تحقيقات وتقارير

قانون النظام العام.. جدل المراجعة والإلغاء


جدلٌ كثيف صاحب قانون النظام العام منذُ صدوره، ولم يبارح ذلك الجدل ولا النقد الموجه لهُ ساحات الرأي العام، أروقة المحاكم أو أقلام بعض الكُتاب، وما بين مؤيدٍ ومعارض للقانون بشكلٍ عام، ليوجه المكتب القيادي للمؤتمر الوطني أمس الأول برئاسة رئيس الجمهورية عمر البشير بمراجعة قانون النظام العام، أما نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون الحزبية فيصل حسن، أوضح أن الاجتماع ناقش استراتيجية الشباب والمعالجات المطلوبة وتحليل الواقع الشبابي.

مبررات الإلغاء
منذُ اندلاع الاحتجاجات في الـ19 من ديسمبر من العام الماضي ظلت عبارة “الشباب” حاضرة بكثافة في ثنايا خطاب قادة وأعضاء المؤتمر الوطني، مرةً بالدعوة للحوار معهم وأخرى بتوحيدهم صفوفهم والاستعداد لتسلم السلطة، وأخرى بمعالجة مشكلاتهم وقضاياهم. لذا يرى مراقبون أن التوجيه بمراجعة قانون النظام العام ليست مفصولة عن الاحتجاجات ومحاولة امتصاص غضب الشارع والمحتجين.
فيصل حسن أبراهيم أشار إلى أن قضية البطالة إحدى القضايا الأساسية التي تهم الشباب، داعيًا إلى التدريب وتوسيع مظلات النشاط الثقافي والعمل الطوعي لاستيعاب طاقة الشباب.
حديث فيصل وتوجيه المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بمراجعة قانون النظام العام لا يبدو منفصلًا عن حديث سابق لمدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق صلاح عبد الله قوش في تسجيلٍ صوتي أشار فيه إلى أن الحكومة اتخذت قرارات “صنجاء” مثل إغلاق شارع النيل ومنع تعاطي الشيشة، وقال إن ذلك يعد السبب الرئيسي لمشاركة الشباب في التظاهرات.
يُذكر أن شارع النيل شهد مؤخرًا عودة بائعات الشاي اللائي صدر قرار بحظر عملهن في شارع النيل قبل عام.

ضغط دولي
مراقبون لا يعزلون إمكانية تعديل القانون أو إلغائه من الضغوط الدولية، إذ كثيرًا ما أبدت واشنطن قلقها حول الحريات الدينية وحقوق الإنسان بالسودان، وسبق أن أدرجت السودان في وقتٍ سابق ضمن تقريرها الدوري الخاص بالحريات الدينية على قائمة الدول التي تشكل قلقًا خاصًا.
كما يأتي هذا التوجيه في ظل الحديث عن وجود مشاورات حالية مع الإدارة الأمريكية لاستئناف الحوار الثنائي بشأن إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، إلى جانب تنظيم اللجنة الوطنية المعنية بالحريات الدينية بالتنسيق مع وزارة الخارجية في وقتٍ سابق ورشة عن الحريات الدينية شاركت فيها مؤسسات حكومية وغير حكومية معنية بحقوق الإنسان، فيما أشارت وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية السفيرة إلهام شانتير في تنوير الصحفي سابق، إلى أن الحريات الدينية تمثل أحد المطلوبات لرفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب، مشيرة إلى أن وضع اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب ضمن الدول المعروفة باسم الدول ذات الانشغال الخاص بسبب ملف الحريات الدينية غير مبرر، ولا يستند إلى أي وقائع فعلية، منوهة إلى أن الخارجية ستعقد ورشة للتعريف بواقع التعايش الديني والحريات بالسودان.
بالمقابل، أشار رئيس لجنة الحوار الشبابي الشبابي أمين العلاقات الخارجية بأمانة الشباب الاتحادية بحزب المؤتمر الوطني مهندس طارق بابكر في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن توجيه المكتب القيادي بمراجعة قانون النظام العام أتى من ضمن مخرجات عديدة لاجتماع المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني التي تصب في صالح الشباب، مشيرًا إلى أن كل ذلك بُني على ما تم طرحهُ في أمانة الشباب الاتحادية في لقائها مع الرئيس البشير الأسبوع المنصرم، لافتًا إلى أنهُ حول إلى دعوة لانعقاد موسع للمكتب القيادي، لافتًا إلى أن الحديث عن مراجعة قانون النظام العام يأتي في إطار التطبيق السليم لشرع الله وفي إطار مراجعة الضوابط المحددة شرعاً وإيضاحها بصورة جلية ليس فيها ضبابية حتى لا يكون اختلاف الثقافات بين الدول وبين الأجيال المختلفة مدعاة لتقديرات شخصية تضيق بها حريات لا تضيقها الشريعة وحتى لا يضار الناس بالشبهات ولا يدانوا بها إلا بعد تحرٍّ وإثبات وفق الشرع، وأضاف: وبعد ذلك حتى آليات الضبط ومخاطبة المتهم ومعاقبته لا يجب أن تتعدى المحدد شرعاً وقانوناً فلا يهان ولا يساء. ويشير طارق إلى أن الحديث الذي ذكر لجهة تفهمهم التحولات التي طرأت على الأجيال الحالية وعلى شباب اليوم في الثقافة والسلوك وفي ظل العولمة لافتًا إلى أن كل ذلك يأتي من منطلق رؤيتهم في شباب حزب المؤتمر الوطني لإتاحة الحريات بلا تضييق بما لا يتعارض مع المبادئ والشرع .

