سياسية

العمامة و”الرقص” والعصا.. أيقونات رافقت الرئيس المخلوع عمر البشير

أخيرا قُدَّ قميص البشير من قُبُل ومن دبر، فهتاف عشرات الآلاف من السودانيين الغاضبين ضد نظام الإنقاذ خرق عباءة العلاقة بين الفريق عمر حسن أحمد البشير وشعبه المتعدد الاتجاهات والأعراق والطوائف، وحجم الأزمة قد القميص العسكري، وتحول حراس أمن الرئيس ورفقاؤه طوال ثلاثين سنة إلى خصوم يقتلعون النظام من جذوره ويلقونه في معتقل آمن.

على ضفاف السنين السبعين وبسير حثيث إلى عقده الثامن يسير عمر البشير، ذلك السوداني الأسمر الطويل الذي جاءت به الحركة الإسلامية السودانية ليقود انقلابها العسكري وليكون واجهتها إلى العالم أيام كانت تريد انقلابا عسكريا بلبوس غير إسلامي حتى تستقر أقدامها في السلطة.

جاء البشير إلى السلطة بديلا عن عسكري آخر تراجع عن قيادة الانقلاب قبل يوم واحد من تاريخه الموعود، جاء البشير فألقى حكومة الصادق المهدي في السجن، وحمل إلى السودانيين بشرى عهد جديد، بعد سنوات “يوسفيات” من الأزمات الاقتصادية والسياسية.

وللتمويه ألقى البشير برئيسه الروحي للحركة الإسلامية حسن الترابي وكثير من قياداته في السجن حتى يستقر القرار.

مع الزمن تخرق قميص التمويه أيضا، وظهر البشير على صورته الحقيقية رجلا من الإخوان المسلمين، أغرقوه في عمق السلطة وفي عمق الأزمات السياسية، كما يرى أنصاره.

إخوان البشير
كانت السنوات الثلاثون كافية لاقتلاع كثير من ثوابت العلاقة بين البشير وإخوانه بشكل خاص، حيث تدرجت العلاقة من التكامل والاندماج، حتى كان البشير يوصف بأنه رئيس في النهار وتلميذ لشيخه الترابي في الليل.

ثم ساءت العلاقة أكثر بين الطرفين، وتناسوا العيش والملح الذي أداروا به وجبات السودان، قال خصومهم إن الإنقاذ ارتشفت السودان وحولته إلى عظام وأدخلته في أزمات داخلية وعالمية، وقال أنصارها إنها انتشلته من الانهيار وواجهت تكالب العالم حولها.

البشير ابن الخامسة والسبعين سنة رافق أجيالا سودانية كثيرة، متعددة المشارب وتلقى ضربات دولية متعددة، وحصارات ومؤامرات وأزمات دولية وأخرى إقليمية، وظل في وجه العواصف محافظا على مظهره السوداني الأصيل بالجلابية البيضاء والعمامة الضخمة المكورة، إضافة إلى العصا التي يلوح بها لأفق كان يضيق مع الزمن.. وهو يردد الشعارات الإخوانية العتيقة، التي لم يتنكر لها طيلة فترة حكمه، وإن كان قد تنكر لمقاصدها كما يقول خصومه، فلم تنطبع تلك الشعارات حرية وخبزا وعدالة اجتماعية وأمنا وسلاما.

عمامة البشير
لم يكن البشير محتاجا لأن يقول “متى أضع العمامة تعرفوني” فقد تعرف إليه السودانيون بعمامة ومن دونها، لكن ظهوره بالعمامة كان كثيرا ودائما في الغالب، مثل معظم السودانيين الأوفياء لزيهم التقليدي.

عمامة البشير كان تضفي على قامته الطويلة شيئا من المهابة ظل يتآكل مع الزمن حتى انهار تحت سطوة الثورة، وحراك الضباط من مختلف الرتب لينهوا بذلك عهد البشير اقتلاعا، لكنه ليس اقتلاعا من الجذور، فقد سقطت من نظام الإنقاذ عمامة البشير فقط وبقي جسده السياسي ممثلا في ضباط وجنرالات آخرين كما يقول المعارضون، بينما يرى أنصار الانقلاب إنه اقتلاع نهائي.

عصا.. ورقصات
العصا لمن عصى.. وبها يهش على الأغنام حتى تتآلف إلى مائها ومرعاها، وإذا ساءت الظروف تساءل العقلاء لمن تقرع العصا، وطوال سنواته الثلاثين في الحكم كان البشير يلوح بالعصا في خطبه واحتفالياته، وربما أرفقها برقصة وتمايل على إيقاعات مختلفة.

ترى لمن كان يلوح البشير بعصاه، هل كان يهش بها على السودانيين، ليسوقهم إلى حظيرة الديكتاتورية كما يقول خصومه، بعد أن أجدبت سلة أفريقيا والعالم العربي، ولم يعد فيها من ماء ولا مرعى يهش إليه بالعصا.

وقال آخرون إن البشير لوّح بعصاه لمن عصى من السودانيين الرافضين، بينما قال آخرون إنه كان يتوكأ عليها في سيره بين أشواك الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية والحصار الدولي، لكن المؤكد أنها لم تكن عصا موسى، فلم تنقلب حية، ولم تلهتم ثعابين الاضطرابات التي كانت تنهش جسد السودان.

التكبير والدعاء
عرف البشير بشعارات التكبير وترديد المقولات الإسلامية السائدة في السودان، وتراث الحركة الإسلامية التي تشعبت في السودان وتنوعت بل وتقاتلت أكثر من مرة.

ويقول أنصار البشير والمقربون منه إنه كان متدينا جدا ومحافظا على الصيام والصلوات ومختلف العبادات، ولكن خصومه يقولون إن تلك العبادات لم تنعكس تطبيقا واعيا على أرض السودان، ولذلك خرج السودانيون يطالبون بالحرية والعدالة والسلام.

ربما يكون في جعبة الرجل ما يدافع به عن نفسه عندما يخرج مرة أخرى إلى الواجهة بعد اقتلاعه والتحفظ عليه في مكان آمن، فقد تسلم السلطة في البلاد وهي في حالة شديدة من الإنهاك، لكنه غادر أيضا وهي في حالة أشد من الإنهاك والانقسام.

وبين الإنهاكين يظل البشير بعصاه وعمامته ورقصاته وتكبيره أحد أبرز الأسماء السياسية المؤثرة في تاريخ السودان، وخصوصا بين من يراه البشير الذي ألقى القميص على وجه يعقوب السودان فارتد بصيرا، وبين من يرونه مجرد رقم رفعه الترابي إلى السلطة قبل أن يهوي بنفسه إلى التراب.

الجزيرة الاخبارية