هل تهزم الشركات الحكومية تحرير صادر الذهب؟
تساؤلات عدة برزت للسطح مجدداً بعد مضي قرابة الأشهر الثلاثة من قرار بنك السودان المركزي بفتح صادر الذهب لأربع شركات، حيث ما تزال عمليات الصادر تجابه بعدد من المشكلات التي تعطل انسياب الصادرات بالرغم من زيادة إنتاج الذهب الذي بلغ بحسب وزارة النفط والغاز والمعادن في نهاية العام الماضي 93.8 طن، إلا أن ما سيطرت عليه الحكومة بلغ 22 طناً فقط لتفرض التساؤلات نفسها على الساحة، لماذا تضيع على خزينة البلاد نحو71 طناً من الذهب؟ ولمصلحة من يتم ذلك فى ظل الحاجة الماسة للنقد الأجنبي؟.
تفاصيل الموقف
نهاية نوفمبر العام الماضي طبقاً لتقارير إعلامية فَتح بنك السودان المركزي على نحوٍ مفاجئ باب صادر الذهب لأربع شركات خارج معاملاته، على أن تعود الحصائل إليه، وقالت مصادر حينها، إن الشركات الأربع بدأت فعلياً تصدير إنتاجها من الذهب، وأكدت أن أولى الكميات التي تم تصديرها بلغت (400) كيلو غرام من الذهب الخام.
ويسمح قانون بنك السودان بالتعامل التجاري خاصة في سلعة الذهب، واشترط المركزي في وقتٍ سابق على الشركات المصدرة بإعادة حصيلة الصادر إليه.
وبعد مضي أيام من قرار فتح الصادر كشفت شعبة مصدري الذهب، عن تصدير الشحنة الأولى من صادر الذهب عبر مطار الخرطوم إلى دولة الإمارات، مشيرة إلى أن حجم الشحنة يبلغ 200 كيلو جرام تدخل عائدات للبلاد تصل إلى (7) ملايين دولار.
إلا أن عدداً من الاقتصاديين والمراقبين تساءلوا عن سر غياب أي شحنة جديدة للذهب بعد قرار فتح الصادر.
سد العجز:
رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية معتز موسى وجه مؤخراً بوضع خطة لسد عجز الميزان التجاري الخارجي الذي يبلغ 6 مليارات دولار حالياً عبر توفير 3 مليارات دولار من قطاع الزراعة والثروة الحيوانية إلى جانب 3 مليارات دولار أخرى من قطاع المعادن وتابع أن المنتج حالياً 93,8 طن من الذهب، مشدداً على أهمية استدامته والإحاطة به إلى جانب زيادة الإنتاج والعمل على استقرار سعر الصرف خلال العام الحالي.
وأرجع موسى خلال لقائه العاملين بوزارة النفط والغاز والمعادن السبب الأساسي لمشكلات البلاد إلى عجز الميزان الخارجي إلى جانب العوامل غير الموضوعية والتوقعات الخاطئة.
وزير النفط والغاز والمعادن أزهري عبد القادر، بحسب ما نقلته تقارير إعلامية، أقر بضعف سيطرة الدولة على إنتاج التعدين، وكشف عن إنتاج 93.8 طن من الذهب خلال العام المُنصرم تمّت السّيطرة على 22 طناً فقط، وأردف: لا بُدّ من تَغيير ذلك، واصفاً أمر المُحافظة على أرواح المُعدِّنين بـ (الخط الأحمر)، مُؤكِّداً أنّ الهدف الرئيس للوزارة تعظيم نصيب الدولة من المعادن، وإيقاف إصدار أي اتفاقيات جديدة في الوقت السليم ودُون حُدُوث ربكة، مُشدداً على أهمية عمل بورصة الذهب والمصفاة بالمعايير العالمية لإنتاج الذهب، إضافةً لبعض الإجراءات الأخرى.