وثيقة إصلاح
من جانبه أشار القيادي بالشعبي أبوبكر عبد الرازق في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى وجود هجمة دولية فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان في السودان، إلى جانب ما أفرزتهُ الاحتجاجات التي تشهدها البلاد مؤخرًا من تجاوزات لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى ضرورة إلغاء وتعديل عدة قوانين تندرج تحت قانون النظام العام، معتبرًا أنهُ قانون سيئ المحتوى والممارسة والوقائع التاريخية.
بالمقابل، نفى القيادي بالمؤتمر الوطني د.ربيع عبد العاطي، في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن يكون التوجيه بمراجعة قانون النظام العام نتيجة لضغوط خارجية، مشيرًا إلى أنها تأتي في إطار إصلاحات مستمرة ووثيقة إصلاح يتم بعثها من جديد، لافتًا إلى أن تنفيذها صاحبهُ بطء، وأضاف: المعايير قيد المراجعة وليس قانون النظام العام فحسب بل قوانين أخرى.

هيئة العلماء
في الوقت الذي يرفض فيه بعض الأفراد إلغاء قانون النظام العام تبرز أيضًا هيئة علماء السودان إذ صرح رئيس الهيئة بروفيسور محمد عثمان صالح في وقتٍ سابق وفق وسائل إعلامية إلى حاجة السودان لقانون النظام العام الذي فرضته ظروف، فيما يمكن أن تجري عليه بعض التعديلات إذا اقتضى الأمر، معتبرًا أن إلغاؤه كما تطالب بعض المنظمات هو أمرٌ غير ممكن، مشيرًا إلى أنهُ يمكن النظر فيه وتعديله حمايةً للمجتمع مستدلًا بأنه حتى في بلاد الغرب هناك ضوابط في اللبس.
من جانبه دعا الداعية محمد أبو عبيدة في حديثه لـ(السوداني) أمس إلى الضبط المقنن لسلوك المجتمع مع ما يحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته وخصوصيته دون التشهير به أو فضحه مع وضع الاعتبار أن هناك حرمات لا ينبغي التعدي عليها.

صدور القانون
صدر قانون النظام العام في أكتوبر من عام 1996م هو قانون ولائي رقم (5) صادر من المجلس التشريعي لولاية الخرطوم وهو إعادة إصدار لقانون النظام العام لعام 1992م وتم فيه إضافة بعض المخالفات التي كانت متناثرة في أوامر محلية مختلفة.
عاقب القانون الزي الفاضح في المادة (152) من القانون الجنائي دون أن يحدد أيّ معايير لذلك الزي الفاضح، ولم يحدد القانون عقوبة لكل جريمة بل منح القاضى سلطة اختيار عقوبة أو أكثر من العقوبات الآتية :-أ/ السجن بما لا يزيد عن خمس سنوات، ب/ الغرامة. ج/ العقوبتان معا. /الجلد. هـ/ مصادرة الاموال المستخدمة في المخالفة . و/ سحب الترخيص أو التصديق على حسب الأحوال أو إغلاق المحل لفترة لا تزيد عن سنتين.
كما منع القانون اجتماع الرجال بالنساء الذين لا تقوم بينهم علاقات زوجية أو قربى في ظروف ترجح معها حدوث ممارسات جنسية في المادة (154)، ومن الجرائم التي شملها القانون هي المخالفات المتعلقة بالحفلات الغنائية وضوابط استخدام المركبات العامة وحظر ممارسة التسول والتشرد والمخالفات المتعلقة بأماكن تصفيف الشعر.
كما درج الفقه القانوني على ذكر (النظام العام والآداب)، معًا على سبيل العطف وليس التفريق وتلازم المصطلحان، إلا أن مختصين يرون أن النظام العام هو مفهوم مستقل عن الآداب، فالتشريع يحمي الآداب الحسنة، ولا يحمي مطلق الآداب العامة.

