داخل البيوت السودانية … أزواج بـ(شخصيات مُتعدِّدة) ..!
جَلَسَ بجانب زوجته صامتاً لا يتكلّم.. سألته عن أسباب صمته فنظر إليها في توترٍ.. قبل أن ينهض من مكانه ويُغادر الغرفة ليجلس في بهو المنزل.. ويخرج صندوق سيجائره ويقوم بالتدخين بشراهةٍ.. دَقائق مَرّت حتى اقتربت منه زوجته وجَلست بجانبه وهي تُحاول أن تعرف ماذا يدُور بخاطره.. لكنه لم يتحدّث.. سألته عن سبب صَمته الغَريب منذ زواجهما.. فنهض من مكانه وغادر المنزل برمته مُتّجهاً إلى تلك القهوة الطرفية التي يقبع بها أصدقاؤه.. والذين ما أن رآهم حتى اتّسعت ابتسامته وتغيّرت ملامحه تماماً.. قبل أن يدخل معهم في فاصلٍ من الضحك المُتواصل.. ليستمر الحَال حتى مُنتصف الليل ليعود الى المنزل.. وما أن خطا بأقدامه للداخل حتى عادت إلى وجهه تلك المعالم الشرسة والباردة.. سَحَبَ غطاء الفراش ودخل تحته لينام دُون أن يتفوّه بكلمةٍ واحدةٍ، في الصباح ارتدى ملابسه على عجلٍ.. أدار رتاج الباب وخَرَجَ للشارع.. راسماً ابتسامةً كبيرةً على وجهِهِ.. قام بإيقاف سيّارة أجرة وصار يتحدّث مع السّائق في الكثير من المواضيع قبل أن يقص عليه عدداً من النكات المُضحكة والتي كان السّائق يضحك بشدة كلما ذكر أحدها.. توقّفت السّيّارة أمام مبنى الشركة التي يعمل بها.. منح السّائق الأجرة ثُمّ اتّجه نحو مدخل الشركة وهُناك تغيّرت ملامحه تماماً واكتسبت الكثير من الصّرامة.. جلس على مكتبه وبدأ في الصياح بصُورةٍ مُزعجةٍ.. قبل أن يصدر قراراً بفصل خمسة موظفين عن العمل.. ويقوم بإنذار سبعة آخرين بسبب غلط بسيط جداً.. وهذا ما دَفَعَ بالعاملين لاتّخاذ الحَذر تماماً تجاهه.. فهو على حدِّ علمهم صارمٌ جداً لا يملك وقتاً للابتسامة.. في تلك اللحظة تَحديداً دَخَلَ سائق الأجرة للشركة وهو يبحث عنه.. بعض المُوظّفين نصحوه بأن يُغادر لأنّ المدير في حالةٍ نفسيةٍ سيئةٍ وغاضبةٍ جداً.. لكن صاحب سيّارة الأُجرة رفض المُغادرة وقال بأنّه نسي لديه محفظة نقود.. وأضاف ضاحكاً لهم أنّ مديرهم الذي يتحدّثون عنه هو أظرف رجل في العالم.. ليندهش المُوظّفون جداً من حديث صاحب الأجرة قبل أن يسمحوا له بالدخول لمُقابلة المدير والذى ما أن رأي صاحب الأجرة حتى جحظت عَيناه.. لم يعد يدري هل يُبادله القفشات كما كانا في السّيّارة أم يلتزم الصرامة كما يفعل في الشركة.. في النهاية قرّر أنه لا يعرف ذلك الرجل.. وهذا ما دفع بالمُوظفين لطرد سائق الأجرة وسط دهشته الشديدة..!
(١)
ولعلّ النموذج السابق هو لرجل مُصابٌ بانفصامٍ حادٍ في الشخصية، فهو في البيت رجلٌ صامتٌ لاعتبارات عديدة، أنه تَزَوّجَ غصباً عنه.. بينما هو مع أصدقائه على سجيته وطبيعته المَرحة.. أما في الشارع فهو صاحب شخصية أخرى تُحظى بالكثير من الشقاوة.. وفي العمل شخصية أخرى صارمة جداً قد لا تتوافق مع الشخصيات الأخرى.. عموماً هو نموذجٌ لرجل يملك أكثر من أربع شخصيات ليست من بينها على الإطلاق شخصيته الحقيقية..!!
(٢)
حَوَلَ هذا الموضوع، يقول الباحث الاجتماعي مُحمّد الخليل أحمد، إنّ الرجل السوداني بطبعه لا يميل كثيراً إلى الحديث داخل المنزل، فهو لا يزال يحتفظ بطباع الرجل الشرقي الصارم داخل منزله لأغراض الحسم والتأديب، ويواصل الخليل: (هو أمرٌ خاطئٌ أن يركز الزوج في تعامله داخل المنزل على الرسميات، فهو يجب أن يتوازن حتى لا ينفرط عقد الاستقرار الأسري) ويقول: (لا بُدّ من مُوازنة الأمر.. فقليل من الضحك وقليل من الحسم هو الأنسب للتعامل)..!
(٣)
المُوظّف السر إبراهيم يقول حول الموضوع، إنّ الظروف الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد دفعت بعض الرجال، لانتهاج مثل ذلك السلوك داخل المنزل، والبحث عن التنفيس خارجه، ويواصل: (أعرف عدداً كبيراً من أصدقائي يُمارسون تعدُّد الشخصيات من أجل البحث عن الاستقرار، فهم يعتقدون أن الحسم داخل المنزل يُقلِّل من الطلبات والمطالب وهذا أمرٌ خاطئٌ جداً)..! ويختتم السر حديثه قائلاً: (مثل تلك المُمارسات تلقي بظلالها السالبة على الحياة الأسرية وحتى على الأبناء وربما تدفعهم في المُستقبل لتكرار ذات السيناريو مع أبنائهم مما ينتج للمجتمع أسرة مُعقّدة نفسياً ليس إلا)..!!!
صحيفة السزداني