عيد الحب.. و… صدام الحضارات ..!
(صدام الحضارات) ظهر كمصطلح في العام 1993م، عندما نشر «صمويل فيلبس هنتنجتون»، وهو أحد أشهر المنظرين لفترة الحرب الباردة، في مجلة «شؤون خارجية» الأمريكية الأكثر شهرة (Foreign Affairs)، دراسة حملت ذلك الاسم، خلص فيها إلى أن الصراع في العالم سينتقل من الصراع التقليدي حول الموارد والأفكار إلى مرحلة أعلى وهي صراع الحضارات.
الآن نرى أن عيد الحب، أو (الفالنتين داي) أصبح جزءاً من هذا الصراع، إذا ما أخذنا بنظرية السيد هنتنجتون، أو مفهومه الذي أخذ يتأكد لدى البعض يوماً بعد يوم.
بالأمس نشرت «آخرلحظة» تقريراً مفصلاً عن عيد الحب، أعده الدكتور محجوب برير محمد نور، ربط ما بين ذلك الاحتفال والإصلاح الديني المسيحي، مستنداً على قراءة استعادية لتاريخ الزواج في ظل الإمبراطورية الرومانية، حيث كان عامة الناس يتزاوجون كيفما شاءوا، عدا العسكريين من الضباط والجنود في الجيش الإمبراطوري، إذ أصدر الإمبراطور كلوديوس الثاني قراراً يحظر الزواج على العسكريين لأن ذلك من وجهة نظره يقيّد حرية حركتهم وتحركهم مع الجيش من مكان إلى آخر، ويربطهم بعلاقات أسرية تهدد بالتأثير السلبي على أرواحهم المعنوية، وتقتل فيهم روح المخاطرة والاستماتة في القتال، إلى أن ظهر أحد القساوسة، وهو الأب فالنتين لمواجهة ذلك الوضع الشاذ فقام بإبرام عقود زواج سرية لثلاثمائة من الجنود على فتيات من القسطنطينية، في الرابع عشر من فبراير عام 269م، لتثمر تلك الزيجات بنين وبنات خلال عشرة أشهر فقط. فانتشر الخبر وذاع وعم القرى والحضر، إلى أن بلغ الإمبراطور، الذي أمر بإعدام القس فالنتين في ذات التاريخ من العام التالي أي الرابع عشر من فبراير 270م.
في مجتمعاتنا المسلمة، نسبة لسقوط الحواجز بين الشعوب، أصبح البعض يحتفل بعيد الحب، ويدعو الآخرين للاحتفال به، وقد أثار ذلك حفيظة عدد من رجال الدين، وبعض المصلحين والدعاة فطالبوا بوقف هذه البدعة، إذ أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة تقود إلى النار، ولم تكن بلادنا استثناءً، إذ طالب اتحاد قوى المسلمين السلطات بمنع الاحتفالات بعيد الحب، متهمين من يحتفلون به إنما يدعون إلى الفجور والفسق والانحلال الخلقي.
نعود إلى ما بدأنا به، وهو الربط ما بين عيد الحب وصدام الحضارات، وعلينا أن نقر بتأثر مجتمعاتنا بثقافات الدول الغربية الأقوى تأثيراً على العالم الآن، من خلال الاقتصاد والقوى الناعمة من فنون وسينما وإعلام، ومن خلال القوة المادية المدمرة، لأنه في اعتقادنا الشخصي أن من يختبئ خلف الجبل هروباً من المتغيرات، فإنه إنما يشيخ ولا يستطيع أن يوقف كر الأيام ولا فر الليالي.. الدنيا تتحرك وتتغير وهو ثابت في مكانه.
الذين ينادون بتدخل الدول لمنع هذه الهجمات (القيمية) والثقافية، إنما ينفخون في (قربة مقدودة)، فالعالم الآن يتقارب، ولا يستطيع فرد أو دولة ما أن يعيش بمعزل عما يدور حوله، ومع تقارب دول العالم وشعوبه تتراوح أدوار الدولة، فقد اختلطت المفاهيم التقليدية، مثل حدود السيادة، والمواطنة، والنفوذ القومي، وما فوقه وما دونه، بحيث أن الجدل البحثي لم يعد قاصراً على حدود سيادة الدولة الآن بل بات يشمل وجود هذه السيادة من عدمه في ظل الاختراقات الحادثة الآن في عالمنا، كما يقول الدكتور جمال السويدي في بحثه القيم (آفاق العصر الأمريكي – السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد).
نحن باختصار شديد، نعيش الآن أخطر مرحلة من مراحل صدام الحضارات، مرحلة التبعية الثقافية، أو مقاومتها، نحن نعيش مرحلة التحول من النظام الدولي القديم إلى نظام عالمي جديد تتداخل فيه المصالح الوطنية مع المصالح الدولية، وتتم من خلاله عولمة الاقتصاد والثقافة، والاتصالات والإعلام والتعليم.. و.. القيم.
وأرجو – قريباً من هذا النص – ربط مجريات التفاوض الذي بدأ بالأمس في أديس أبابا، بين الوفد الحكومي السوداني ووفد قطاع الشمال، بعجلة تدور تحركها أيادٍ ومصالح أجنبية.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]