تحقيقات وتقارير

الإنقاذ .. مسيرة حكم وحكومات


مياه كثيرة جرت تحت جسر حكومة الإنقاذ منذ أن جاءت على سدة الحكم في السودان وعرفها الناس بحكومة الحركة الإسلامية، وهي التي بدأت بحكومة عسكرية عبر مجلس قيادة ثورة الإنقاذ وانتهت الآن بذات الصبغة العسكرية بعد مضي (30) عاماً إثر تقلبات سياسية عديدة تغيرت فيها التسميات والشركاء في الحكم، ولكن تظل الحركة الإسلامية رقماً ثابتاً في معادلة الحكم حتى الآن. في قراءة تاريخية نقف على تلك الفترات السابقة ونضع ملامح حولها خاصة وأن ذاكرة التاريخ اليوم تعيد إلى الأذهان ملامح من فترة البداية للإنقاذ، ما سماها البعض من المحليين بأنها الجمهورية الثالثة.

حكومة الإنقاذ الأولى

جاءت حكومة الإنقاذ الأولى في العام 1989م وكانت تمثل حكومة كفاءات خاصة وأن تشكيلها تم خالصة للحركة الإسلامية التي استاعنت بعضويتها الموجودة في الخارج من أطباء ومتخصيين في الاقتصاد، وكان التشكيل الأول عبر مجلس ثورة الإنقاذ الوطني والبشير رئيساً للوزراء، وفي 16 أكتوبر 1993م، تم حل مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني وانتقل أعضاؤه إلى مواقع تنفيذية أخرى، وأصبح البشير رئيساً للجمهورية.

حكومة الإنقاذ الثانية

وفي العام 1999 وفي ديسمبر، أصدر الرئيس البشير مرسوماً أعلن فيه حالة الطوارئ في البلاد لفترة ثلاثة أشهر، كما أمر بحل البرلمان مانعاً بذلك نقاشاً برلمانياً من أجل إجراء تعديل دستوري يحد من سلطته، تلك القرارات التي سميت في الفقه السياسي بـ(قرارات رمضان). كانت بداية مفاصلة كبيرة داخل الحكم الإسلامي قاد أحد شقيها الدكتور الترابي وقاد الشق الثاني المشير البشير ومعه علي عثمان محمد طه، ثم عرفت الفترة بالإنقاذ الثانية وخرج منها الشيخ الترابي مكوناً حزب المؤتمر الشعبي، بينما انفرد حزب المؤتمر الوطني بالحكومة.

حكومة السلام

وفي العام 2005م تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا بين حكومة السودان ممثلة بنائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، الدكتور جون قرنق دي مبيور، والتي وضعت حداً للحرب الأهلية الثانية في جنوب السودان ومنحت إقليم جنوب السودان حكماً ذاتياً ومشاركة في الحكم المركزي، ونصت على تنظيم استفتاء حول الوحدة أو الاستقلال في العام 2011، كما تم التوقيع على الدستور الانتقالي الجديد في عام 2005.

حكومة القاعدة العريضة

وبعد انتظار استمر خمسة أشهر لتشكيل أول حكومة في السودان بعد انفصال الجنوب، أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن تركيبة ما وصفها بحكومة القاعدة العريضة، لكونها تضم خمسة عشر حزباً وفصيلاً سياسياً إيذاناً بإعلان ما يعتبره الحزب الجمهورية الثانية.

حكومة الوحدة الوطنية

حكومة الوحدة الوطنية جاءت بعد انتخابات 2015م وهي نتيجة للحوار الوطني الذي اقترحه الرئيس البشير فيما عرف بخطاب الوثبة، وتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الفريق أول بكري حسن صالح، وتتكون من (31) وزيراً اتحادياً وأكثر من (40) وزير دولة، مع نائب واحد لرئيس الجمهورية وأربعة مساعدين، وهي حكومة جاءت معبرة عن مخرجات الحوار الوطني، غير أنه تم تغييرها عقب تفاقم الأزمة الاقتصادية وحلها لتشكل حكومة رشيقة سميت بحكومة الوفاق الوطني، تم تقليص عدد الوزراء فيها.
حكومة الوفاق الوطني
ونتيجة للأزمة الاقتصادية وتفاقمها، جاء تشكيل حكومة الوفاق الوطني الجديدة من (21) وزيراً اتحادياً و(27) وزير دولة، وتضمن حل الحكومة خفض عدد الوزارات لتصبح (21) وزارة بعدما كان عددها (31).

حكومة الكفاءات

وأخيراً في بداية العام 2019م وعقب الاحتجاجات ودخول البلاد في عدة أزمات، اتخذ الرئيس البشير خطوات سياسية بالتغيير في (جمعة القرارات)، بحل الحكومة المركزية والولائية وتشكيل حكومة سماها حكومة الكفاءات، وتم تعيين كل الولاة من المؤسسة العسكرية، موضحاً أن الاختيار في الحكومة سيكون بعيداً عن المحاصصة السياسية، والشاهد أن الأزمة الاقتصادية بدأت نهاية العام 2017م وتفاقمت مطلع العام الحالي، حتى وصل التضخم لنسبة (72%)، ما استدعى قيادة الدولة العليا لاتخاذ خطوات جريئة لإيقاف النزيف الاقتصادي والعمل على وضع حلول جذرية لإنعاش الحالة الاقتصادية من الانهيار.

تحليل وقراءة

من جانب قال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية، دكتور راشد التجاني لـ(آخر لحظة) إن التطور والتغيير في حكم الإنقاذ منذ بدايتها حتى الآن نتيجة للأحداث السياسية التي مرت بها ولعدة عوامل داخلية وخارجية عصفت بها، لكنها ما زالت متماسكة وموجودة، مشيراً إلى أن البداية كانت عسكرية ثم استعانت الحركة الإسلامية بكوادرها المتعلمة، والآن أعلن الرئيس أنها سوف تكون الحكومة عبر الكفاءات الوطنية وأنه على مسافة واحدة من الجميع، مشيراً إلى أن هذه الحكومة ستكون قومية ومختلفة، وأضاف التجاني ربما تكون حكومة انتقالية تعبر بالبلاد، ولكن تحتاج موافقة الأحزاب في المعارضة لتدفع بشخصيات قومية ذات كفاءات، وعزا تعثر الحكومة السابقة بعد الإنقاذ الأولى إلى أن طريقة المحاصصة الحزبية والقبلية أفرزت مظاهر سالبة أثرت على كفاءة الأداء، وبالتالي انهيار العديد من الوزارات في تقديم الخدمات.

تقرير: عيسى جديد
صحبفة اخر لحظة.