مواقف !
الحياة عند صديقي النوبي مواقف..
> ولا يقصد بالمواقف معناها المجازي..وإنما الحرفي..
> وفي سياق هذا الفهم حكى لي ما حدث له لدى زيارته البلد؛ من بعد غيبة..
> وقد كان يعشق فاتنة هناك..اسمها فاتن..
> وماتت فجأة بكامل ألقها؛ لدغتها عقرب أول المساء..ففاضت روحها أول النهار..
> فوقف كل شيء بالبلدة في ذاك اليوم..حتى تغريد الطيور..
> ولكنه فوجئ عند زيارته هذه بكل شيء يسير سيره الطبيعي..ولا ذكرى لفاتن..
> وزار (مواقف) لهما..أحدها بجوار شجرة الجميز..
> ودهش إذ رآها لا تبالي؛ وكذلك الذين هم من تحتها..والطير الذي على أغصانها..
> والنيل هناك يجري منتعشاً..كدأبه قبل موت فاتن..
> وتساءل بحيرة طفولية: كيف للبلدة – بما فيها ومن فيها – أن تكون كما كانت؟..
> وكيف للجمال..أن يظل هو الجمال..رغم موت الجمال؟..
> وكيف للمواقف أن تنسى من كانا يقفان بين أيديها..وتربت عليهما بأيدها هذي؟..
> وكاتب هذه السطور حدثت له (مواقف) مشابهة بمصر..
> وكان في زيارة للقاهرة عقب وفاة صاحب عمود (مواقف)..أنيس منصور..
> فقد أدهشه ألا يزال كل شيء كما كان..
> فالبرج هو البرج..والنيل هو النيل..والزحمة هي الزحمة..والأهرام هي الأهرام..
> والأهرام – الصحيفة – هي الأهرام..رغم غياب (مواقف)..
> ولم يستطع أن يقرأ من الأهرام هذه حرفاً..فقد حل محل أنيس فاروق جويدة..
> واختفى الإدهاش..والإمتاع..والإبداع..
> وغدت المدينة التي يهواها – في نظره – غير ذات ملامح..ومعالم..و(مواقف)..
> وخلال انتفاضة أبريل، ثمة (موقف)..(وقف) في ذهني..
> وذلك حين وقع بصري على امرأة اتخذت من شجرة أمام مشفى الذرة (موقفاً)..
> وطفقت منه تلهب حماس الثائرين بأعلى صوتها المشروخ..
> وأطراف ثوبها الأبيض النظيف ملفوفةٌ حول خصرها النحيل؛ تحزماً..وتلزماً..
> كانت عجوزاً جميلة ؛ كجمال السودان..وفاتن..
> ومن عباراتها التي ما زلت أذكرها (ما تخافوا يا أبنائي..السودان يناديكم)..
> فهل كان السودان على وشك أن يلحق بفتاة صديقي النوبي؟..
> لعلها رأت الأمر كذلك..ورأت (مايو) عقرباً..
> في حين أن (مايو) – وعبر رمزها أبي ساق – كانت ترى الثوار هم العقارب..
> وتبقى الحياة مواقف..في كل الأحول..
> بالمعنيين؛ الرمزي وفقاً للفهم السائد..والحرفي كما لدى صديقي عاشق فاتن..
> ومن لا موقف له لا وجود له..أو هو وجودٌ كعدمه..
> والمرأة صاحبة موقف شجرة المشفى ما زالت ذات وجود في ذاكرة الانتفاضة..
> وما ذاك إلا بفضل (موقفها) المجازي..المُجاز..
> بينما صاحب موقف العقارب لدغت عقربٌ نظامه أول المساء..فمات أول النهار..
> ولم يصمد إلا بمقدار صمود فاتن..
> ويبقى الفرق بينهما أن هذه ذات (مواقف)..ما زال يذكرها صديقي النوبي..
> بينما هو لا (مواقف) له !!.
صلاح الدين عووضة
صحيفة الإنتباهة