بين دموع سبدرات ودمعة حسين خوجلي
شاهدت مؤخرا حلقة تلفزيونية بالقناة القومية مع سبدرات الوزير السابق والشاعر والأديب.. كان يجلس وحده وبجواره مقعد فسيح شاغر لا أحد فيه مع أنه كان يمكن أن يتحمل جلوس اثنين أو ثلاثة من الضيوف، لكن وبعد أن مضت الحلقة إلى منتصفها اكتشفت سر المقعد الخالي ذلك أن ضيوف سبدرات لم يحضروا للأستديو بسبب غيابهم عن الدنيا.. الرائع الراحل صلاح أحمد إبراهيم والفنان الجميل الراحل خضر بشير والموسيقار الأروع محمد وري والإمبراطور النعام آدم.. كانت الحلقة زيارة مرهفة لمقامات هؤلاء الرواد المبدعين الرائعين.
سبدرات لم يحتمل كل هذه الجرعة المكثفة التي أعدها لنا ولنفسه فاحتشدت دموعه.. ثم بكى.. بكى..
ليقفز في ذهني شريط الذاكرة حول دموع الشاشات والمنابر.. الدموع التلقائية الصادقة التي رسخت في ذاكرتي وفي مقدمتها دمعة لا أنساها أبدا تدحرجت بغير استدعاء ولا تكلف وبغير تحضير ولا توقع على خد الشاعر الأروع الراحل المقيم محمد الحسن سالم حميد في لقاء تلفزيوني معه انهمرت دموعه حين كان يشاهد مادة مسجلة للفنان الجميل مصطفى سيد أحمد.
ودمعة أخرى باقية في الذاكرة وفي القلب هي دمعة (فردة) ثنائي العاصمة السني الضوي في حلقة من حلقات أغاني وأغاني..
دمعات حميد والسني دموع مخصبة طاعمة الإحساس وفعلا هي دموع ملتزمة كانت بالحضور في تمام موعدها.. وكذلك دمعة سبدرات..
لكن الفرق الذي يجعلني أنتبه أكثر لدمعة سبدرات أن سبدرات عائد لتوه من ساحة العمل العام بعد سنوات ظننا أنها نهبت منه كل جميل، فالرجل كان وزيرا للإعلام وللعدل وكان كثير الحضور والظهور في شاشة التلفزيون حتى توقعنا أن أغنية رجعنالك لا رجعة عند سبدرات لها ولزمانها ولإحساسها مرة أخرى.. فالسياسة والسلطة كلتاهما لا تعترفان لا بالصدق ولا بالدموع.. حتى حين تكون وزيرا للعدل في بلد به ما به من المآسي والأحزان والآلام والفواجع وربما المظالم أيضا.. لا تتجرأ أن تدمع أمام الكاميرا لأن دمعتك مردودة ومكذوبة ومجروحة، طالما أنك سياسي، فجمهور السياسة لا ولن يصدق أن وزيرا يبكي بصدق أثناء أداء واجبه، ولم نشاهد سبدرات على مدى سنوات الإنقاذ يدمع إلا حين عاد ورجع لمفردات إحساسه الأدبي وهو يشاهد مادة مسجلة من الأمس للفنان محمد وردي يغني أغنية حضر سبدرات ميلادها..
دمعة سبدرات وحميد والسني الضوي أصدق من كل دموع السياسيين وأصدق من دموع سبدرات نفسه بالنسبة لي وللكثير من المشاهدين لو حدثت في محفل أو حشد سياسي..
ولا أشك في صدق وإنسانية أستاذنا حسين خوجلي، بل لا أشك في أن حسين مصمم ومخلوق لأن يلعب في فريق الأدباء والشعراء والمبدعين وليس فريق السياسيين، أو من يتعاطون السياسة وقد سمعت أن حسين خوجلي أطلق سراح دمعة شهيرة له أثناء حديثه في برنامجه اليومي المتألق هذه الأيام.. أطلق حسين سراح الدموع وبكى في مقام الشأن العام في بلادنا.. ومهما يكن إحساس أستاذنا المبدع حسين خوجلي حين بكى حالنا فإن المقام العام في بلادنا لم يعد موثوق الدموع والأحاسيس وبالتالي فإن دمعة حسين وللأسف ضاعت سدىً.
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي