حيدر المكاشفي


كندشة الزنازين


جاء في صحيفة “الانتباهة” الصادرة الأول من أمس السبت، إن جمال الوالي الذي شاع عنه أنه كان مكلفا بإدارة أموال الحركة الإسلامية والمعتقل تحفظيا الآن بسجن كوبر، أنه طلب من ادارة السجن السماح له باستقدام مكيفات كهرباء لزنزانته وثلاجات سيدفع قيمتها من ماله الخاص، وأضافت الصحيفة أن سلطات السجن استجابت له وسمحت بدخول الثلاجات والمكيفات والمراتب الجديدة التي استجلبها .ولولا معرفتي برئيس تحرير (الانتباهة) الحالي الأخ النور من خلال عملنا معا في عدد من الصحف ونعرفه كواحد من أميز المخبرين الصحفيين، لاعتبرت هذا الخبر الغريب (كذبة أبريل)، والغرابة ليست في أن يطلب الوالي لنفسه وربما لإخوانه الآخرين المعتقلين بذات السجن هذه الميزات التفضيلية، وإنما الغريب هو أن تستجيب إدارة السجن لهذه الطلبات التي يقول الخبر إنها استقدمت فعلا، وهذا يعني أن الأخ الوالي ومعه آخرون الآن يستمتعون في محبسهم الذي تحول إلى غرف فندقية بالهواء البارد المنعش والماء البارد القراح من قارورات مياه الصحة والفرش الوثير وما لذ وطاب لهم من أطايب الطعام ووسائل الراحة والترفيه، في الوقت الذي تلفح فيه حرارة الشمس اللاهبة في هذا الصيف القائظ رؤوس الشباب المعتصمين في محيط قيادة الجيش وتشوي وجوههم وجلودهم بلظاها ويلتحفون ليلا الإسفلت الصلد من أجل حراسة الثورة التي تأتي العدالة على رأس أهم مطالبها، كما أن الأعداد الهائلة من المعتقلين في التظاهرات والاعتصامات التي سبقت نجاح الثورة قد قضوا أوقاتا عصيبة تحملوها بكل جلد وصبر داخل ذات هذه الزنازين التي لم يطقها الوالي فحولها بتواطؤ مع إدارة السجن إلى غرف فندقية، بل إن أرتالا من المعتقلين السياسيين على مر الحقب السياسية بمن فيهم جماعة جمال الوالي قضوا فترات اعتقالهم طالت أو قصرت في ذات الزنازين إلى أن أُفرج عنهم، فما الذي استجد حتى يجد البعض هذه المعاملة اللطيفة وهذا الكرم من إدارة السجن، وكيف تسنى لقيادة سجن كوبر تجاوز لوائح السجن التي يفترض تطبيقها على الكل بلا استثناء، هل هي “عمايل الدولة العميقة” أم أنها حكايات تانية حامياني.

وتحضرني في هذا الصدد حكاية لا أجزم بحقيقتها ولكنها على كل حال تروى على سبيل الطرفة، وهي تؤكد حقيقة أن لا دائم إلا وجه الله، وتحقق مقتضى الآية الكريمة (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..)، والحكاية تقول إن أحد الزعماء المايويين عندما تصبب عرقاً داخل إحدى زنزانات سجن كوبر العتيق في أحد النهارات الساخنة (التي تقلي الحبة)، وكان قد حل نزيلاً بهذا السجن مع كوكبة أخرى من الزعامات المايوية على أيام انتفاضة أبريل، صرخ في رفقائه وهو يتميز من الغيظ والكتمة (ما قلنا ليكم كندشوا السجون) تحسباً لمثل هذا اليوم العبوس القمطرير. وثمة كلمة في الختام وهي أن ما تسومه الآخرين من بطش وأنت على قوة وسطوة سيحيق بك لا محالة عندما تدور عليك الدائرة، وتنقلب عليك الدنيا الدوارة، وتفقد السلطة (ضل الضحى)، كل هذه دروس وعبر ولكنهم لم يعتبروا.

بشفافية – حيدر المكاشفي
صحيفة الجريدة