مجلة أمريكية: ما بعد البشير.. كيف يتعافى السودان من عقود من الديكتاتورية؟
تساءلت مجلة ناشيونال أفيرز الأمريكية عما سيحدث في السودان بعد الإطاحة برئيسها السابق عُمر البشير، مُشيرة إلى أن البلاد عاشت لأكثر من ثلاثة عقود في ظروف رسخت الديكتاتورية، لذا فإن “عملية الحقيقة والمصالحة” هي أفضل طريقة لإنهاء الأزمة في البلاد، والوصول إلى بر الأمان.
وقالت المجلة، في تقرير تحليلي مُطوّل نشرته على موقعها الإلكتروني، إنه منذ بدء الاحتجاجات التي أصبحت تُعرف باسم “انتفاضة السودان” في ديسمبر 2018، لم يُر أو يُسمع سوى القليل عن عُمر البشير، الرجل الذي حكم البلاد بقبضة قوية لأكثر من 30 عاماً.
في بداية الأمر لم يقل النظام أي شيء عن موقعه، إلا أن التقارير الإعلامية رجحت أنه مُحتجز في القصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم، فيما انتشرت شائعات بأن البشير تفاوض بشأن خروجه من البلاد مع وزير الدفاع السابق عوض بن عوف، لضمان عدم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
لكن بغض النظر عن الضمانات التي حاول البشير الحصول عليها لتأمين نفسه، قالت المجلة إن ضغط المحتجين وإصرارهم على مواصلة الحراك الشعبي قضى على كل شيء خاصة بعد استقالة عوض بن عوف من منصبه كرئيس المجلس العسكري الانتقالي، بعد يوم واحد فقط، ليخلفه عبدالفتاح البرهان.
كانت تقارير إعلامية نقلت عن مسؤولين في النظام السوداني الجديد قولهم إن البشير نُقل لسجن كوبر بالخرطوم، حيث تم تعذيب واعتقال الآلاف من السجناء السياسيين والعاملين في حقوق الإنسان إبان حكم الرئيس السابق.
مستقبل غامض
ترى المجلة الأمريكية أنه حتى هذه اللحظة لا يزال مستقبل البشير كما بلده غامضا وغير مفهوم، مُشيرة إلى أن حالة عدم اليقين التي تحيط بالرئيس السوداني السابق منذ الإطاحة به كانت متوقعة.
ولفتت ناشيونال أفيرز إلى أن البشير لا يزال أحد أشرس الديكتاتوريين الذين سقطوا إبان موجة الاحتجاجات الثالثة التي شهدها السودان بدءا من 2008.
كان البشير غامضاً طوال الوقت، وقالت المجلة إن غموضه كان جزءا من الاستراتيجية التي أبقته في الحكم طوال هذه الفترة، على سبيل المثال كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة ولكنه لم يُجرِ مقابلة واحدة مع الصحافة الإنجليزية، كذلك سمح له عدم اتساقه الأيديولوجي واستعداده لتأسيس شركات انتهازية مع أي طرف كان بالتواجد على رأس السلطة.
وترى فورين أفيرز أن ما فعله البشير في السودان أثره لن يزول قريبًا، مُشيرة إلى أن ما يحدث للبشير له عواقب على مستقبل البلاد.
كيف يتعامل النظام الجديد مع البشير؟
ترى ناشيونال أفيرز أن طريقة تعامل النظام الجديد مع البشير ستساهم كثيراً في إعادة توليد الشعور الوطني في نفوس المواطنين، وإنهاء حالة الانقسام التي ساعدت المجتمع السوداني إبان حكم الرئيس السابق.
كان العديد من المراقبين الدوليين دعوا النظام الجديد إلى تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية لكي يتلقى عقاب على ما ارتكبه من جرائم وانتهاكات، وهو ما تعتبره المجلة غير مُجد لاسيما وأن لائحة الاتهامات الموجة لرئيس السودان السابق لا تتضمن سوى المجازر والأفعال الوحشية التي ارتكبها في دارفور، ولا تتضمن ما قام به في أمكان أخرى مثل جبال النوبة، حيث جرى قصف القرويين، أو ما قام به في جنوب كردفان، أو حتى العاصمة الخرطوم، حيث قتل المئات خلال موجات الاحتجاجات السابقة في عامي 2012 و2013.
وألمحت المجلة إلى احتمالية محاكمة البشير ورموز نظامه السابق داخل البلاد. ولكن في حالة بقائه في السودان دون محاكمة، تتوقع أن يُمنح هو وشخصيات أخرى مرتبطة بالنظام على درجة من الحصانة، وإطلاق عملية للحقيقة والمصالحة على نهج جنوب أفريقيا بعد نهاية نظام الفصل العنصري.
وترى المجلة أنه رغم صعوبة هذا النهج إلا أنه قد يساعد على فتح حوار جرى قمعه منذ مدة طويلة بشأن الضرر الذي ألحقه البشير بأشخاص بأعينهم وبالمجتمع السوداني على مدار العقود الثلاثة الماضية.
في الوقت نفسه، قالت المجلة إن السودانيين سيكونون قادرين أخيراً على التعبير بوضوح عن هويتهم الوطنية، وفتح حوار وطني يسمح للضحايا بمشاركة قصصهم والتحدث عن تجاربهم المؤلمة، ما يساهم في تعزيز التفاهم والتعاطف الوطني بين أطياف المجتمع.
كتبت- هدى الشيمي: موقع مصراوي