الشائعات: توتر إجتماعي وهدر إقتصادي
(1) كتبت أمس تعليقاً صغيراً على صفحتي بالفيسبوك قلت فيه أن (رسائل الواتساب تراجعت من (240) مليون رسالة في اليوم إلى (92) مليون رسالة ومعلوم (210) مليون رسالة ترد من خارج السودان وقد تراجعت إلى (81) مليون رسالة) ، ولأن البعض يرى الأشياء دون تدبر فقد تباروا في عرض وجهات نظرهم بإعتبار أن هذه قضية لا تستحق الإشارة؟ ، وهذا أمر محير.
وأمس الأول ، تداولت القروبات إشاعة عن توقف الرحلات في مطار الخرطوم وتحدثوا عن تغيير بعض الرحلات لمساراتها ، وهذه الشائعة تستهدف مرفقاً حيوياً ، ونقطة ربط بين السودان والعالم الخارجي، ومعلوم إن مطار الخرطوم يوفر سنوياً مايتجاوز (500) مليون دولار ، فهل هذه قضية بسيطة ولا تستحق الإشارة؟ وقد سببتها شائعة، وهي ذات إرتباط بأخرى سابقة من 27 يوليو 2018م عن إنعدام وقود الطائرات بمطار الخرطوم ، ونذكر الإرباك الذى حدث بسبب ذلك ، وبعض شركات الطيران قامت بتعديل في جدول رحلاتها ، وهذه واحدة فقط من (240) مليون رسالة تتضمن الكثير من الشائعات ، وقس على ذلك شائعة إيقاف تصدير الضان إلى السعودية في أغسطس من العام الماضي.
ثم، ألم تكن قضية أزمة السيولة في السودان ، نتاجاً بصورة رئيسية لحملة واتساب ، ودعوة (جيبك بنكك)؟ وهل هذا أثر محدود وقليل؟ ولا يستحق إهتماماً يذكر ، إن هذه قضية تتطلب وقفة أكثر علمية ومهنية وقراءة واعية لأن إستغلال هذه المساحة في نسف البنية الإقتصادية لديه أثر بلغ وشديد الخطورة ، ولا يمكن الإستهانة به أو التقليل منه .
لقد تفأجات البنوك السودانية بآلاف العملاء على أبوابها لسحب السيولة وكان السبب الأساسي في ذلك الشائعات؟ ، فهل هذا أمر لا يستحق النظر والوقوف عنده ، وماهي أثار أزمة السيولة على الإقتصاد الوطني؟
(2)
ومع إستصحاب تأثير هذه الشائعات على الصورة الذهنية للسودان ، وجذب الإستثمارات ، وحين حدث إطفاء للكهرباء لسبب فني معلن ، ومع تمنياتنا ألا يتكرر ، فإن شائعة إنطلقت إن السبب عجز الحكومة عن الإيفاء بإلتزاماتها لشركة ما ، هذه إشارات عابرة لتأثير الشائعات على الإقتصاد الوطني ودورة الإنتاج والإنتاجية ، وناهيك عن الشائعات التي أسهمت في التأثير على اسعار العملات الأجنبية ، وأدت لحالة ذعر ، فقد كانت هذه الوسائط جزءاً من حملة المضاربات والمساومات ، ومع ذلك فإننا نغفل – أيضا – عن التوتر الإجتماعي الذى تتركه هذه الشائعات على المجتمع وخلق حالة (متوهمة) عن الواقع وتفاصيل الحياة اليومية في البلاد.
إن وسائل التواصل الإجتماعي وفرت بيئة إتصالية ذات ميزات عالية ، يمكن توظيفها في دعم البناء الإجتماعي والتلقى المعرفي والتنوير بالآراء والأفكار ، وهي مناسبة نرحب فيها بفك حظرها ، مهما كان سوء إستخدام البعض لها ، فهذا فضاء لابد أن يكون حاضراً.
د. إبراهيم الصديق علي
الرأي العام ٢٧ فبراير ٢٠١٩م