أمن المجتمع
مختصون يشيرون إلى وقوع خلط بين (النظام العام) و(أمن المجتمع)؛ إذ أنه، وبعد قرابة العشر سنوات من تأسيس الشرطة والنيابات والمحاكم الخاصة بتطبيق قانون النظام العام لسنة 1996م)، جرى تأسيس شرطة ونيابات ومحاكم (أمن المجتمع) التي عهد إليها إضافة إلى هذا القانون، بتطبيق نصوص أخرى من القانون الجنائي لسنة 1991م)، كنص المادة/1/152 كما تم تكوين القسم الخاص من الشرطة لضبط الجرائم المتصلة بالأخلاق تحت مسميات مختلفة أكثرها شهرة اسم شرطة النظام العام. ورغم إعادة تسميتها لتصبح شرطة أمن المجتمع إلا أنها ما تزال معروفة لدى العامة باسمها الأول، فيما تم تكوين المحاكم الحالية التي تطبق النظام العام بموجب أوامر تشكيل أصدرها رئيس القضاء في عام 1995 كون بها عددا من المحاكم في العاصمة.

مآخذ على القانون
يرى كثير من مناهضي قانون النظام العام أن اللغة التي استخدمتها المادة لتجريم الزي الفاضح هي لغة فضفاضة عصية على التحديد، مما يصعب معه التوصل لمعنى يمكن للجميع تبينه، إلى جانب فتحه الباب أمام استخدام الشرطة لسلطاتها التقديرية.
في ذات السياق، يرى القانوني المعز حضرة في حديثه لـ(السوداني) أمس، أنهُ لا حاجة لقانون النظام العام وأنهُ قانون ولائي يطبق بولاية الخرطوم فيما قامت ولايات أخرى بإصدار قانون نظام عام لها، وعلى الرغم من تغيير اسم القانون “قانونيًا” إلى أمن المجتمع إلا أن التسمية التي ما تزال سارية لدى الناس بحسب حضرة هي قانون النظام العام، معتبرًا أنهُ من المفارقات أن الشرطة التي تقوم بتطبيقه اقتصر دورها على تطبيق نص المادة 152 وأنها موجودة في القانون الجنائي، معتبرًا أنهُ لا أهمية له إذ أن القانون الجنائي كافٍ لمعاقبة أيّ أفعال مجرمة أن وجدت، وأضاف: من الأخطاء أيضًا إنشاء شرطة خاصة بصلاحيات خاصة، مشيرًا إلى أن شرطة النظام العام لا أهلية لها، وأن محاربة الظواهر السالبة لا تعالج بالقوانين بل هي بحاجة إلى معالجات اقتصادية، لافتًا إلى وجود قوانين تجاوزها الزمن.

قواعد الحريات
المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، تعتبر أن النظام العام يحتوي مواد بها مساس مباشر بالحرية الشخصية للرجال والنساء على حد سواء، فضلاً عن كون معايير الزي الفاضح في القانون “فضفاضة”. ووجود تحيُّز ضدّ المرأة، ناشئٌ عن نظرةٍ ذكوريّةٍ مترتبة على أوضاعٍ اقتصاديّة اجتماعية ظالمةٍ للمرأة، بشكلٍ عام، وعن موقفٍ فكريٍّ متوارثٍ تاريخيّاً، داخل الجماعة العربية المسلمة، في المنطقة والسودان.
وعلى خلفية اعتقال الناشطة حقوقية ويني عمر بتهمة ارتدائها زياً فاضحاً، طالبت السفارة الأمريكية بالخرطوم الحكومة السودانية “تعديل أو إلغاء المادة 152 من القانون الجنائي المتعلقة بارتداء الزي الفاضح حتى تتواءم مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”. وانتقدت السفارة في بيانها استمرار اعتقال الآلاف من النساء بموجب تلك المادة، قائلة إنه “يمثل انتهاكا لسلامة المواطنين وكرامتهم والحريات المدنية”.
ووفقًا لتقارير إعلامية فقد تعرضت أكثر من 24 فتاة لتهمة ارتداء الزي الفاضح، ومحاكمة 16 فتاة في العام 2016 بتهمة “ارتداء زي فاضح” بعدما اعتقلتهن الشرطة لارتداء البنطال، كما تم في وقتٍ سابق إيقاف مطربة بسبب ظهورها بملابس عدتها السلطات فاضحة.

صحيفة السوداني.