فوق القانون
رئيس شعبة صادر الذهب باتحاد الغرف التجارية عبد المنعم الصديق يرى فى حديثه لـ(السوداني)أمس، أن تراجع صادر الذهب يعود إلى نشاط شركات حكومية تعمل دون أي قيود وفوق القانون ولا تتقيد بالسياسات النقدية لبنك السودان المركزي أسوة بالشركات التي تعمل على شراء المحاصيل مثل السمسم بأسعار أعلى من الأسعار العالمية، وقال: الشركات الحكومية تشتري الذهب من المعدنين بسعر السوق الموازي وتوفر لها المبالغ (الكاش) ولا يمكن منافسة هذه الشركات فى الصادر خاصة أن الأسعار غير مجدية مقارنة بأسعار الشركات التي تبيع وتحاسب بها الشركات الحكومية، وأضاف: الشركات الحكومية تشتري وتبيع على كيفها. راهناً نشاط صادر الذهب وإصلاح حال الاقتصاد بخروج كافة الشركات الحكومية من العمل فى مجال صادر الذهب، منوهاً إلى أن القرار الأخير بفك الحظر للذهب اصبح غير مجدٍ مع وجود هذه الشركات مبدياً تخوفه من هزيمة تجربة صادر الذهب جراء نشاط شركات حكومية في شرائه بأسعار خارج المنافسة، الشركات الحكومية تشتري حاليا الذهب بالكاش في ظل شح السيولة النقدية في البلاد فيما تعتمد العديد من الشركات الخاصة شراء السلع كافة مناصفة ما بين النقد والشيك .
ارتفاع تكاليف
وعزت مصادر مطلعة لـ(السوداني) نشاط عمليات التهريب والتخزين إلى عدد من العوامل بينها ارتفاع تكاليف التشغيل خلال الفتره الماضية بنقص وارتفاع الجازولين إلى جانب شح السيولة النقدية.
ورهنت المصادر إيقاف الفاقد من الذهب بخروج الشركات الحكومية من الذهب إلى جانب وجود السعر العادل لبيع الذهب، ويرجع عدد من الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين لـ (السوداني) ارتفاع نسبة الفاقد من الذهب المنتج إلى نشاط عمليات التهريب والتخزين من قبل بعض الشركات والأفراد للذهب المنتج إضافة لضعف سياسات الذهب، مشيرين إلى ارتفاع نسبة المهرب من الذهب بالرغم من السياسات الأخيرة بفتح صادره للشركات .
الوقود والنقود
المحلل المالي والمصرفي د. طه حسين يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن الذهب يقسم إلى شركات منتجة وشركات الامتياز إضافة للتعدين التقليدي والصغير الذي بلغ 84 طناً حتى نهاية العام الماضي، مشيراً إلى أن ما تم تصديره بلغ 23 طناً من الذهب المنتج والبالغ أكثر من 93 طناً، عازياً ضعف الصادر إلى التراجع في الإنتاج من قبل شركات الامتياز لجهة مشكلات التكلفة المرتفعة للإنتاج خاصة الجازولين، لافتاً إلى أن بعض الشركات تقوم بتخزين الذهب لتغطية ارتفاع تكلفة الإنتاج إضافة لوجود سعرين للشراء عبر النقد والشيك، مؤكداً أن هناك فروقات في المعايير تقلل من الصافي من الذهب القابل للتصدير، مشيراً إلى أن ما بين 40 إلى 50 طناً لا تستخدم فى الصادر، مؤكداً أن السياسة الموجودة من البنك المركزي واضحة بتصدير 70% من صافي الذهب من شركات الامتياز بعد تخليص العوائد الجليلة والرسوم الأخرى والضرائب عيناً، وقال حسين من الأفضل إتاحة الفرصة لشركات التعدين والامتياز العاملة الآن بزيادة حصة الصادر ووضع أدوات تشجيعية للصادر بالنسبة للمعدنين التقليديين مما يزيد من الذهب المجمع للبنك المركزي والحد من عمليات التهريب.
إدمان الفشل
ويذهب الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي في حديثه لـ(السوداني) بضياع نحو 8 مليارات دولار على البلاد بسبب نشاط عمليات التهريب للذهب، مقدراً الذهب المنتج بالبلاد بحوالي 200 طن.
ووصف الرمادي فتح الباب لأربع شركات لصادر الذهب بتجريب المجرب، متسائلاً لماذا ندمن الفشل؟ وقال إن الوضع السليم يتطلب أن ينشئ بنك السودان المركزي شركة مساهمة عامة بالشراكة مع القطاع الخاص بحسب توصيات البنك الدولي في مجال الشراكات على أن تعمل الشركة فى شراء الذهب عبر صك بريق وأضاف عندما تكون قيمة الصك بالحنيه بعد عام يفقد ثلثى قيمته الحقيقية أي 68 % الذي يقارب معدل التضخم.
صحيفة السوداني.