بين تحرير هجليج وتخرصات المرجفين

واهم واهم واهم من يظن أننا حريصون على بقاء هذا النظام إعجاباً به أو بمنجزاته .. كلا ورب الكعبة.. كيف نحرص عليه وقد رأينا تضييقه على الناس الذين بلغ بهم الحال درجة أن يحرموا لأول مرة منذ الاستقلال من أموالهم المودعة في البنوك، ناهيك عن ضيق الحال غلاءً غير مسبوق وصفوفاً تتلوى بحثاً عن رغيف الخبز والوقود؟!

رغم ذلك لم نهتف (تسقط بس) خوفاً من بديل مدمر نخشى أن يفقدنا وطننا ويشردنا في أرجاء الدنيا، سيما وقد رأينا نذره في شعوب خرى (كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يصنعون)
نعم، لسنا حريصين على بقاء النظام لكننا نرفض (تسقط بس) التي يمكن أن تقذف بنا في المجهول وفي الظلام الدامس، ولذلك طرحنا بديلاً سلمياً يجنبنا البدائل المهلكة، فالسعيد من اتعظ بغيره، ولذلك آثرنا بديلاً صنعناه بأيدينا من خلال حوار توافقت عليه معظم القوى السياسية في السودان، وستجرى على ضوئه انتخابات بعد عام واحد تفرز واقعاً سلمياً جديداً، فلماذا نسقط دولتنا هذه المأزومة لنرتمي في أتون المجهول، بل لماذا نمضي إلى خيار بليد ينادي بفترة انتقالية تمتد لسنوات، ولا يدري أحد من يختار شخوصها وقواها السياسية؟

نعلم يقيناً أن بعض من طرحوا خيار الفترة الانتقالية يريدون أن يمتطوا ظهر الشعب خلال تلك الفترة بدون استحقاق دستوري يأتي عبر صندوق الانتخابات، بل أن بعضهم يتربصون بحدود السودان في انتظار سقوط السلطة المركزية ليحيلوا بلادنا إلى خراب وفوضى يفقد الناس فيها دورهم وأعراضهم وأموالهم.
هل نسي الناس أن هناك حركات مسلحة تتنظر على أحر من الجمر سقوط النظام لكي تفتك ببلادنا وتحيلها إلى حطام؟
نعم لسنا حريصين على النظام، ولكننا لن ننجر كالعميان خلف هتافات مجنونة يطلقها من ظلوا منذ عقود من الزمان يسعون لانهيار الدولة السودانية، ولا يهمهم البديل حتى ولو كان شيطاناً مريداً.

لذلك سعدت واطمأننت بكلمات نيرات نزلت علينا برداً وسلاماً من فم رئيس أركان القوات المسلحة السودانية الفريق أول كمال عبد المعروف، بطل تحرير هجليج وقبلها كاجو كاجي وسندرو، والذي زأر متعهداً بألا تسمح القوات المسلحة بسقوط الدولة أو انزلاقها نحو المجهول، ثم قال ــ لا فض فوه ــ : (إن الوجوه التي تتصدر المشهد في المظاهرات الحالية هي ذات الوجوه التي ظلت تقاتل القوات المسلحة طيلة السنوات الماضية).
لقد صدق الرجل ورب الكعبة، فمن غير الشيوعي القيادي بقطاع الشمال التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان محمد يوسف والذي سطا بليل حالك السواد على المشهد ليتصدر الكيان النقابي الشيوعي المسمى بتجمع المهنيين ليقود ــ عن طريق (الفهلوة) والخداع ــ الحراك الشبابي الثوري السلمي الذي ما خرج انتصاراً للشيوعية أو للمتمردين على سلطان الدولة أو لتمكين الحزب الشيوعي من رقاب هذا الشعب السوداني الطيب، وإنما خرج احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية وعلى مظالم كثيرة غيرها.
إنها من عجائب الدنيا أن يتمكن شيوعي ومتمرد وقيادي في فصيل عبد العزيز الحلو الذي روع مناطق أب كرشولا والسميح والله كريم وقتل ائمة المساجد، والذي ظل يحارب الشعب والدولة السودانية منذ عقود إلى جانب الهالك قرنق، أن يتمكن من توجيه التظاهرات والاحتجاجات التي اشتعلت في الشارع السوداني!

بربكم ألم يصدق رئيس الأركان حين جهر بتلك الحقيقة وكشف أن (القوم هم القوم كأنهم قريش)؟
ثم يأتي كبيرهم الذي علمهم الكيد والتآمر والخداع .. إنه (الخطيب) سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الذي ظل حليفاً مناصراً ومنافحاً عن التمردات والحركات المسلحة التي عصفت ومازالت بهذه البلاد منذ انفجار تمرد قرنق مروراً بكل حركات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، والتي ظلت تعمل حتى اليوم لإسقاط الدولة السودانية حتى لو كان بديلها هو الشيطان الرجيم.
يعلم وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف كما يعلم كمال عبد المعروف أن هؤلاء هم من ظلوا يقاتلون القوات المسلحة وفيهم الرويبضة عرمان
الذي خرج أخيراً من عزلته الموحشة وهزيمته النفسية القاتلة، ليكتب بفرح غامر عن الثورة السودانية، كما خرج غيره من المرجفين أمثال الحاج وراق الذي قال من قبل إن جنود القوات المسلحة، حامية وطنه وعرضه، كانوا (يتعلمون الرماية على بطون الحوامل من الجنوبيات)، فهل نسمح لهؤلاء الأعداء بأن يشردوا شعبنا ويعبثوا بدولتنا وأرضنا وأعراضنا؟!

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version