاسٍ ورغم ذلك كانت الآلام الحادة تحاصر عنقه حتى وهو (يتعاطى) أقوى المُسكِنات، فلجأ بحُكم إلمامه بالطب إلى الحُقن المُخدِّرة ولم يجد صعُوبة في صرفها، الرجل يقول لـ (السوداني) إن هذه العقاقير هي عبارة عن مُسكِنات لم تزل آلامهِ لكنها تجعلهُ يسترخي ويعيش في عالم آخر غير الواقع المحيط بهِ ثم تُعوِد آلامهُ مرة أُخرى أكثر إيلاماً حتى استعان بغيرها من (البنقو والترامادول) بعلم (أمن) المستشفى الذي لم يمنعه مُراعاة لحالته الصحية.
ثلاثة أعوام
مُحدثي يؤكد استمرارهِ في الإدمان لفترة (3) سنوات وبعدما ملَّ من (الحقن والبلع)، قرر علاج حالته هذه بدخول مركز الإدمان بمستشفى الشريف للعلاج النفسي حيث بلغ عدد دخولهِ وخروجه (9) مرات، بعدما حدثت لهُ تجربة سابقة بمركز حياة للعلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي نسبة لتركهِ وحيداً في غرفة مغلقة لمدة يومين دون أكل وشُرب، والآن يتلقى العِلاج بمركز عبد العال الإدريسي منذُ (45) يوماً واصفاً وضعه الصحي بالأفضل.
شرح مُفصَّل
يقول مدير طبي مستشفى عبدالعال الإدريسي للأمراض النفسية والعقلية د. حسام الدين مجدي لـ(السوداني) إن هنالك عدة أسباب لانتشار المخدرات والإدمان ومنها سهولة الوصول إليها وتوفرها بصورة كبيرة، بالإضافة لتدهور الوضع الاقتصادي. وأضاف أن الشباب يلجأون للتعاطي بسبب الفراغ القاتل الذي يعانون منه، وكذلك الصحبة السيئة وغياب الرقابة البشرية. وأشار د. حسام إلى أن طريقة العلاج تتم وفقاً لشروط المركز، وهي رغبة المريض في العلاج، والتي تمثل نسبة 50%، كما يتم سحب السموم من الجسم أولاً وهنالك جزء آخر من العلاج هو إعادة التأهيل النفسي التي تتناول كيفية تعامل المدمن مع العالم الخارجي بعد خروجه من المركز، منوهاً إلى أن هنالك عدداً من المدمنين يأتون مستفسرين في أول الأمر، ولكن لا يأتون مرة أخرى وذلك لأن التكلفة عالية مقارنة بالوضع الحالي، وأيضاً من شروط المركز هو أن يتم فتح بلاغ في المدمن تحت المادة (118) وذلك للإجراءات، والبلاغ هو شكلي وعندما يتم العلاج يحذف البلاغ ولن تكون هنالك سجلات على المدمن ولا سيما أن مركز عبد العال يتبع لوزارة الداخلية، وأيضاً من الشروط عدم تعرض المدمن لأي أعراض زهامية (نفسية) وأن يكون علاج إدمان فقط، وهنالك أشخاص يأتون بأنفسهم للعلاج وآخرون مع أسرهم، وذكر د. حسام أن جميع الحالات الموجودة بالمركز هي رجال ولكن هنالك حالات نساء تأتي للعلاج ولكننا لا نستقبلها لأن المركز مساحته غير كافية حالياً بينما الآن نقوم بتشييد مجمع آخر وسنستقبل حالات النساء في وقت لاحق.
