تحقيقات وتقارير

هل يتخلى عن المؤتمر الوطني ؟


أثار خطاب الرئيس “عمر البشير”، أمس الأول والذي أعلن فيه حل الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية، بجانب قرارات كبيرة أخرى ردود فعل واسعة، انقسم السياسيون والمحللون حيالها بين مؤيد لهذه القرارات باعتبارها خطوة لحل الاختناقات السياسية والاقتصادية، مثلما كان الحال بالنسبة للأحزاب المتوالية مع الحزب الحاكم المؤتمر الوطني والمشاركة في السُلطة، وبين معارضين اعتبروها التفاف على الأوضاع السياسية والاقتصادية، وثورة الشباب التي انطلقت لإسقاط النظام. آخرون علقوا على استخدام الخطاب للغة فضفاضة غير محددة بالنسبة لقضايا تعتبر السبب الأساسي في انسداد الأفق السياسي في السودان، مثل حديثه عن قراره للبرلمان بتأجيل النظر في التعديلات الدستورية، التي تتيح للرئيس الترشح لفترة مفتوحة. واعتبروا أن تأجيل التعديلات وإعلان الطوارئ يؤكد على أن الرئيس “البشير” ماض في موضوع الترشح في انتخابات 2020 م، وبالمقابل لا يشير إلى رغبة الحكومة في حل مشكلة المحتجين خاصة أن الخطاب خلا من الإشارة للأوضاع الاقتصادية، كما أشار في افتتاحيته إلى أن الحكومة تجاوزت مرحلة الاحتجاجات.

كذلك لفت نظر قوى عديدة، تعهد الرئيس بالوقوف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، على خلفية أن حزب المؤتمر الوطني وتنظيم الحركة الإسلامية هما الداعمان الأساسيان للرئيس والدليل على ذلك أن حتى الذين تم تكليفهم الآن من الجيش لشغل مناصب الولاة ليسوا بعدين عن الحزب والحركة الإسلامية.
بدوره أكد أحد قياديي المؤتمر الوطني فضل عدم ذكر اسمه أن الرئيس “عمر البشير” لا يستطيع الابتعاد عن حزب المؤتمر الوطني لأنه حينها لن يجد الدعم ووفقاً للقيادي أن فكرة الابتعاد من الحزب ستكون انتحارية لأن حتى الجيش معروف بانتمائه للحزب الحاكم والحركة الإسلامية.

ويبدو أن فكرة تخلي الرئيس “البشير” عن الحزب وتقديم استقالته وجدت اعتراضات داخل حزبه من بعض القيادات الإسلامية وظهر ذلك في اختلاف بين تنوير قام به مدير جهاز الأمن والمخابرات، الفريق أول “صلاح قوش” لعدد من قادة الأجهزة الإعلامية بالسودان قبيل ساعات من خطاب “البشير” قال فيه إن الرئيس السوداني “عمر البشير” سيتخلى عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وسيستمر رئيساً قومياً على أن يبحث الحزب عن مرشح آخر لانتخابات 2020 م فيما لم يعلن “البشير” صراحة تخليه عن المؤتمر الوطني، بتقديم استقالته وإنما تعهد بالوقوف على مساحة واحدة من جميع القوى السياسية والالتزام بقومية رئاسة الجمهورية، ولم يستبعد سياسيون أن يكون تم سحب قرار إعلان استقالته من الحزب في اجتماع المكتب القيادي.

