اقتصاد وأعمال

تمويل المرابحات.. تحدي التعاملات الربوية

حديث رئيس الجمهورية المشير عمر البشير حمل انتقادات مباشرة لأداء المصارف بالبلاد، واتهم بعضها بالتعامل بنظام ربوي، وأن هناك بعض المصرفيين ما يزال الفكر الغربي يهيمن على تفكيرهم، واعتبر أن نتائج نظام المرابحات في البنوك كانت اسوأ من أي نظام ربوي موجود، إلى جانب تسببها في إفشال ومقاومة تجربة التمويل الأصغر بالبلاد..

الانتقادات الرئاسية فتحت باب التساؤلات حول جدوى صيغة المرابحة؟ وهل صحيح أن التفكير الربوي موجود بين المصرفيين؟ وما الجدوى من إلغاء ضريبة القيمة المضافة على التمويل الأصغر؟ ولماذا تتمنع معظم البنوك عن إنفاذ التمويل الأصغر؟ (السوداني) سعت لإيجاد ردود حول هذه الأسئلة.

لماذا المرابحات؟
الخبير المصرفي والأكاديمي أبوعبيدة سعيد، أكد في حديثه لـ(السوداني) إن صيغة المرابحات ظلت تسيطر وتأخذ النصيب الأكبر من العمليات المصرفية بالبلاد، وأن التمويل عن طريق المرابحات صحيح في التمويل الإسلامي، وهو ما جاء على مبدأ الشراكة بإدارة الأموال والتحمل في الربح والخسارة بين رب العمل (البنك) والعميل (المضارب والمشارك)، وأضاف: صيغة المرابحة تعد الأكثر استحواذاً واستخداماً بحسب مبادئ التمويل الإسلامي، مبيناً أن المرابحة تعتبر عملية شرعية وتنقسم إلى تمويل البيوع (المرابحات، السلم، الاستصناع)، ثم مبادئ الشراكة المعنية بالمشاركة في الربح والخسارة والمضاربات والمشاركات والإيجارات.
سيطرة صيغة المرابحة على البنوك، أرجعها سعيد إلى لجوء البنوك إليها لتقليل الخسارة وعدم تحملها، وأضاف: نجد أن البنوك من النادر جداًً استخدامها لصيغ المضاربات أو المشاركات برغم أن النظام المصرفي الإسلامي قائم على فكرة المضاربة، مبرراً إحجام البنوك عن استخدام الصيغ الأخرى لتجنب الخسارة، ولضعف دراسات الجدوى المقدمة للمشاريع ثم ضعف الجانب الإداري من قبل العملاء، منوهاً إلى أن صيغة المرابحة برغم أنها حلال ولكنها لا تحقق الأهداف الكلية، التي من أجلها قام النظام المصرفي الإسلامي، مشيراً إلى أن زيادة نسبة المرابحات يكون عبارة عن تعويض لهامش معدل التضخم في البلاد لأن التضخم ينعكس على نسب الأرباح في المرابحات، أما في حالة كان التمويل مضاربة أو مشاركة تكون الأرباح بنسبة من نتائج العملية التمويلية بعد التصفية .

العقلية الربوية .. وتحديات التقليدية
في المقابل كان الحديث عن التعاملات الربوية يكثر داخل العمل المصرفي، في الآونة الأخيرة، إلا أن كشف حديث الرئيس عن وجود مصرفيين ما يزال يهمن عليهم التفكير الربوي والغربي في العمل المصرفي. المحلل المالي عثمان التوم، أكد في حديثه لـ(السوداني) على ضرورة وجود ممارسة ودليل قاطع على التعامل ربوياً، موضحاً بأن هذا الأمر يتوقف على الطريقة التي تنفذ بها العملية التمويلية لشراء بضائع، وهل كان بطريقة إسلامية أم تعامل ربوي غربي؟
وأشار التوم إلى أن الفرق بين العمليتين وطريقة الممارسة تحدد التفكير الغربي أو الإسلامي، منوهاً إلى أن هناك مراجعين وبعض الجهات الأخرى المسؤولة تتاح لهم الفرصة للاطلاع على سجلات العمليات التمويلية ومن خلالها يتضح لهم ما إذا كان التمويل إسلامياً صحيحاً أو عليه شبهات ربا.
واعتبر التوم، أن فشل تجربة التمويل الأصغر في دعم الاقتصاد الوطني، يعود إلى قلة بدائل المشاريع وعدم وجود مشاريع خلاقة تسهم في مساعدة الاقتصاد لمعالجة مشكلاته، لأن المشاريع مكررة لا تخدم الاقتصاد بشكل كبير، بينما البنوك تضخ مبالغ بمليارات الجنيهات دون مقابل حقيقي للاقتصاد، وذلك لأن المبالغ الممنوحة للفرد بسيطة وحتى تكون الفائدة ذات جدوى لا بد من التمويل الجماعي، لأن التمويل الفردي يعد أحد أسباب هزيمة الفكرة، إضافة إلى ضعف دراسات الجدوى من قبل جهات معتمدة، داعياً إلى ضرورة الخروج من التفكير التقليدي لمشاريع التمويل الأصغر، والخروج من تقليدية مهن (ستات الشاي، الأيسكريم، الكاروهات، الركشات) ، إلى مشاريع إنتاجية حقيقية جماعية ذات فائدة اقتصادية ، كما يجب على البنوك استغلال هذه الكتلة النقدية بطرح برامج مواكبة ، تحقق مردوداً اقتصادياً للبنك والمواطن والاقتصاد .

