مرضى جرثومة المعدة .. علاج رباعي لشفاء المصابين في قطر
لجأ الأربعيني القطري حسين المري إلى أحد المراكز الصحية القريبة من منزله، بعد معاناته من القيء وألم مستمر في المعدة وشعور بالانتفاخ لا ينقطع، ولم تفلح معه كل محاولاته للسيطرة عليه عبر تناول أعشاب ومسكنات إذ لم يعر الأمر اهتماما وتعايش مع تلك الأعراض، غير أن تشخيص طبيبه كشف إصابته بجرثومة المعدة أو ما يعرف بـ”بكتيريا المعدة الحلزونية “Helicobacter pylori”، والتي تعد أحد مسببات قرحة والتهاب المعدة ومشاكلها عالميا إذ تنتشر بين 50% إلى 70% من سكان العالم، وفق تقديرات منظمة الصحة العالية، بينما تصل معدلات الإصابة بها في بعض البلدان الآسيوية إلى 80%، ولا تقل نسبة انتشارها عن 50% من السكان في قطر، وفق ما أوضحه الدكتور خليل حسن سلطان، استشاري الجهاز الهضمي بمستشفى حمد العام التابعة لمؤسسة حمد الطبية.
بالفعل، إن معدلات انتشار عدوى جرثومة المعدة عالميا كبيرة، وفق ما يقول الاستشاري الأول ورئيس قسم الجهاز الهضمي والمناظير ومدير أقسام الباطنة في مستشفى الوكرة بمؤسسة حمد الطبية، الدكتور نبيل شعث، الذي أضاف موضحا: “وفق المراجعات التي نستقبلها فإن المرض منتشر، لكن يصعب وضع إحصاء دقيق للأمر، لأن أعراض جرثومة المعدة تتداخل مع الكثير من الأمراض الأخرى”، متابعا “الجرثومة الحلزونية أو جرثومة المعدة نوع من أنواع البكتيريا التي تسبب التهاب مزمن في البطانة الداخلية للمعدة وقد تنتقل من شخص إلى آخر، كما يمكن أن تنتقل للإنسان من الفواكه والخضروات غير المغسولة بطريقة جيدة”.
لكن الغريب في الأمر، والحديث للمري، أنه أصيب بها رغم حرصه الكبير على نظافة كل ما يتناوله بالإضافة إلى محيطه، كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا بعد إنهاء علاجه: “أخشى أن أصاب بجرثومة المعدة مجدداً، أو أن يكون أحد أبنائي مصاباً بها”.
أسباب انتشار جرثومة المعدة
ينتشر مرض جرثومة المعدة بصورة أكبر بين المقيمين من العمالة البسيطة في قطر، بحسب تقييم ومشاهدات الدكتور شعث، معيدا ذلك إلى السلوكيات الغذائية وعدم الاهتمام بتنظيف الأطعمة بصورة جيدة، وهو ما يؤكده الدكتور محمود الدريني، زميل الكلية الملكية البريطانية في اختصاص طب الأسرة، والطبيب في مؤسسة الرعاية الصحية الأولية، والذي قال لـ”العربي الجديد” إن أبرز أسباب انتشار جرثومة المعدة في قطر يرجع إلى اعتماد بعضهم على الوجبات السريعة، فضلا عن أن بعض المطاعم التي لا يهتم العاملون فيها بنظافة الأيدي والخضروات بالمستوى المطلوب، متابعا أن: “الملامسة والقبل بين الأهل تساعد على انتشار الجرثومة وحتى السفر يعد أحد مسببات الأمر، خاصةً أن الكثير من السكان سواء القطريين، أو المقيمين يسافرون بصورة مستمرة إلى الخارج، وقد تحدث الإصابة خارج قطر، وغيرها من الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بجرثومة المعدة” كما يقول.
ويؤكد الدكتور الدريني أن جرثومة المعدة لها الكثير من الأعراض التي تتشابك مع غيرها من الأمراض، مثل “الشعور بألم مزعج وحاد، وفقدان الشهية والوزن، والتجشؤ والتهابات وألم المعدة، والقيء المستمر والشعور المستمر بالشبع والحموضة والانتفاخ وآلام أعلى البطن”، فيما يؤكد الدكتور شعث صعوبة رصد معدلات الانتشار بدقة.
لكن الدكتور مأمون العوض، استشاري الجهاز الهضمي ورئيس قسم الجهاز الهضمي بمركز سدرة للطب والبحوث التابع لكلية الطب وايل كورنيل في المدينة التعليمية، يؤكد أن مركزه يخطط لعمل إحصاء لمعرفة مدى انتشار جرثومة المعدة بين الأطفال، لافتا إلى أن العمل على هذه الدراسة سيبدأ قريباً كما يقول.
سبل العلاج الناجحة
أنجز قسم الجهاز الهضمي في مستشفى الوكرة التابعة لمؤسسة حمد الطبية بحثا مهما لعلاج جرثومة المعدة، بحسب الدكتور نبيل شعث، والذي كشف أن البحث القطري خلص إلى أن معدلات الشفاء في حالة العلاج الثلاثي المتعارف عليه عالميا بالاعتماد على مضادين حيويين ومثبط لحامض المعدة لا تتجاوز 69%، غير أن استخدام العلاج الرباعي بالاعتماد على ثلاثة مضادات حيوية ومثبط لحامض المعدة، يرفع معدلات الشفاء من جرثومة المعدة إلى 90% كما يقول.
