وما هو بـ(سري) ..!!!
*خلال دراستنا الجامعية كان صديقي الشاعر عزمي أحمد خليل يستاء من انشغالي بأركان النقاش ..
*كان يقول لي في كل مرة: ) ياخي سيبنا من الكلام بتاع ناس مايو ده(..
*ولكني لم أكن أبداً (مع) الكلام بتاع ناس مايو ..
* بل كنت ضده تماماً ..
*فأي حديث في السياسة كان في نظرعزمي هو (كلام ناس مايو)..
*ومايو كان كلامها سمجاً ، مكروراً، مملاً ..
*فهو كلام لا يخلو من فارغ القول مثل (اتحادنا؛ قوة، حرية،إشتراكية) ..
*أو (تحالف قوى الشعب العاملة ) ..
*أو (ثورة مايو الخالدة الظافرة المنتصرة أبداً بإذن الله) ..
*ولكن الله لم يأذن لمايو أن تكون ظافرة ولا منتصرة ولا خالدة..
*فقد سقطت خلال اثنتين وسبعين ساعة فقط رغم أمنها وكتائبها وطلائعها ووحداتها الأساسية ..
*سقطت ولم يعد لها (كلام!!) ..
*ولكنها قبل أن تسقط غنّى لها عزمي الذي لم يكن يعجبه كلامها..
*غنّى لها عبر كلمات تقول: (بفكرك ووعيك يا ريس، يا داب سودانا بقى كويس ..(
*واحتفى التلفزيون والإذاعة بكلمات عزمي هذه ضمن ما كانا يحتفيان بأغنيات وأناشيد تمجِّد (الثورة!!) ..
*فلما سألت عزمي عن أسباب تأليفه كلاماً يعجب ناس مايو وهو الذي لا يعجبه كلامهم كان رده أغرب من غرابة كلماته في مايو..
*قال رداً على سؤالي هذا: (ياخي مايو دي باقية والمعايش جبارة)..
*أي أنه اقتنع بكلام ناس مايو عن (خلود) ثورتهم ..
*وبما أنها خالدة وباقية فان الصبر على (ضيق المعايش) إلى ما لا نهاية هو أمر لا يطيقه الشعراء ..
*ولكن ليس الشعراء وحدهم- من شاكلة عزمي- هم الذين لا يطيقون ذلك سباحةً عكس تيار (الغلبة!!) ..
*فكثير من المثقفين والمهنيين والتكنوقراط و(الصحفيين) لا يطيقون مثل الصبر ذاك أيضاً ..
*بل ان منهم من يتحين فرصة سماع كلام (مضبوط) على موجة كلام مايو الأثيرية ليمتطي- (على طول)- الموجة السياسية ويسبح (مع) التيار..
*منهم من يفعل ذلك رغم أنه لا يعاني في معيشته مثل معاناة عزمي آنذاك..
*وهذه هي مصيبة شعوب العالم الثالث في كثير من مثقفيها ..
*وأحد أوجه المصيبة هذه هي شاكلة الكلام الذي لم يكن يعجب صديقي عزمي ..
*الكلام الذي يُبثّ عبر الموجة الأثيرية (المضبوطة) على مثل كلام مايو..
*هم كذلك – في كل زمان ومكان- يفعلون ..
*وفي كل زمان ومكان – كذلك- تجد قلةً تغالب عنت السباحة ضد التيار مهما (تجبّرت) عليها المعايش ..
*إنهم القابضون على جمر ( النقاء !!) ..
*ومن هؤلاء – في ذياك الزمان – شاعرٌ كان صديقاً لي أيضاً اسمه عبده فتحي سري ..
*وهو مثل عزمي كذلك من أبناء حلفا ..
*ولكنهما صارا طرفي نقيض منذ أن كتب عزمي في مايو كلاماً يناقض ما كان يقوله عن كلام مايو..
* أما سري فمنذ أن ضٌيق عليه (في كلامه) – مثل (ضيق معايشه) – طفق كلاماً (غير مفهوم!!) ..
*طفق يقول كلاماً (سرِّياً) مشابهاً لاسمه ..
*ولم يعد (كلامه) مفهوماً إلا حين انتهي (كلام) مايو ..
*وانتهى معه (كلام) عزمي فيها ..
*و ينتهي – كذلك – كل (كلام فارغ) من كلام الدكتاتوريات ولو(بعد حين!!) ..
*هذا ما (يجهر) به الواقع الآن وما هو بـ(سري!!!!!) .
بالمنطق – صلاح الدين عووضة
صحيفة الصحافة