الفن التشكيلى والكاريكاتير .. هل تتكامل الخطوط؟
مع ازدهار فن الكاريكاتير فى العالم على مدار القرون الماضية، ظهر صراع بينه وبين الفن التشكيلى، إذ اتُهم بعض الفنانين رسامى الكاريكاتير بالسذاجة والسطحية فى الخطوط، بينما دافع أصحاب الاتجاه الأخير عن وجهة نظرهم متسلحين بشعبيتهم وقدرتهم السريعة على الوصول إلى المتلقى مهما كانت درجة ثقافته.
وبالرغم من الخلاف إلا أنه ظهر فنانون كبار فى العالم مزجوا بين الاثنين، إذ اهتموا بدقة تفاصيل الرسم، بالإضافة إلى اهتمامهم بالفكرة. كما تأثر بعض الفنانين المصريين بخطوط الكاريكاتير واستخدموها فى لوحاتهم التشكيلية ليثبتوا أن الفنين متكاملان، لكن من ناحية أخرى هناك البعض من رسامى الكاريكاتير لا يزالون يرون أنه من الصعب مزجهما.
عُرف الكاريكاتير بالفن الساخر الذى يبالغ فى إظهار الملامح الطبيعية للأشخاص بهدف النقد الاجتماعى أو السياسى أو الفنى. ظهر مع بداية الحضارات القديمة، وبالتحديد فى الحضارة المصرية القديمة، حيث كان الفنان المصرى القديم يحاول أن يخرج على الأبعاد والأطر المألوفة ويغير فى نسب الأشكال والرسومات، فيضخم فى رسم هنا ما ليس بضخم، ويصغر هناك ما ليس كذلك.
وازدهر الكاريكاتير فى مصر فى نهاية القرنين الـ19 والـ20، سواء من فنانين أجانب عاشوا فى مصر، مثل الأرمنلى صاروخان أو من فنانين مصريين، من بينهم حجازى وصلاح جاهين وبهجورى.
فنانون مزجوا بين الاثنين
بالرغم من الصراع التاريخى بين الكاريكاتير والفن التشكيلى إلا أن هناك فنانين مزجوا بين الفنين، ويأتى على رأسهم الفنان الأرمنلى صاروخان الذى اشتهر بشخصية المصرى أفندى الكاريكاتورية فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، إذ مزج بين تقنيات الفن التشكيلى وفكرة الكاريكاتير، بالإضافة إلى رسمه للبورتريه، وسار على نهجه عدد من الفنانين، منهم على سبيل المثال الفنان العالمى جورج بهجورى الذى أبدع فى روزاليوسف والأهرام، وكذلك فنان صحيفة الأخبار الراحل مصطفى حسنى. وهذه المدرسة تؤمن بأن الفنين لا ينفصلان، فالقارئ يريد أيضاً أن يستمتع برسومات متقنة فنياً بجانب الفكرة.
رسامون يعارضون المزج
كاريكاتير
عارض بعض رسامى الكاريكاتير فكرة المزج بين الفنين، حيث يرون أن المتلقى يحتاج إلى وسائل بسيطة لاستقبال الفكرة.
ويؤيد عمرو سليم، رسام الكاريكاتير، ذلك الاتجاه قائلاً إن فن الكاريكاتير يعتبر فن الشارع، لذلك تحتل الفكرة المرتبة الأولى لكى تصل بسهولة إلى المتلقى، كما أن الفن التشكيلى يعتبر فن الصفوة ولا يعبر بالضرورة عن الأحداث السياسية والاجتماعية، مضيفاً أن بعض الفنون التشكيلية تحتاج إلى ثقافة معينة لاستيعاب الفكرة.
متحف الكاريكاتير وإنقاذ التراث من الضياع:
الفنان التشكيلى محمد عبلة، الذى مزج بين الفنين أراد الحفاظ على التراث المصرى للكاريكاتير، فقرر تأسيس أول متحف متخصص للكاريكاتير فى الشرق الأوسط عام 2009 بقرية تونس بالفيوم، حيث ضمت جدرانه 500 رسمة أصلية لرسامى الكاريكاتير فى مصر على مدار مئة عام.
ويقول عبلة إن الفنين لا يتعارضان، فالرسام هو سيد قراره فى اختيار الوسيلة المناسبة للتعبير عن فكرته، مشيراً إلى أن فكرته جاءت لإنقاذ التراث المصرى لفن الكاريكاتير من الضياع.
جورج بهجورى.. أيقونة مصرية نقلت روح الكاريكاتير للفن التشكيلى
كاريكاتير
الكاريكاتير يكشف الشخصية سريعًا، لكن اللوحة التشكيلية تحتاج إلى بعض الوقت، لكن لا يمكننى الاستغناء عن الاثنين واستطعت المزج بينهما»، هكذا جسد الفنان العالمى جورج بهجورى علاقته مع الفنين، حيث ظل الجزء الأول من حياته يبحث عن تكنيكه الخاص حتى توصل إلى فكرة الخط الواحد، فرسم به الكاريكاتير ولوحاته التشكيلية.
المرحلة الأولى.. البداية
البداية من قرية بهجورة، حيث ولد جورج عبد المسيح، الشهير بجورج البهجورى عام 1932، فى أسرة بسيطة، لأب يعمل مدرساً، بينما فقد والدته فى سن صغيرة.
