“الفساد والطوارئ” .. وصفات لاجتثاثه
بمثلما ابتدرت محكمة الفساد العام الماضي أولى قضاياها في محاربة الفساد والمفسدين بقضية صغيرة، هي قضية سرقة “مروحتي سقف” بمستشفى الجلدية، لتقدم القضية “قرباناً” لضربة البداية لمحكمة الفساد.
كانت القضية أعلاه هي “باكورة إنتاج” المحكمة، على الرغم من أن الحديث عن الفساد وقتئذٍ كان صوته هادراً عن القضاء على “القطط السمان” التي سمنت بقوت الشعب.
وبعد مضي عام من توقيت افتتاح محكمة الفساد والتي افتتحت في مارس من العام الماضي، وبعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد برز الحديث لكثير من منسوبي الحزب الحاكم عن أن قوانين الطوارئ أعلنت من أجل اجتثاث الفساد، في حين لم ترد في أجندة البلاغات عن الفساد أي حوادث لجناة تم القبض عليهم متلبسين بعد إعلان حالة الطوارئ.
نفي مغلظ
أعلن عضو مجلس الولايات وعضو مجلس” ثورة الإنقاذ “اللواء معاش صلاح كرار أن قانون الطوارئ لا يمكنه أن يتصدى للفساد ومحاربة المفسدين، وتساءل كرار أنه إذا عجزت الدولة بكل سلطانها القوي عن اعتقال (الحرامية) واستعادة الأموال المنهوبة، فماذا سيفعل قانون الطوارئ حيال ذلك. وقدم كرار للحكومة “وصفة ناجعة” لمعالجة علل الفساد المستشرية في جسد الدولة بأن تفعل قانون “من أين لك هذا”، وأن تعتقل الدولة أي شخص تحوم حوله شبهات الفساد.
دواعٍ
فيما لفت وزير العدل محمد أحمد سالم في جلسة البرلمان الطارئة المنعقدة الإثنين الماضي إلى أن قوانين الطوارئ تحد من الفساد والممارسات التي تضر بالاقتصاد الوطني مثل تهريب الذهب والسلع المدعومة، فضلاً عن المضاربة في العملات الأجنبية علاوة على الفساد المالي والإداري عبر التعاقدات والتعاملات المصرفية المريبة من خلال استغلال الوظيفة العامة للوصول للثراء غير المشروع.
في حين صوّت بعض النواب بالمجلس الوطني لصالح قانون “الطوارئ” باعتباره يحد من جرائم الفساد.
مكافحة خاطئة
وأكد القيادي البارز بـ”الاتحادي الديمقراطي الأصل” والقانوني الضليع د. علي السيد بأن الفساد لا تكون مكافحته عن طريق قانون الطوارئ، مشيرًا إلى أنه سبق أن أنشئت له نيابات ومحاكم خاصة بقضايا الفساد، ولكن عملها توقف بعد إنشاء وحدة الأمن التي تتلقى المعلومات لأن بلاغاتها تمر عبر تلك اللجنة.
ونفى السيد بأن تكون قوانين “الطوارئ” أنشئت لأجل القضاء على الفساد، مؤكداً أن مكافحة الفساد لها ضوابط معينة، مؤكداً ضرورة مكافحة الفساد المالي والإداري في البدء. وشدد السيد – في حديثه لـ”الصيحة” على ضرورة مكافحة الفساد السياسي والذي يتمثل في التستر على المفسدين، مضيفاً بأن الدولة إذا لم تكن جادة في ذلك، فإن قوانين الطوارئ لن تفعل شيئاً حيال الفساد، واستدرك السيد بأن قوانين الطوارئ يمكنها أن تكافح التهريب، مضيفاً بأن الدولة منذ أن أعلنت قوانين الطوارئ لم تشهد البلاد ضبطيات تهريب، وأضاف السيد بأن فرض الطوارئ عبارة عن حالة استثنائية تكون في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية والبيئة، مضيفاً بأنه حتى النص الدستوري لم ترد فيه عبارة مكافحة الفساد مضيفاً بأن الدولة كان لها أن تقول بأنها أعلنته من أجل تقليل الكارثة الاقتصادية.
فساد كبير
ونفى السيد قدرة قانون “الطوارئ” على مكافحة الفساد، مذكرا بـ”آلية مكافحة الفساد” و”محكمة الفساد” من قبل، وأضاف السيد أن الفساد الموجود بالبلاد فساد كبير، منه ما يتعلق بالمضاربة في العملات الأجنبية، ولكن لا يمكن القضاء عليه بقوانين الطوارئ لأنه في الأغلب تقف وراءه شخصيات نافذة. موضحاً بأن الفساد السياسي يعتبر الأخطر من نوعه ويحتاج لإرادة سياسية قوية أكثر من كونه يحتاج لقوانين طوارئ، مشيراً إلى وجود القوانين مسبقاً، وختم السيد حديثه بأن الأحزاب التي صوتت لقوانين الطوارئ في “المجلس الوطني” على أنها مكافحة فساد هي في الأصل أحزاب “كرتونية ” تأتمر بأمر الوطني، وتتبع له لأنها منتفعة منه.
مطلوبات قانون “الطوارئ”
فيما أشار الأكاديمي والمحلل السياسي د. عبد اللطيف البوني بأن حديث اللواء معاش صلاح كرار كان لأنه لم يعط فرصة للحديث أثناء الجلسة، مشيراً لاعتراض نواب الشعبي والاتحادي الديمقراطي الأصل فقط، على قوانين الطوارئ، مضيفاً أن كرار أراد أن يقول بأنه ضد قانون الطوارئ بشكله الحالي المقيد للحريات، وأضاف البوني – في حديثه لـ”الصيحة” – بأن قانون الطوارئ به فقرتين (3) و(4) اللتان تكافحان الفساد،ذاكراً أن المطلوب الآن أن يرى الجمهور “قطة سمينة” تقدم للمحاكمة، مضيفاً أن المعارضين الآن يقولون إن قانون “الطوارئ” قصد منه قمع المتظاهرين، و أن قانون الطوارئ قد يكون حد قليلاً من “سريحة” العملة أو مهربي “براميل” الوقود، ولكن لم تقع أي قطة “سمينة” فيه مما دفع المواطنين لعدم الثقة في أن يأتي من تلقائه إصلاح اقتصادي.
تقرير : نجاة إدريس
الخرطوم (صحيفة الصيحة)