صلاح الدين عووضة

جحيم السراب !!


كان حدثاً غير عادي بمحيطنا المدرسي..
> وربما غير المدرسي أيضاً… ولكني أحكي عن الذي عايشته..
> أو ربما كانت لحظة تستحق تحليلاً نفسياً بما فضحت من مكبوتات دفينة..
> فضحتها غصباً… أو عمداً… أو صدفةً… أو لا شعورياً..
> وكان من بين المفضوحين ثلاثة من الذين كلفوا بمهمة ضمي إلى تيارهم السياسي..
> فقد كانوا الأكثر حرصاً على تكرار مشاهدة (السراب)..
> والأشد إعجاباً ببطلة الفيلم ماجدة الصباحي لدرجة التعبير عن (خوفهم عليها)..
> وهو خوف لو سمعت به لضحكت بقدر بكائها من (الحرمان)..
> ولقي الفيلم رواجاً في المدينة… وقراها… وضواحيها، وفي مدرستنا..
> وفي مدرسة أخرى تزامن مع عرض الفيلم شيء عجيب..
> شيء لو وقف عليه نجيب محفوظ لاستلهم منه مادة نفسية لفيلم مشابه آخر..
> لا نجيب دارس الفلسفة وحده… وإنما دارسو علم النفس كذلك..
> لاستلهموا منه ما يعضد نظريات لديهم… أو يرفدهم بنظرية جديدة..
> وكان لهذه المدرسة مسرح كالذي بمدرستنا… ولكنه (حي)..
> فرغم أن مدرستنا هي الأفضل – أثاثاً ورئيا – إلا أن مسرحها (ميت)..
> وعلى مسرح تلكم المدرسة تمخطرت حسناء ذات ليلة..
> كانت بطلة المسرحية، فسلبت العقول… والقلوب… والنفوس..
> تماماً كحال الدلوعة ماجدة الصباحي..
> أو ما هو مخبوء داخل هذه النفوس… وكامن في ما وراء العقول..
> في العقل الباطن الذي هو مستودع (المخلفات)..
> مخلفات التجارب الإنسانية غير المرغوب فيها… كما في حالة بطل السراب..
> وكما في حالة الذين تعاطوا مع بطلة المسرحية (حالة كونها ذكراً)..
> وكما في حالة الكثيرين من (مرتادي) السراب منا..
> فبطل السراب – نور الشريف – كان أسير حياة (سرية)… تحفها الخطيئة..
> فلما جاء أوان الحياة (العلنية) أصابه العجز..
> ولم تجن منه عروسه سوى السراب، بعد طول ترقب… ولهفة… وانتظار..
> وبطل مسرحيتنا دفع ثمن وضعيته الأسرية (وسط البنات)..
> ثمن (تدليله) كفتاة بين شقيقاته الخمس… وثمن مبالغته هو نفسه في الدلال..
> ولا أقول ثمن ملاحته التي هي نعمة من الله..
> وعانى بعد ذلك مع مجتمعه المدرسي مثل معاناة بطل السراب مع عروسه..
> بل لعله عاش تجربة معاناته ذاتها عند زواجه..
> وكثير من أبناء دفعتنا كان السراب سبباً في اكتشافهم المخبوء في دواخلهم..
> اكتشافه في الوقت المناسب… قبل حلول أوان (المحك)..
> وتفاوت المخبوء ما بين لهو مع (مساكنة)… واطمئنان لخادمة… واستئناس بوافدة..
> وكل ذلك تحت سمع – وبصر – أسر لا ترى في الأمر بأساً..
> لا تراه بعين نجيب محفوظ الفلسفية… ولا عين سيغموند فرويد التحليلية..
> فمعظم نار نفسيات الكبر من مستصغر شرر الصغر..
> ومنها (جحيم السراب !!).

صلاح الدين عووضة
صحيفة الإنتباهة