نسبة كبيرة جداً
نسبة الإدمان كبيرة جداً ولكن الحالات التي تتلقى العلاج بسيطة وذلك لأن المراكز الموجودة لعلاج الإدمان جميعها خاصة وتكلفتها غالية للغاية، ولا توجود مراكز حكومية متخصصة لعلاج الإمان وهنالك الكثير من الأسر تريد معالجة أبنائها ولكنها لا تستطيع لتدهور الوضع، أشار إلى أن فترة علاج الإمان تستغرق فترة (45 يوماً إلى6 شهور أوسنة)، وأغلب المرضى يتعالجون(45) يوماً، وذلك لأن التكلفة عالية وأيضاً من جانب إعادة التأهيل لأنه يعتمد على الاختصاصيين النفسيين، ولا توجد كوادر جاهزة في السودان، وجميعهم مستواهم أقل من المطلوب لإعادة التأهيل النفسي للمدمن، وهم يحتاجون لتأهيل أكثر، وتتم إجراءات فحص كاملة للمدمن قبل معالجته من الإدمان، وعلاج الإدمان يكون في مرحلتين هما استخدام الحبوب لسحب المواد السامة في الجسم وهذه ليس فيها أعراض سالبة، والمرحلة الثانية هي التأهيل النفسي للمدمن قبل خروجه من المركز وتعليمه كيفية التعامل مع المجتمع ويكون ذلك تحت إشراف الطبيب والطبيب النفسي.
ويقول حسام إن الحالات الموجودة الآن لتلقي العلاج ثلاث حالات، لأن التكلفة مرتفعة ويجب أن يكون لديك أقل شيء لعلاج الإدمان مبلغ (60000) جنيه على الأقل، والمركز سعته الاستعابية عالية مقارنة بالمراكز الأخرى ونحن أكبر مركز سعة استيعابية للمرضى، حيث تبلغ تكلفة اليوم الواحد (1250)جنيهاً.
تلاميذ أساس وطلاب ثانوي!!
من ناحيته وصف ” د. آدم عبد الرسول محمد” اختصاصي علم النفس العلاجي- الإدمان بأنه عبارة عن مرض مزمن وانتكاسي ممكن علاجه في المراكز المتخصصة، وقال لـ(السوداني) في الماضي كان يتم علاج الإدمان ضمن الصحة النفسية(مستشفى التجاني الماحي ومستشفى عبد العال الإدريسي وطه بعشر) ولكن الآن هنالك مراكز متخصصة في علاج الإدمان، وذلك لكثرة انتشاره وسط فئة الشباب، وكل العالم أصبح يعاني من الإدمان وانتشاره. كشف د. آدم أن أكثر الفئات إدماناً للمخدرات في الآونة الأخيرة هي عمر(14-18) طلاب الأساس والثانوي للأسف، موضحاً أن من أسباب إدمان الأطفال هو أحد أفراد المنزل والتفكك الأسري، وأصدقاء السوء، وهنالك أسباب نفسية، وأيضاً المشكلات الاجتماعية، وذهب د.آدم في حديثه إلى أن هنالك علامات تظهر على المدمن وهي الكذب الكثير، السرقة حتى أغراض منزله، ويكون هنالك تدهور في المستوى الدراسي، بالإضافة لتدني مستوى العمل، ويكون في حالة طلب قروش، وأيضاً كثرة (الشلليات) وذلك لتوفر مادة التعاطي وأيضاً من تلك العلامات يقول دائماً هذه خصوصياتي ولا أحد يتدخل، وأيضاً عدم اهتمامه بالمظهر العام، عكس متعاطي البنقو (ديل بحبوا النظافة لأنه عندهم وسواس نظافة) المدمن يصبح انطوائياً وينعزل عن الآخرين وذلك للاستمتاع باللحظة.
مراحل الإدمان…
ويمضي د. آدم في حديثه قائلاً إن مراحل الإدمان هي ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي سوء استخدام المخدرات وهذه المرحلة يكون تعاطي المخدرات في فترات بعيدة (مناسبات، أعياد).
المرحلة الثانية هي الإنذار بالإدمان، يكون الشخص فيها يستخدم المخدر في فترات قريبة مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع وبزيادة كمية التعاطي.