مقاومة جرثومة المعدة للمضاد الحيوي
تعاني بعض الحالات المصابة بجرثومة المعدة من مقاومة المرض للمضاد الحيوي، والسبب في ذلك، تعاطي المريض المضادات الحيوية بصورة عشوائية من دون الرجوع إلى الطبيب، بحسب الدكتور خليل سلطان، والذي لفت إلى أن دراسة أجريت في قطر خلصت إلى أن مقاومة المضادات الحيوية وسط سكان قطر عالية، إذ تصل إلى 25% تقريباً.
وحذرت مؤسسة حمد الطبية الجمهور من سوء استخدام المضادات الحيوية، مشيرة إلى أن دراسة “سوء استخدام المضادات الحيوية في بعض العيادات الخاصة في قطر” المنشورة في المجلة الدولية للأمراض الانتقالية والتي تم الإعلان عنها في إبريل/نيسان من عام 2017، كشفت أن نصف المضادات الحيوية تقريباً التي يتم وصفها في العيادات الخارجية الخاصة في قطر قد تكون غير ضرورية، علما أن سوء استخدام المضادات الحيوية يهدد فوائد هذه الأدوية المهمة، وفق ما جاء في الموقع الرسمي لمؤسسة حمد الطبية.
وقام فريق بحثي مؤلف من أطباء وباحثين من مؤسسة حمد الطبية ووزارة الصحة العامة وجامعة قطر، تحت قيادة البروفيسور أديل أجود بات، نائب رئيس شؤون الهيئة التدريسية في قسم الباطنة ومدير وحدة البحوث الإكلينيكية في مجال الوبائيات بمؤسسة حمد الطبية، بتقييم أكثر من 75 ألفاً من مطالبات التأمين الصحي المتعلقة بوصفات المضادات الحيوية خلال الفترة بين مايو 2014 وديسمبر 2015 فوجد هذا الفريق أن 45 في المائة منها قد وصفت لعلاج حالات لا تتطلب عموماً استخدام المضادات الحيوية بحسب موقع مؤسسة حمد الطبية.
وكشفت نتائج هذه الدراسة أن معظم المطالبات كانت لمضادات حيوية وُصفت بشكل خاطئ لعلاج التهابات الجهاز التنفسي العلوي، والتي يكون سببها فيروسات لا تحتاج إلى العلاج بالمضادات الحيوية أصلا وفق المصدر نفسه.
ومن جانبه، أوضح البروفيسور عبد البديع أبو سمرة، رئيس قسم الباطنة بمؤسسة حمد الطبية أن الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية يؤدي إلى ظهور التهابات مقاومة لهذه الأدوية مما يزيد من مخاطر انتقالها إلى أشخاص آخرين إذ أن الاستخدام الخاطئ أو المفرط للمضادات الحيوية يسهم في تزايد مقاومة الميكروبات لهذه الأدوية المضادة”.
وأوضح قائلاً في تعليقه على الدراسة المنشور على موقع مؤسسة حمد الطبية: “تشكل المضادات الحيوية أداة هامة للتخفيف من أعراض الالتهابات الجرثومية وهي تستطيع مساعدة المرضى على استعادة عافيتهم بسرعة أكبر. إلا أن الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية يمكن أن يتسبب في ظهور أنواع مختلفة وعديدة من الميكروبات التي تتمتع بمناعة ضد هذه الأدوية. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية أكثر شيوعاً ولم يعد بالإمكان علاج بعض الأمراض بفعالية كما كان عليه الوضع في الماضي.”
ويقدم علاج جرثومة المعدة مجاناً للمرضى القطريين، فيما لا تتعدى تكلفته على المقيمين 40 ريالا قطريا، (حوالي 10 دولارات أميركية) بحسب ما وثقه معد التحقيق وإفادة أطباء مؤسسة حمد الطبية.
تجاوز خطورة المرض
يدعو الدكتور سلطان إلى ضرورة اهتمام المرضى بعلاج جرثومة المعدة، لأنها قد تؤدي في النهاية إلى الكثير من المشكلات الصحية التي قد تصل إلى الإصابة بالسرطان، بعد أن تتحول إلى التهابات في المعدة وقرحة، وفقاً للدكتور شعث.
وتكمن خطورة الإصابة بجرثومة المعدة، في أنها بلا أعراض في بعض الأحيان، وفي هذه الحالة تكون الخطورة مزدوجة، إذ يكون المصاب حاملاً للجرثومة، وأكثر احتمالاً بنقلها لآخرين بحسب الدكتور العوض، مشيرا إلى أن آليات العلاج ترتكز على المضادات الحيوية والعلاجات الخافضة للحموضة، لأن جرثومة المعدة، تنمو في الأحماض التي تخلص الجسم من الجراثيم الأخرى كما يقول.
ويتم الكشف المبكر عن جرثومة المعدة في حالات بعينها، إذا كان أحد أفراد العائلة قد أصيب بالجرثومة قبل ذلك، أو أن يكون الأشخاص على سفر لبلدان بعينها معروفة بانتشار المرض على نطاق واسع، ومن استمرت لديهم أعراض جرثومة المعدة لفترة طويلة، ولم يستجيبوا للعلاج، بحسب طبيب الأسرة في مؤسسة الرعاية الصحية الأولية الدكتور محمود الدريني، والذي قال لـ”العربي الجديد”: “لا يمكن أن تكون عملية الكشف المبكر روتينية للسكان كافة، لأن الأعراض تتشابه مع أمراض أخرى، كأمراض القولون العصبي، أو ارتجاع الحجاب الحاجز، أو حتى الشعور بالإرهاق الشديد، أو حتى الأفراط في تناول الشاي والقهوة.
العربي الجديد