تحقيقات وتقارير

بين تصلب الداخل وأطماع الخارج.. ما آفاق الحل في السودان ؟

لا توحي التطورات الحالية في المشهد السوداني بأنه يمكن حسم الأزمة في المستقبل القريب، وذلك في ظل تشبث الأطراف بمواقفها من جهة والتدخلات الخارجية من جهة أخرى.

فالمتظاهرون وقوى المعارضة مصرون على ضرورة انتقال الحكم في السودان إلى سلطة مدنية ويتعهدون بـ “تكثيف الحراك” حتى تحقيق هذه الغاية. في المقابل يقاوم المجلس العسكري الانتقالي هذه المطالب ويدعو لرفع الحواجز التي تؤدي إلى مقر قيادة الجيش، ما أدى إلى تعليق المفاوضات بين المجلس العسكري وقادة المحتجين.

يتزامن ذلك مع استضافة القاهرة لقمة إفريقية تشاورية حول السودان. فإلى أين تتجه الأوضاع هناك في ظل تصاعد التوتر الداخلي والتدخلات الخارجية؟

أزمة ثقة

رغم مرور أكثر من 11 يوما على إسقاط البشير والوعود والتطمينات التي يقدمها المجلس العسكري، يصر المتظاهرون والمعارضة على مواصلة الاعتصام، حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية فيما يبدو أنه أزمة ثقة قد تؤدي إلى تصعيد أكبر. ويرى عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، أن الخلافات الرئيسية الآن تتمحور حول أعضاء المجلس السيادي؛ إذ يصر المجلس العسكري على أن يكون أعضاؤه من الجيش بينما يطالب المعارضون بأن يكون أعضاؤه مدنيين مع تمثيل عسكري فيه.

وفي مقابلة خاصة مع DW عربية، قال محمد يوسف أحمد المصطفى، القيادي في تجمع المهنيين السودانيين إن الإضراب العام والعصيان المدني هما الخطوة المقبلة في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي.

وفي حال استمرار هذا الخلاف يقول ميرغني في تصريحات لـ DW عربية إن السيناريوهات المطروحة تتمثل في “تدخل بعض الوسطاء من شخصيات قومية رمزية في السودان لإيجاد حل وسط يتفق عليه الجانبان، وقد يكون هذا الحل الوسط تقاسم نسبة الأعضاء في المجلس السيادي بين المدنيين والعسكريين، كما يوجد احتمال آخر هو إلغاء هذا المجلس ككل واستبداله بمنصب رئيس جمهورية يكون عسكريا وهذا الاقتراح تطرحه بعض الأسماء المعارضة”.

ويبدي الصحفي والكاتب اللبناني أمين قمورية قلقه إزاء الوضع في السودان إذ يرى أنه “حالة خاصة” يصعب التعامل معها. ويشرح قمورية رأيه في مقابلة مع DW عربية بالقول: “من جهة الجيش في السودان ليس كما الجيوش في دول أخرى، أي لا ينظر له كأقوى سلطة أو كجيش وطني كما في مصر مثلا بل كقيادة فيها ضباط إسلاميون من حزب البشير، بالإضافة إلى ميليشيات الدفاع المدني. ومن جهة أخرى، المعارضة ليست سهلة ولديها تاريخ من الممارسة السياسية والتجارب كما أنها ليست منسجمة فيما بينها”. كل هذا يجعل الجيش والمعارضة معا عاجزين عن حسم الوضع وبالتالي إطالة أمد الأزمة حسب اعتقاد المحلل السياسي.

أي كفة ستُرجَح من خلال التدخلات الخارجية؟

هذه الأزمة يزيد من حدتها تباين المواقف والتوجهات والمصالح الخاصة بالدول المتدخلة في البلد الغارق في أزمة اقتصادية خانقة. في هذا السياق يقول ميرغني إن هناك عدة محاور إقليمية ودولية “تريد أن يكون لها موطئ قدم في السودان ودور في مستقبله”.

