تحقيقات وتقارير

أعلان الطوارئ دواعٍ استثنائية.. أم حلول سياسية؟

أعلن الرئيس عمر البشير، حالة الطوارئ في كافة أنحاء السودان لمدة عام، كفرض لأحكام استثنائية (تُهدد الأمن العام)، ومنعا لأي فوضى، على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها البلاد. وتضاربت الآراء حول ما قد يسفر عنه الإعلان واستمراره لمدة عام كامل يوافق نهايته شهر فبراير من العام 2020م، ويفصله شهر فقط عن الانتخابات المزمع إجراؤها أبريل من ذات العام.

*دواعي الإعلان

يلاحظ أن القرار وجد تبايناً وردود فعل بين الاستحسان لجهة الأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد والتي أدت إلى إزهاق أرواح كثيرين وتخريب لمنشآت عامة على خلفية الاحتجاجات. وبين الرفض من قبل بعض الأوساط المعارضة باعتبار أن إعلان الطوارئ، اعترافاً صريحاً من قبل الحكومة بالعجز عن إيجاد الحلول السياسية وبالتالي وسيلة في يد الحكومة للتضييق على الحريات العامة.

إلا أن المتابع للأحداث يستشف أن حالة الطوارئ سبق وأن أعلنت بعدد من الولايات مع بداية الاحتجاجات، وطبقاً لمصادر، فالراجح أن القرار لن يصحب تطبيقه أي من اشتراطات حالات الطوارئ التي تتم لأسباب أمنية معقدة أو عسكرية، حيث التشدد في معابر الدخول والخروج من المناطق الحدودية، كما قد لا يتم فرض حظر التجول الليلي، ولا أي من اشتراطات الطوارئ العسكرية، وغير ذلك، فالقرار موجه لتهدئة حراك الشارع، وهنا يبرز سؤال بأنه هل يمكن تحقيق برنامج للإصلاح السياسي والديمقراطي في ظل استمرار فرض حالة الطوارئ؟

المحلل السياسي د. الحاج محمد خير، يرى أن الحكومة اتخذت المنحى الأمني في المواجهة بينها والمعارضة منذ اندلاع الاحتجاجات الأمنية، وما زالت تتخذ ذات الجانب، رغم ترك رئيس الجمهورية الباب مفتوحاً أمام الحوار مع الرافضين والممانعين، وهذا دليل على أن الحلول السياسية أصبحت عصية. وقال إن هنالك فجوة سياسية يتطلب شغلها بالقرب الأمني، وذهب إلى أن حالة الطوارئ ترتبط دائماً بحالة التهديد الأمني القومي، ولابد أن تُعرض على البرلمان، وبالتالي فإن تحديد فترة الطوارئ لعام إجراء غير صحيح، نسبة لأهمية إجازته من قبل البرلمان.

*الصلاحيات

فيما يُعطي إعلان حالة الطوارئ الحكومة صلاحيات واسعة في تفويض الأجهزة الأمنية لمواجهة الأوضاع الطارئة، وذهب مراقبون إلى ترجيح إعلان حالة الطوارئ في هذا التوقيت لمنح صلاحيات استثنائية للسلطات الإدارية، خاصة الشرطة التي تخول لها حالة الطوارئ ضبط بعض الحريات والحقوق الأساسية الفردية والجماعية، كالحق في التنقل وحرية الصحافة، ومنع التجمعات.

*حالة دستورية..

فيما يرى عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان، د.الفاضل حاج سليمان في حديثه (للصيحة) أن حالة الطوارئ المعلنة من قبل رئيس الجمهورية لم تصبح حالة دستورية حتى الآن، وقال إنه بموجب إعلان رئيس الجمهورية، ينبغي استدعاء البرلمان لعقد جلسة طارئة في فترة أقصاها شهر من تاريخ الإعلان، فيما يعتبر الإعلان لاغياً دستورياً إذا لم يُعرض على البرلمان خلال فترة زمنية أقصاها شهر للنظر في الحالة، وما إذا كانت تستدعي الموافقة عليها أم لا. وبالتالي تحديد الفترة المناسبة لاستمرار الإعلان.