«طفولتى سيطرت على ملامحها الحزن. غادرنا المنزل لنسيان آلامنا واتجهنا للمنوفية. ومن هنا بدأت قصتى فى اكتشاف موهبتى فى الرسم، والتحقت بكلية فنون جميلة، ثم سافرت إلى باريس فى منتصف العشرينات من عمرى وانطلقت فى عالم المجد».. هكذا بدأ بهجورى حديثه عن هذه المرحلة. ويرى أن التحاقه بالعمل فى روزاليوسف أثناء دراسته فى الكلية عام 1953 نقطة تحول مهمة فى حياته، حيث أعجب به الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، ولا ينسى الغلاف الأول الذى رسمه للمجلة وكانت عبارة عن رسمة للرئيس الأمريكى الأسبق إيزنهاور ممسكا بعبارة «عصر الازدهار» تلك الرسمة التى جعلته الرسام المقرب لرئيس التحرير.
ولا ينسى بهجورى لقاءه بالسيدة روزاليوسف، المؤسسة للصحيفة، حيث أبدت إعجابها به وبرسمه قائلة: «إنت مدرسة فى الرسم لوحدك يا جورج».
كاريكاتير
تلك الجملة كانت حافزا له لاكتشاف مدرسته فى الفن، فظل لسنوات يدرس الفن فى الخارج حتى اكتشف شخصيته الحقيقية فى مدرسة الخط الواحد والتى ميزته عن الآخرين.
المرحلة الثانية.. الاتجاه للسياسة
بعد اكتشاف مدرسته الفنية، بدأت لوحات جورج بهجورى تتجه للسياسة، فعقب ثورة 1952 عانى المجتمع من تقلبات اجتماعية كبيرة وصفها بهجورى بأنها المرحلة الفارقة فى تاريخ مصر.
ويقول: «بدأت الفن وأنا رسام كاريكاتير، لكن الفنان الجرىء يحتاج إلى اتخاذ موقف واضح صريح، لذلك لم أخفِ وقتها حبى لجمال عبد الناصر وساندته فى أحلك الظروف ولا يمكن أن أنسى أنه كان معجبا برسوماتى ولقبنى وقتها بـ(الولد الشقى)، خاصة بعد رسم عبد الناصر فى أحد أغلفة روزاليوسف وهو ينظف البرلمان».
فى مرحلة حرب الاستنزاف، أدرك أنه لا مفر من المواجهة، فقرر أن يحارب بطريقته الخاصة، فاتخذ من الفرشاة والقلم سلاحاً لمواجهة تلك التحديات الصعبة.
اتخذت لوحات بهجورى مساراً جديداً، فالنسر المصرى أصبح بطلاً يجسده فى كل لوحاته، وبالرغم من حالة الهزيمة وقتها إلا أنه تصور أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سيحلق فوق النسر منتصراً، وهى من الرسومات الشهيرة لبهجورى فى تلك الفترة.
المرحلة الثالثة.. المزج بين الفنين
نجح جورج بهجورى فى نقل روح الكاريكاتير للفن التشكيلى، إذ استخدم خطوطه الكاريكاتورية فى لوحاته وبورتريهاته.
يرجع الفضل لذلك لاحتكاكه بالفنانين العالميين، مثل بلانتى، رسام صحيفة لوموند الفرنسية الشهير، كما أثر احتكاكه بالسياسيين على شعبيته وفى انتشار طريقة رسمه خارج مصر.
ويقول: «السياسيون فى فرنسا أعجبوا برسمى ولا أنسى كلمات التشجيع التى قالها لى الرئيس الفرنسى الأسبق ميتران عندما رسمت له بورتريه فى عدة دقائق بخطوط كاريكاتورية».
ورسم بهجورى أكثر من 2000 بورتريه لكوكب الشرق أم كلثوم لعشقه الكبير لها. ويعود بالزمن 50 عاما متذكرا اللقاء الأخير الذى جمعهما حيث داعبت بهجورى وقتها بسبب خطوطه الساخرة قائلة: «إيه الشخبطة دى يا جورج»، لكنها من ناحية أخرى كانت معجبة برسوماته الكاريكاتورية فى مجلة صباح الخير.
المرحلة الرابعة.. عصير الخبرات
ابتعد بهجورى عن الكاريكاتير عدة سنوات بعد تركه روزاليوسف حتى التحاقه بالأهرام عام 1980، لكنه فى السنوات الأخيرة كان يرسم على فترات متقطعة فى الصحافة، مفضلاً الرسم فى مرسمه الخاص وتنظيم المعارض.
ونظم بهجورى معرضاً منذ أيام فى قاعة بيكاسو حمل عنوان «شمس وقمر»، عرض من خلاله لوحات زيتية عن مشاهد من الحياة اليومية ومشاهد لكرة القدم.
ويقضى بهجورى أغلب ساعات يومه على المقهى، حيث يجد سعادته الداخلية فى الجلوس مع البسطاء ورسمهم، ولا يخفى حبه الشديد لكرة القدم، حيث يتابع جميع المباريات العالمية والمحلية.
ويبرر ولعه الشديد بالكرة: «أنا أهلاوى.. ورسمت صالح سليم والخطيب عدة مرات، والآن أتابع بكل شغف الموهبة المصرية الكبيرة محمد صلاح، وسعيد بما يحققه فى ليفربول».
ويختتم حديثه: «سأظل أرسم حتى آخر يوم فى عمرى.. وأكثر لحظات سعادة بالنسبة لى عندما أرسم البسطاء بشكل كاريكاتورى وتنال الرسمة إعجابهم».
فادي فرنسيس
المصري اليوم