وفي هذا السياق يذكر الخبير السوداني المحور السعودي الإماراتي المصري، ويقول إن السعودية والإمارات اختارت مدخل الأزمة الاقتصادية فساهمت بالوقود والأدوية والقمح ووديعة مصرفية تساعد في توفير قدر من العملة الصعبة. وبالإضافة إلى مصر تهدف الدولتان المذكورتان إلى “محاربة الإسلام السياسي وتحاولان الدفع بالسودان إلى عدم التقارب مع جهات أخرى كقطر وتركيا وتيارات في ليبيا محسوبة كذلك على التيار الإسلامي خاصة بالنظر إلى الدور الكبير الذي كانت تلعبه قطر في السودان ومسألة دارفور والعلاقة القوية مع الرئيس السوداني السابق”.

وهناك أسباب إضافية يشير إليها أمين قمورية وهو أن هذه الدول “تفضل التعامل مع نظام عسكري قوي، خاصة مصر التي يحكمها أيضا الجيش، على التعامل مع معارضة منقسمة غير واضحة وتخضع لشروط الديمقراطية التي لا تدعمها هذه الدول”. وتشكل مسألة حرب اليمن نقطة مهمة كذلك في هذا الدعم كما يقول قمورية فبقاء الجيش في السلطة سيعني ضمان الدعم السوداني في حرب اليمن التي هي مهمة جدا بالنسبة للسعوديين.

وكانت وكالة الأنباء السودانية قد نقلت الأسبوع الماضي عن عضو من المجلس العسكري الانتقالي قوله إن القوات السودانية المشاركة في الحرب في اليمن “ستبقى إلى أن يحقق التحالف أهدافه”. ولا يستبعد قمورية أن يعول المجلس العسكري على دعم هذه الدول في مواجهة المعارضة إذا استمر الصراع.

ما مصير السودان في أفريقيا؟

لكن ماذا عن الأطراف الأخرى؟ الولايات المتحدة، والاتحاد الإفريقي الذي تناول اليوم ملف السودان ضمن قمة تشاورية عقدتها القاهرة، وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر القاهرة، التي تتولى رئاسة الاتحاد حاليا، على موقفه مما يحدث في السودان؟

في هذا الإطار يشار إلى أن الاتحاد الإفريقي لا يتعامل مع الأنظمة التي تصل إلى السلطة عن طريق الانقلاب طبقا لقوانينه، وفي حالة السودان طالب الاتحاد المجلس العسكري بتسليم السلطة لحكومة مدنية في غضون 15 يوما وإلا سيتم تعليق عضوية الخرطوم في الاتحاد. بيد أن قمة القاهرة دعت إلى تمديد هذه المهلة إلى 3 أشهر وهو القرار الذي ينظر إليه كنتيجة للتحركات المصرية لتليين موقف الاتحاد الإفريقي بخصوص المجلس العسكري في الخرطوم.

وبينما يرى ميرغني أن الهامش الذي يمكن أن تتحرك فيه القاهرة محدود ولن يتجاوز تمديد المهلة التي قدمها الاتحاد الإفريقي، يرى قمورية أن مصر قد تؤثر فعلا على موقف الاتحاد الإفريقي في السودان، وحتى إذا لم تنجح في ذلك، “يبقى موقف الاتحاد ليس بهذه الأهمية بالنسبة للسلطة في السودان، فهو مجرد موقف معنوي وحتى في حال رفضه التعامل مستقبلا مع سلطة عسكرية في الخرطوم أقصى ما سيفعله هو إصدار بيانات وسحب عضوية السودان من الاتحاد”.

أما الرأي المهم حسب اعتقاد قمورية فهو رأي الولايات المتحدة. ولا يستبعد الخبير اللبناني أن تدعم الولايات المتحدة المجلس العسكري الانتقالي في مواجهة الشارع، ويشرح ذلك بالقول :”مع ترامب كل شيء وارد فقد رأينا كيف يميل إلى الرجال الأقوياء والديكتاتوريين فهو يدعم السيسي وحفتر ما يعني أنه من غير المستبعد أن يدعم الجيش في السودان أيضا”.

لكن ميرغني يستبعد ذلك قائلا إن الولايات المتحدة عبرت على لسان مسؤولين كبار عن رفضها التعامل مع السلطة الحالية إلى أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية ووقتها فقط سيتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات التي تعطل التجارة الخارجية للسودان.

سهام أشطو

DW عربية