المرحلة الأخيرة هي الإدمان ويستخدم فيها المخدرات أو الكحول بصفة مستمرة ويصبح المدمن معتمداً على المادة نفسياً وجسدياً ويكون في حاجة لزيادة الجرعة من وقت لآخر، المادة الموجودة في الجسم أكثر من الداخلة، وعندما يقف من التعاطي أو يقليل الكمية تكون هنالك أعراض سالبة وهي(استفراغ – الرجفة-عدم السير وغيرها من المشكلات).
أشار د.آدم إلى كيفية العلاج داخل مركز حياة لعلاج الإدمان، وقال يكون بواسطة فريق علاجي متكامل وهو مكون من طبيب نفسي، ومعالج نفسي، ومرشد ديني، ومدرب رياضي، وأيضاً اختصاصي تغذية واختصاصي علاج بالعمل، وأخيراً مرشد تعافي، أول خطوة في العلاج مقابلة الاختصاصي الاجتماعي وتسمى المقابلة تقييم اجتماعي مبدئي، والخطوة الثانية مقابلة طبيب نفسي، بعدها يتم إجراء فحوصات شاملة، وهنالك (8) مواد مخدرة كانت في السابق (11) مادة ولكنها الآن غير موجودة وذلك لأنها غالية الثمن، منوهاً إلى أن أكثر حالات التعاطي الموجودة في المركزهي من مواد(الترامادول،الكلوزي بام، حبوب لجة، أيضاً دواء الكحة)، يتم العلاج بطريقتين هي التنمويم والعيادة الخارجية، ومدة العلاج في المركز (45) يوماً ولكن عالمياً ثلاثة أشهر، فترة (45) يوماً للعلاج وذلك لأن تكلفة العلاج عالمياً غالية ولأن أكثر الفئات تعاطياً هي فئة الشباب وطلاب الجامعات، ولكن هنالك متابعات مستمرة لفترة عام في العيادة الخارجية، أيضاً هنالك مرحلتان للعلاج ..المرحلة الأولى هي إزالة السموم بواسطة حبوب وحقن تستمر (10-15) يوماً والمرحلة الثانية هي التأهيل النفسي والاجتماعي، ومنع الانتكاسة. وأكد د. آدم أن تكلفة العلاج بمركز حياة تبلغ (650) جنيهاً لليوم.
إحصائيات يومية..
وأكدت اختصاصية عِلم الاجتماع بمركزحياة للعلاج والتأهيل النفسي عدوية عبد الله إدريس في حديثها لـ(السوداني) أن عدد الحالات اليومية مُتفاوتة، لكن حتى ظُهر الأربعاء الماضي في الفترة الصباحية حتى ظهر نفس اليوم بلغ العدد (20 ) حالة، كاشفة عن تردد المرضى على المركز يومياً بزيادة ونقصان، لافتة إلى أن المركز لم ينحصر نشاطه على الولاية نفسها بل يستوعب مدمنين من الولايات والسودانيين المغتربين. وذكرت د. عدوية أن كل الحالات الموجودة هي من فئة الشباب والطلاب الجامعيين، وطلاب المدارس. ونوهت إلى أهمية مرحلة التأهيل النفسي والاجتماعي وذلك بعد التقييم الطبي وهي كيفية إعادة بناء الشخصية المتدهورة في كل الأركان المعروفة وأركان الصحة عالمياً (الصحة النفسية والجسدية والروحية والاجتماعية) والإدمان بكل أسف يضرب الأربعة أركان.
أشارت د.عدوية إلى أن الأسرة هي الجزء الأساسي في علاج الإدمان، وأنهم كاختصاصيين اجتماعيين دائماً ما يعانون من الأسر السودانية في عدم تقبلها للإدمان وذلك للوصمة الاجتماعية وحتى في الأمراض النفسية، والأسر السودانية دائماً تحاول إخفاء هذه الأشياء،(ممكن نودي المريض النفسي لشيخ ولا نوديه المستشفى)، قالت إن أول خطوة في العلاج الاجتماعي هي شرح الإدمان للأسر وكيفية التعامل مع المريض.
تحقيق: ساجدة دفع الله
صحيفة السوداني.