فيديو الأمانة وخبر الخيانة
وللغرابة أن الحدثين الأكثر رواجا هذه الأيام والأكثر تداولا وتناقضا في نفس الوقت في المدلول وما يتركانه من انطباعات عامة حول واقعنا الأخلاقي من خلال سلوك مواطنين سودانيين.. هذان الحدثان يرتبطان بالأغنام والضأن.. الحدث الأول هو فيديو الكاميرا الخفية الذي يتم تداوله بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي يعرض قصة راعي الأغنام السوداني في صحراء المملكة العربية السعودية يرفض أن يخون الأمانة ويرفض أن يتجاوب مع إغراءات مالية نظير منح رأس واحد من قطيع الأغنام التي يتولى رعيها في الخلاء.. يقول لو انطبقت السماء على الأرض ولو دفعوا له مادفعوا من مال فلن يخون الأمانة ويمنحهم رأسا واحدا كانوا قد ألحوا في طلبه..
العالم مندهش من أمانة الراعي السوداني لأنهم لا يعرفون أن أخلاق السودانيين النظيفة لا تسمح لهم بالسرقة والفساد وخيانة الأمانة مهما تكن المغريات..
الخبر الثاني والذي يتم تداوله بانطباعات مناقضة تماما للانطباعات التي تركها فيديو الراعي السوداني الأمين هو خبر الخراف المزورة التي تم اكتشافها على ظهر باخرة التصدير.. في عملية شيطانية عجيبة ومحيرة تجعلك تشعر بالخوف والقلق من المستوى الإجرامي المتقدم والظواهر الغريبة على أخلاق السودانيين..
(دي مش) خيانة أمانة خاصة بل هي خيانة عظمى بتخريب ما تبقى من اقتصاد السودان!!
دائما يتكرر مثل مشهد الراعي السوداني الذي ضرب مثالا أبكى الأتقياء وجعل أثرياء الخليج العربي يبحثون عنه ليكافئوه بالمال.. هذا المشهد يتكرر كثيرا ليس في خلاء دول العالم ولكن في المدن والمؤسسات والطرقات، يتكرر الخبر أن سودانيا يعثر على مبالغ مالية هنا وهناك ويسلمها للشرطة وينال مكافأة وتوثق دوائر الإعلام صورا متنوعة لأخبار مشابهة في السعودية والإمارات وكل مكان في الدنيا لأن هذه هي أخلاقنا، وهذا هو الأصل.
في حين أن صحافتنا السودانية لا تجد أخبارا داخلية مفرحة ومبشرة توثق لمظاهر صيانة الأمانة أو حول ظواهر إيجابية تستحق التوثيق بدلا عن أخبار الفساد والتلاعب بالمال العام وخيانة الأمانة.. ذلك لأن الصحافة مرآة حقيقية وليست مزورة وبالتالي فإنه يستوجب عليها رصد كل هذه الظواهر والابتلاءات الخطيرة والفساد الذي صار شيطانه اللعين يسرح ويمرح في واقعنا السوداني.
أحدهم تساءل في التعليق على فيديو الراعي بقوله: لماذا نحن بهذه الملائكية فقط خارج الحدود؟.. وفي الإجابة على سؤاله أقول إن الحكم علينا بهذا الإطلاق هو حكم ظالم طبعا ومسيئ ومجتمعنا السوداني برغم تراجع نسب الخير وتمدد مساحات الفساد لكنه لايزال مثل كل مجتمعات العالم فيه الصالح والطالح ونحن ـ السودانيين ـ أخلاقنا في أصلها مثل راعي الخلاء الأمين الذي رفع رأس السودانيين، أما في الاستثناء فقد انتشرت فينا النسخة المزورة من الأخلاق بشكل مخيف في الآونة الأخيرة مثل حالة (مزوراتية الضأن) ومثل حالات لا حصر لها من الفساد والثراء المفاجئ عبر الكسب غير المشروع والتلاعب بالمال العام وكل أنواع الفساد المنتشرة في بلادنا..
وفي تشخيص حالنا فإن الفساد العام فساد المؤسسات وفساد من يفترض أنهم قدوة المسؤولية حتما يشجع على افساد أخلاق الناس خاصة تجاه الحق العام.. الكثيرون وللأسف صاروا يتعاملون مع الحق العام وفق نظرية (كان دار أبوك اتشلعت).. لسنا في الأصل بهذا السوء الذي قد يتخيله البعض بمطالعتهم خبر الخراف المزورة بل ربما نكون الأفضل لو قسنا بفيديو الراعي السوداني .
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي