منها الطوفان والجراد .. آيات الله التي أرسلها على قوم فرعون
يرسل الله (سبحانه وتعالى) الكثير من الإشارات والعلامات للظالمين والعصاة لعلهم يتوبون ويعودون إليه. وقصص القرآن مليئة بأخبار الأمم السابقة الذين عصوا ربهم فاختبرهم ليعودوا إلى المنهج الصحيح، ومن أصر منهم على عصيانه وضلاله أهلكه الله.
ويتوقف مصراوي أمام قصةٍ لعصاة ومعاندين من قوم فرعون من بني إسرائيل، أنذرهم الله (عز وجل) بتسع آيات لعلهم يتوبون ويرجعون إليه (سبحانه)، فأرسل عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم وغيرها من الآيات.
وتلك القصة أوردها الله (سبحانه وتعالى) في كتابه الكريم في سورة الأعراف، فقال عز وجل: «وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ».
إن فرعون بعد أن كُبت هو وسحرته ظل تعذيبه لنبي الله موسى وأخيه هارون مستمرًا، وكذلك أتباع فرعون الذين ظلوا مفتونين به، ولذلك بدأ الغضب الإلهي على فرعون وقومه، والبدء بعقابهم، وخاصة بعد إعتاقه للمستعبدين من بني إسرائيل، وعرف هذا العقاب بالآيات التسع لعلهم يرجعون إلا أنهم مع كل آية كانوا يعودون لضلالهم.
وهذه الآيات بدأت بالقحط والجدب وهو ما عَبَّر عنه القرآن بالسنين، وهي أعوام الجدب والقحط التي أصابتهم حيث كان لا يُستغل فيها زرع ولا يُنتفع بضرع.
وبعدها بدأ قوم فرعون يهرعون إلى نبي الله موسى فزعين ليدعوَ الله أن يرفع عنهم العذاب ويدّعون التوبة، ويدعو لهم سيدنا موسى فيرفع الله عنهم ما هم فيه إلا أنهم يعودون إلى سيرتهم الأولى.
وأما الآية الثانية، فكانت النقص من الثمرات بسبب الأمراض التي أصابت الزرع، فيهرعون إلى نبي الله موسى فيدعو لهم فيرفع عنهم ثم يعودون إلى سيرتهم الأولى.
لتأتي الآية الثالثة وهي أن أرسل الله سبحانه وتعالى عليهم الطوفان، وهو كثرة الأمطار وفيضان النيل الذي أغرق الزروع والثمار والبيوت. فحدث مثل ما سبق.
فتلاها الآية الرابعة وهي الجراد الذي أرسله الله سبحانه وتعالى على قوم فرعون بشكل غير معهود، فكان يُغطي الأرض، ويحجب ضوء الشمس لكثرته، وكان لا يترك لهم زرعًا ولا ثمارًا ولا شجرًا حتى قيل إنه كان يأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورُهم ومساكنهم.
كما أرسل الله عليهم آيته الخامسة وهي “القمل” والذي فسره المفسرون بـ السوسُ الذي يفسدُ الحبوب، وقيل: هو القمل المعروف، وقيل: هو البعوض الذي أقضّ مضاجعهم ولم يُمكنهم معه الغمض والنوم والقرار.
ثم استمروا في طغيانهم فابتلاهم الله بآية سادسة وهي “الضفادع” وهي معروفة، وقد كثرت عندهم حتى نغَّصت عليهم عيشَهم، وأفسدت ماءهم وكانت تسقط في أطعمتهم وأوانيهم وتقفزُ على فرشهم وملابسهم وملأت بيوتهم.
ومع ذلك لم يتعظوا، فكانت الآية السابعة وهي “الدم” وجاء في تفسير ذلك أنهم أصيبوا بأمراض سببت لهم النزيف، وقيل إن مياه آل فرعون أصبحت دمًا، فكانوا لا يستقون من إناء ولا من بئر ولا نهر إلا انقلب إلى دم في الحال بقدرة الله.
وقد ذكر الإمام الواحدي ذلك في تفسيره هذه الآيات فقال: “فدعا عليهم موسى فأرسل الله عليهم السَّماء بالماء حتى امتلأت بيوت القِبْطِ ماءً ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة فذلك قوله: ﴿فأرسلنا عليهم الطوفان﴾ ودام ذلك سبعة أيَّام فقالوا: ﴿يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ يكشف عنا فنؤمن لك فدعا ربَّه فكشف فلم يؤمنوا فبعث الله عليهم الجراد، فأكلت عامَّة زروعهم وثمارهم فوعدوه أن يؤمنوا إن كشف عنهم فكشف فلم يؤمنوا فبعث الله عليهم القمَّل وهو الدّباء الصِّغار البق التي لا أجنحة لها فتتبَّعَ ما بقي من حروثهم وأشجارهم فصرخوا فكشف عنهم فلم يؤمنوا فعادوا بكفرهم فأرسل الله عليهم الضَّفادع تدخل في طعامهم وشرابهم فعاهدوا موسى أن يؤمنوا فكشف عنهم فعادوا لكفرهم فأرسل الله عليهم الدَّم فسال النِّيل عليهم دماً وصارت مياههم كلُّها دماً، فذلك قوله: ﴿آيات مفصلات﴾ مبيَّنات ﴿فاستكبروا﴾ عن عبادة الله”.
مصراوي