حسب القيادي بالمؤتمر الوطني، أن “البشير” لم يعلن صراحة عدم ترشحه إضافة إلى أنه جعل مدة إعلان الطوارئ لعام ينتهي مع بداية الشروع في الانتخابات ما يشير إلى أنه حريص على تأمين موضوع الانتخابات وخوضه لها.
هناك ثمة إشارات وردت في حديث عدد من الخبراء في الشؤون السياسة، تؤكد أن بعض القرارات التي وردت في خطاب الرئيس تحتاج إلى تفسير وتأكيد قاطع، ولهذا السبب اعتقدوا أنها وجدت عدم الترحيب من الأحزاب المعارضة وشباب الشارع، وكان من بين هؤلاء المحلل السياسي والخبير في الشؤون الحزبية بروفيسور “حسن مكي” الذي أكد لـ(المجهر) أنه من الصعب فهم التكتيكات السياسية للرئيس هذه الأيام، مبيناً أن الرئيس “عمر البشير” ذكر قبل أسابيع في أحد خطاباته أنه سيعين شخصية قومية ويعمل على إعداد الدستور، والآن تحدث عن أنه أوقف لجنة مراجعة الدستور، ثم أعلن حالة الطوارئ في البلاد، وهذا الإجراء لا يمكن أن يتخذ إذا كان يريد انتخابات حُرة ومصالحة مع القوى السياسية وتوفير الحُريات، لأن الانتخابات لا تتم إلا في جو سياسي قائم على الحُريات وسيادة القانون كما أن أجل الرئاسة ينتهي بعد عام، ويفترض أن تكون هناك سُلطة جديدة، وسأل بروفيسور “حسن مكي” كيف يمكن التوفيق بين حالة الطوارئ وصندوق الانتخابات؟ والاقتراع تبقى له عام واحد وقال بروفيسور “حسن” هذا تناقض كبير ما بين الدستور والإجراءات الدستورية المتعلقة بعام 2020 م وما تم إعلانه، وختم حديثه بقوله الرئيس كذلك جعل حكام عساكر على ولايات السودان لتأكيد حالة الطوارئ وانعدام أوكسجين العمل السياسي ونبه إلى أن الخطاب خلى من تقديم المعالجات الاقتصادية، إلا أن المحلل السياسي بروفيسور “حسن الساعوري” كان له رأي آخر، حيث قال ليس ضرورياً أن يعلن “البشير” استقالته من حزب المؤتمر الوطني، لكن المهم أن يفعل ذلك عملياً حتى يطمئن المشككون من الأحزاب المعارضة، وشدد على أن هذه الأزمة لا تحل إلا باستقالة الرئيس “البشير” من حزبه واعتقد “الساعوري” أن الرئيس “البشير” أبدى جديته في هذا الشأن حينما جعل الولاة من العسكريين، وفي هذه الحالة يمكن أن يختار بعضهم من الأحزاب المعارضة، وكشف “الساعوري” المعروف بقربه من حزب المؤتمر الوطني، عن أن معظم شباب الحزب غير مؤيدين لترشح الرئيس وابتعاد “البشير” عن المؤتمر الوطني سيحفظ تماسك الحزب ويقيه شر الانشقاق .

وجزم بأن برنامج الرئيس الذي طرحه لن يكن مقبولاً من قبل أحزاب المعارضة، ما لم يعلن أن المسافة بينه والمؤتمر الوطني والأحزاب الأخرى واحدة، وأنه أصبح رئيساً غير حزبي وسيستقيل من المؤتمر الوطني، في هذه الحالة سيجد الثقة من المعارضة وستطمئن من أنه لن يجتمع مع المؤتمر الوطني في المساء ويجتمع مع المعارضة في الصباح، وإن القرارات التي يتخذها ستكون قرارات مستقلة عن الحزب، وإذا دعا الأحزاب لاجتماع يكون المؤتمر الوطني ضمن هذا الاجتماع، وأوضح “الساعوري” أن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد لا تحل إلا بهذه الطريقة مضيفاً أن هذا تغيير في النظام السياسي.

القرارات التي وردت في خطاب الرئيس وصفها بعض الناس بالكبيرة والجزئية، وأكدوا أنها يمكن أن تحدث تغييرا كبيرا في المناخ السياسي، وتعود الحياة إلى طبيعتها لكن البعض الآخر نظر إليها من زاوية أن أحزاب المعارضة والمحتجين أبدوا رفضهم لها باعتبارها لم تهتم بقضايا المحتجين السياسية والاقتصادية بقدر ما اهتمت بقضايا الانتخابات في 2020 م الأيام القادمة ستوضح أثر هذه القرارات في الشارع فدعونا ننتظر..

الخرطوم : فاطمة مبارك
صحيفة المجهر السياسي.