فوائد غربية وهوامش إسلامية
(هوامش الأرباح على التمويل الأصغر التجاري والأصغر عموماً لا تتعدى كثيراً نسبة 15% وهي قليلة) بحسب الخبير المصرفي السابق محمد عبدالرحمن أبوشورة في حديثه لـ(السوداني)، قال إننا عند ملاحظة هوامش الأرباح مقارنة بمعدل التضخم الحالي نجدها معقولة، وفي حالة وجود تضخم مالي كبير نجد أن قيمة هذه الأموال تآكلت. وأضاف: البنوك حالياً تآكلت رؤوس أموالها ومديونياتها بعد عام مثلاً ستكون كبيرة بسبب فروقات قيمة الأموال نتيجة التضخم.
واعتبر أبوشورة مسألة وجود مصرفيين استغلوا هذه الأموال في المتاجرة بالدولار غير وارد إلا من قبل بعض الفاسدين، مشدداً على أن صيغة المرابحة الإسلامية لا توجد عقوبة لها على التأخير في سداد الأموال بالشريعة الإسلامية ، مقارنة بالبنوك بالدول الغربية ذات معدل التضخم المنخفض، مبيناً أن النظام المالي في الدول الغربية يفرض على الشخص الضعيف مالياً أرباحاً أعلى، بينما الشخص ذو الكفاءة المالية العالية يحصل على تخفيض من هامش الأرباح، مشدداً على أن الضعفاء في النظام الغربي تفرض عليهم أرباح فائدة أعلى، مؤكداً على أن العيب ليس في المرابحات ولكن الالتزام بتنفيذها بالطريقة الإسلامية الصحيحة، منوهاً إلى ضرورة أن يقوم البنك بشراء البضاعة للمستفيد، وأن يبيعها للشخص المستفيد من التمويل الأصغر، مشيراً إلى أن نسبة الـ12% المخصصة للتمويل الأصغر في البنوك، ربما لا تتوفر هذه المبالغ كافة منذ بداية العام ، ولكنها تتاح حسب التدفق المالي إلى هذه البنوك، إضافة إلى أن فرصة التقييم تكون بنهاية العام بحجم محفظة كانت متاحة ، ومن ثم ينظر إلى أي مدى تحقق توفر التمويل الأصغر.

القيمة المضافة .. أثر اجتماعي واقتصادي
ضريبة القيمة المضافة، هي نظام قائم على خضوع كل السلع والخدمة على القيمة المضافة بنسبة 17%، ومبدأ التسجيل في الإدارة الضريبية كمكلف تحصيلها للممول الذي تتجاوز مبيعاته 120 ألف جنيه، وقالت مصادر ضريبية في حديثها لـ(السوداني) إن الاستثناء من القيمة المضافة لا يتم إلا بالقانون، وأضافت : الحديث عن إلغائها للتمويل الأصغر يأتي في إطار الدعم الاجتماعي وأثرها محدود في هذه الفئات.
وأوضحت المصادر أن القيمة المضافة يتحملها المشتري للسلعة أو المستفيد من الخدمة، وأشارت إلى أن فئات التمويل الأصغر ستستفيد من الإلغاء عند شرائها وسيلة إنتاج عبر البنك ، وذلك بخفض التكلفة للمنتجات.
في الأثناء وصف الأكاديمي والاقتصادي د. محمد الناير ، قرارات رئيس الجمهورية حول التمويل الأصغر بـ(المهمة) وقال في حديثه لـ(السوداني) إن الآراء الاقتصادية ظلت تنادي منذ فترات بعيدة بضرورة اتخاذ هذه القرارات ، موضحاً بأنها تخفف العبء كثيراً عن المستفيدين من التمويل الأصغر في البنوك، لأنها ظلت تخصم نسبة 17% من قيمة التمويل قبل أن يبدأ المستفيد مشروعه، كما أن تحديد نسبة 5% للمرابحات بالبنوك تصب في ذات الاتجاه، متوقعاً بأن يكون هناك عدم استجابة من قبل البنوك التجارية باعتبارها خاصة، مشيراً إلى أن الفرق بين 5-14% كبير ، وتابع لا أعتقد بأن تقبل البنوك بهذه النسبة ، إلا في حالة أن يتحمل البنك المركزي الفرق.

الخرطوم : ابتهاج متوكل
السوداني