وذهب د. الفاضل إلى أن المادة (224) من الدستور تتحدث عن إعلان حالة الطوارئ في وجود حالة استثنائية وظروف غير اعتيادية بالدولة، وقال إن الدستور فصل النصوص ووضع الاحتياط لهذه المسائل حتى لا تستغل سياسياً بأن نص على افتراض إعلان حالة الطوارئ والهيئة التشريعية في حالة انعقاد، والنص على أنه إذا كانت الهيئة في حالة انعقاد يحق لرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ في أي جزء من البلاد وللمدى الزمني الذي يحدده، على أن يودع هذا الإعلان لدى الهيئة التشريعية القومية خلال (15) يوماً من الإعلان، أما إذا لم تكن في حالة انعقاد كما يجري الآن يحق للرئيس بموجب النص الدستوري أن يعلن حالة الطوارئ في أي جزء من البلاد شريطة أن تُدعى الهيئة لدورة انعقاد طارئة، وفي الراهن، أعتقد أن الهيئة ستدعى إلى جلسة أنعقاد خلال الأيام القادمة، وسيسري الإعلان بالدولة حتى شهر من تاريخ إعلانه، ويستمر إذا وافق عليه البرلمان.

*مطب الانتخابات..

فيما يرى عدد من المحللين، أن إعلان الطوارئ لمدة عام ينتهي قبل شهر من ميعاد إجراء الانتخابات من شأنه أن يجهض العملية الديمقراطية التي ظل المؤتمر الوطني يلوح بها في خطابه، بأن الطريق إلى الحكم يجب أن يمر عبر صناديق الاقتراع ولما كان الطوارئ يعني ظروفاً غير عادية، فبالتالي يصبح أمر قيام الانتخابات برمته غير وارد في توقيته مما يشي بتأجيل الانتخابات أو استمرار صلاحيات رئيس الجمهورية الحالي، وحسب د. الفاضل فإن الانتخابات من الناحية الدستورية ينبغي أن تقام في حالات طبيعية للبلاد، أما وفقاً للمعطيات الجديدة، فإن استمرار قانون الطوارئ لمدة عام يعني أن الأجواء السياسية غير مهيأة لإجراء انتخابات، بيد أنه أكد أن إعلان الطوارئ لمدة عام، هذا لا يعني ان لا تنتهي خلال فترة قد تطول أو تقصر بزوال الظروف الأمنية، أما إذا استمر لمدة عام سيصبح الوضع الدستوري متعارضاً مع قيام الانتخابات وتتطلب النظر في أمر قيامها.

*ضوابط وموانع …

حسناً، أن حالة الطوارئ تتيح حرية واسعة للسلطة التنفيذية، في عدم التقييد بالأحوال المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية للقبض على المتهمين، إذ يجوز القبض في الحال على المخالفين للأوامر التي تصدر طبقاً لأحكام قانون الطوارئ والجرائم المحددة في هذه الأوامر، وذلك بالمخالفة لأحكام الدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ويرى مراقبون أن قانون الطوارئ قد يؤدي لإنشاء محاكم استثنائية للنظر في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية

فيما تناول القانون الدولي حالة الطوارئ من خلال العهد الدولي للحالة المدنية والسياسية، الصادر عام 1966، إذ حدَّد الشرط الأساس لفرض حالة في وجود خطر عام يهدد وجود الأمة، على أن يتم إعلان حالة الطوارئ بشكلٍ، منعاً لشيوعِ الممارسات الضارة بالحريات في أوقات ليس لها طابع الاستثناء.

ونص العهد الدولي للحقوق المدنية والحريات على ألا تكون التدابير المتخذة متعارضة مع التزامات الدولة المعنية بموجب القانون الدولي، كما حذَّر من أن تأخذ إجراءات الطوارئ نزعة تمييزية قائمة على العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين.

ويحذر العهد الدولي للحريات المدنية والسياسية، كذلك من أن حالة الطوارئ يجب أن تُعلن في ضوءِ تقدير دقيق وموضوعي للأحداث بحيث تُناسب التدابير المتخذة الوضعية القائمة دون مبالغة.

وفي مستوى آخر منه، يُشدد العهد الدولي على أن حالة الطوارئ يجب ألا تكون، في أي حال من الأحوال، ذريعة لحرمان الأفراد من حقوقهم الأساسية مثل الحق في الحياة، والحق في التفكير والاعتقاد، كما يجب ألا تكون ذريعة لترخيص الممارسات غير الإنسانية أو الحاطة بالكرامة الإنسانية أو التعذيب أو العبودية والاضطهاد.

تقرير: نجدة بشارة
صحيفة الصيحة.