حكوميون في خندق المعارضة.. انتهازية أم واقعية سياسية؟
سياسيون وبعض قادة فصائل مسلحة، كانوا حتى وقت قريب وزراء ومسؤولين في الحكومة، لكنهم مؤخرا وتزامنا مع الاحتجاجات التي اكتنفت الشارع السوداني تحولوا إلى مقاعد المعارضة، كان آخرهم خروج مبارك الفاضل المهدي وإشراقة سيد محمود وإبراهيم الميرغني وقيادات حركة الإصلاح الآن؛ لتدور جملة تساؤلات حيال مواقف هذه الأحزاب هل هي واقعية سياسية أم انتهازية؟ خصوصا عقب توصيف المؤتمر الوطني لهذه الأحزاب بذلك.
استفهام منطقي
خروج هذه الأحزاب في مظهره السياسي العام يبدو طبيعياً، إما أنه صادر من مراجعات ذاتية، أو أنه تعبير عن سمات الذين أقدموا عليه أو الذين تبلغ على شخصياتهم صفة “الانتهازية”، الأمر الذي يجعل أمر خروجهم عصياً على كونه خروجاً وفقاً لبراجماتية سياسية مُتعارف عليها.
مبارك الفاضل
يعتبر مبارك الفاضل يعد أكثر السياسيين إثارة للجدل وإرباكاً للتحالفات، فمواقفه توصف بالمتناقضة وخطواته تدور ما بين مغادرته لمقاعد المعارضة أو التحاقه بالحكومة. القاسم المشترك في تقييم الفاضل لدى المراقبين استحواذه على خانة (عدم الثقة) في مواقفه من قبل جميع المكونات السياسية. وحسب العديد من المراقبين للشأن السياسي، فإن للرجل مقدرات سياسية، وارتباطات وعلاقات خارجية، فضلاً عن إقراره بنفسه بعلاقاته بأجهزة المخابرات الإقليمية في لقاء تلفزيوني شهير، موضحاً أن طبيعة الحكم في تلك البلدان ترتكز على المخابرات.
مبارك الفاضل عقب خروجه من تحالف جوبا اتخذ لنفسه مسارا مستقلا عن قوى المعارضة ليعود الرجل إلى الخرطوم عقب تكبده خسائر مادية كبيرة في استثمارات بدولة جنوب السودان نتيجة للحرب التي اندلعت هناك، وانضم لوثيقة الحوار الوطني معلنا رفضه فكرة إسقاط الحكومة بزعم أن الصراع السياسي أقعد بالبلاد. بتلك المواقف صعد مبارك الفاضل نائباً لرئيس الوزراء ووزير الاستثمار في حكومة الجنرال بكري..
مراقبون لتجربة مبارك في الحكومة الأخيرة ومن قبلها انضمامه لها في منصب مساعد الرئيس عقب انشقاقه من المهدي، يرون أن مبارك دخل إلى الحكومة بفكرة واحدة تستند على قناعة مركزية مكشوفة وهي أن أي تغيير سياسي حقيقي لن يكتمل إلا بمفاصلة حقيقية بين العسكريين بزعامة الرئيس البشير والإسلاميين، مدللين على ذلك بدخول مبارك للحكومة في المرة الأولى عقب المفاصلة التي أفضت لخروج د.الترابي وأنصاره، ويرون أيضاً أن مبارك دخل بدافع تقوية تيار الرئيس البشير لكن خطة الرجل لم تكتمل حيث خرج بإعفاء الرئيس له من منصبه.
ويذهب المراقبون إلى أن مبارك أراد تطبيق ذات السيناريو بعودته الأخيرة لحكومة الحوار، ولكنه في هذه المرة – برأيهم – أراد دعم رئيس الوزراء السابق النائب الأول بكري حسن صالح للوصول إلى السلطة، وقد انتهى به الحال لمغادرة الحكومة فيما يزال يبحث عن موطئ قدم جديد في أوساط المعارضة بعد أن أعلن مع آخرين عن كتلة التغيير التي يؤيد مبارك فيها الاحتجاجات الأخيرة ويعتبرها ثورة تستهدف إسقاط الحكومة.
ألدو أجو ورياك مشار
أول وأشهر الذين تولوا مواقع دستورية بالحكومة، وتحولوا إلى مقاعد المعارضة كان نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي المكون عقب وصول الإنقاذ للسلطة هو ألدو أجو، الذي سافر إلى القاهرة ومنها أعلن عدم عودته للبلاد وانضمامه للمعارضة.
أما د.رياك مشار الذي وقع على اتفاقية الخرطوم للسلام، وشغل منصب مساعد الرئيس ورئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، فقد غادر هو الآخر بذات الطريقة التي غادر بها ألدو اجو، حيث قرر مشار عدم العودة والالتحاق بالحركة الشعبية بزعامة الراحل د.جون قرنق احتجاجاً على ما سمَّاه عدم تطبيق اتفاقية الخرطوم للسلام.
رزق وغازي
توصف تجربة خروج قيادات حركة الإصلاح الآن، بقيادة د.غازي صلاح الدين ود.حسن عثمان رزق من الحكومة والتحاقهما بالمعارضة، توصف بأنها الأخطر على حزب المؤتمر الوطني، منذ الانقسام الذي أخرج الترابي وأنصاره من الحكومة، وقد شغل كل من غازي ورزق وآخرين في الإصلاح الآن وظائف سيادية ووزارية مرموقة في الحكومة.
وللمفارقة، فإن موقف حركة غازي الذي يدعم الاحتجاجات الشعبية على الحكومة هذه الأيام، هو ذاته الذي أخرجه بقرار فصل من حزب المؤتمر الوطني عقب احتجاجه على تعامل الوطني مع احتجاجات سبتمبر عام 2013م وهو ما عدَّه نافذون في الوطني حينذاك موقفا يعكس خيانة للحزب والفكرة.
ويحاول د.غازي وجماعته طبقاً للقيادي بالحركة د.فتح الرحمن فضيل، التغيير عن طريق انتخابات شفافة عبر ضغط سياسي على المؤتمر الوطني، تمثل في توقيعه على اتفاق لقوى 2020م واتفاق آخر لقوى التغيير قرر بموجبه الانسحاب من مواقع الحركة النيابية بالأجهزة التشريعية.
إبراهيم الميرغني
يمثل موقف القيادي بالاتحادي الأصل إبراهيم الميرغني حالة فريدة، عقب إقالته من منصب وزير الدولة بالاتصالات، باتفاق مع الحزب الاتحادي الذي يمثله في إطار إنفاذ خطة خفض الإنفاق العام وتقليل المواقع الدستورية. ولكن إبراهيم سرعان ما تحول لمقاعد المعارضة، رغم أن حزبه السياسي يعتبر ثاني أكبر شريك في حكومة الوفاق الوطني من حيث التمثيل بالأجهزة التنفيذية والبرلمان القومي. فيما يرى كثير من الاتحاديين أن موقف إبراهيم من معارضة الحكومة لم يتغير وأنه ظل يتمسك بمبدأ عدم المشاركة، إلا أن تسويات قادها زعيم الحزب الاتحادي محمد عثمان الميرغني لترميم آل البيت، أفضت لإقناعه بالالتحاق بالحكومة وتعيينه ناطقاً رسمياً باسم الحزب. ويرون أن خلافات حادة احتدمت بينه والحسن الميرغني أفضت لعزل الأخير له من منصب المتحدث باسم الحزب، بجانب خلافات أسرية أُخرى يعتقد الاتحاديون أن لها جذوراً تاريخية ممتدة.
مناوي من القصر للجبل
خروج كبير مساعدي الرئيس الأسبق مني أركو مناوي من القصر وعودته للتمرد مرة أخرى لم يكن مفاجئا للكثير من المراقبين في أعقاب احتجاج الرجل المستمر على ما سمَّاه عدم الالتزام بتطبيق اتفاق أبوجا للسلام المبرمة بينه والحكومة، غير أن أكثر من مسؤول حكومي أكدوا في ذلك الوقت أن مناوي يرفض تطبيق اتفاق الترتيبات الأمنية وتسريح قواته، وتسجيل حزب سياسي وهو الأمر الذي جعله في وضع حرج خاصة عقب انتخابات 2010م حيث غادر بعدها الخرطوم، وأعلن تمرده على الدولة من جديد.
إشراقة سيد محمود
لم تكن المعركة الكلامية التي دارت في البرلمان على خلفية تقرير وزير الداخلية أحمد بلال حول تعامل الشرطة مع المحتجين، كانت طرفها إشراقة سيد محمود، التي ظلت تقود معارك مفتوحة مع وزير الداخلية الذي يتزعم الحزب الاتحادي الديمقراطي، جراء فصلها من الحزب. فيما يعتقد كثير من المراقبين أن إشراقة منذ قرار الإعفاء الذي طالها بتوصية من حزبها أنها ظلت تبحث عن موطئ قدم في المعارضة بعد أن اتّسعت جبهة معارضتها للاتحادي وقياداته إلى معارضة الحكومة والمؤتمر الوطني. وقد وقعت على إعلان قوى التغيير الذي يتصدره غازي صلاح الدين ومبارك الفاضل، وقد انتقد كثيرٌ من المعارضين بمواقع التواصل الاجتماعي موقف إشراقة بالبرلمان واعتبروا أنها قليلة الخبرة بالعمل السياسي حيث منحت البرلمان صفة برلمان ديمقراطي بالحراك الذي أحدثته، وهو ما يرفضه المعارضون.
صحيفة السوداني.