لماذا تسليم السلطة للمدنيين في الفترة الإنتقالية غير وارد وليس من حق المجلس العسكري الإنتقالي؟

معركة في غير معترك
?هنالك فرق كبير بين الإنقلاب العسكري والإنحياز العسكري ، فالإنقلاب العسكري يتم فيه إستلام السلطة من حكومة شرعية ولا يفكر فيه الإنقلابيون في تسليم السلطة للشعب أي أنهم أصبحوا يملكون ما لا يستحقون ولا يعطونه لمن يستحقون وهو الشعب حيث أنهم يكونون حكومتهم من أنفسهم وبذلك فإن الإنقلاب سلطة غير شرعية .

? أما الإنحياز العسكري للشعب يتم في ظروف أمنية طارئة تتطلب إستلام القوات المسلحة للسلطة من الحكومة الشرعية غير أن مستلموا السلطة يسلمون السلطة للشعب بعد قيام الإنتخابات أي أنهم أصبحوا يملكون ما يستحقون وفق الدستور والقانون ولا يعطونه لمن يستحقون وهو الشعب إلا بالإنتخابات وفق الدستور والقانون ، وفيه تقوم القوات المسلحة وفق ما كفله لها الدستور والقانون بتكوين مجلس عسكري يدير مهام الدولة لحين تسليم السلطة للمدنيين بعد إجراء الانتخابات ، وبذلك فالإنحياز سلطة شرعية مؤقته أملتها ظروف إستثنائية .

?من كل ذلك فإن السلطة الشرعية هي حق خالص للشعب وليس للقوات المسلحة ، فالشعب هو من يقوم بإختيار حكومته المدنية عبر الإنتخابات ، وحالات الإنقلابات العسكرية في السودان هي إنقلاب عبود وإنقلاب نميري وإنقلاب عمر البشير بينما حالات الإنحياز العسكري للشعب تتمثل في حكومة سوار الذهب وهذه الحكومة التي يرأسها البرهان.

?المجلس العسكري الإنتقالي يحدد الفترة الزمنية لحكمه بالتوافق مع السياسيين للتجهيز للإنتخابات وعادة ما تكون سنة الى سنتين ، ويسير المجلس العسكري الإنتقالي مهام الفترة الإنتقالية بنفسه ويختار من يعينه لمساعدته لحين قيام الإنتخابات وتسليم السلطة للحكومة المدنية المنتخبة ، أما إذا قام المجلس العسكري الإنتقالي بتسليم السلطة إلى مدنيين بدون إجراء الإنتخابات فإن هذه الحكومة ستكون غير شرعية وسيكون المجلس العسكري الإنتقالي معرضاً للمسآلة القانونية وفق الدستور والقانون .
?من هنا يتضح أن الفترة الإنتقالية خالصة للمجلس العسكري الإنتقالي وفق الدستور والقانون السوداني وأنه لا وجود لحكومة مدنية في هذه الفترة ، غير أن المجلس العسكري الإنتقالي مراعاة للنظم والقوانين الدولية والإقليمية يختار مجلساً للوزراء (كحكومة مدنية) يعينه في تسيير مهام الفترة الإنتقالية ويكون تحت إشرافه لحين إنتهاء الفترة الإنتقالية .

?من ذلك فإن الكلام في هذه الفترة الإنتقالية عن حكومة مدنية يعتبر كلام في غير زمانه ومكانه وأن سياسيو قوى إعلان الحرية والتغيير يقودون معركة في غير معترك ، اللهم إلا إذا كانوا يريدون تحويل الإنحياز العسكري إلى إنقلاب عسكري والإتيان بحكومة غير شرعية وتعريض قادة المجلس العسكري للمسآلة القانونية وفق الدستور والقانون.

?إن على سياسيو قوى إعلان الحرية والتغيير تقدير ما قام به قادة المجلس العسكري في إنحيازهم للشعب وتقدير الخطر الذي تعرضوا له بإستلامهم للسلطة ونحن نعلم أن الإعدام هو مصير من يرتد عليه النظام ، فنظام نميري عندما إرتد على هاشم العطا كانت عقوبته الإعدام ، وبالتالي فإن النظرة لقادة المجلس العسكري الإنتقالي بأنهم أذناب للنظام السابق لا تليق وفيها إساءة لهم لا تفيد الوطن والمواطن لأن إستلام السلطة يَجُبُ ما قبله ويجب أن نحترم واقعنا الجديد حتى لا نضيع وقتنا فيما لا يفيد ، وقد تكرر هذا السيناريو بعد سقوط مايو ولم يجدي.

?إن الدستور والقانون يسمح لقادة القوات المسلحة بتكوين مجلس عسكري يدير الفترة الإنتقالية بحكم التأهيل والتدريب الذي أهلته لهم الدولة ( وليس الحكومة) ليتمكنوا من إدارتها في مثل هذه الظروف الإستثنائية من دورات في إدارة الأزمات والعلوم الإستراتيجية بالأكاديمية العسكرية العليا وغيرها ، فإدارة الدولة ليست بالأمر الهين والساهل خاصة في ظل عالم متلاطم الأمواج ، فإذا كان من يدير سيارة يحتاج إلى تأهيل وتدريب فكيف بمن يدير دولة ، والسودان دولة عريقة ذات مؤسسية يتمتع رجالها بالنضج والوعي وشعبها ضارب في العراقة والحضارة .

?رجال المجلس العسكري الإنتقالي تفوق خدمتهم العسكرية الخمسة والثلاثون عاماً لهذا الوطن الغالي ، وعلى سياسيو قوى إعلان الحرية والتغيير مراعاة ذلك وتجنب النظرة الإستعلائية لهم بأنهم إنحازوا للثورة أخيراً لأنها نظرة لا تجدي ، فرجال القوات المسلحة ( المجلس العسكري الإنتقالي) لا علاقة لهم بالثورة والسياسة ، إنهم فقط يقومون بما تمليه عليه مهامهم في مثل هذه الظروف الإستثنائية وفق الدستور والقانون ويؤدون واجبهم بمهنية عالية .

?إن الحديث عن عدم الرضى بحكم العسكر ، وعدم إستبدال عسكري بعسكري ، وأن العسكر إستلموا السلطة أكثر من المدنيين ولم يطوروا البلد ، هذا الحديث غير سليم لأنه ليس في مكانه ولا في زمانه لأن ما حدث إنحياز عسكري وليس إنقلاب عسكري ، وفي الإنحياز العسكري يعمل المجلس العسكري الإنتقالي لتسليم السلطة للمدنيين بعد إجراء الانتخابات ، وحتى في حالة الإنقلابات العسكرية فإن العسكريون يديرون الدولة بصورة ممتازة في البداية لكن بمجرد دخول المدنيين يخربون عليهم حكمهم ، حدث هذا في حكومتي نميري والبشير ، وقد إستقال العسكريون من حكومة البشير عند دخول المدنيين .

?إن التصرفات الغير راشدة مع رجال القوات المسلحة ستؤدي مستقبلاً إلي فقدان المروءة عندهم تجاه شعبهم في مثل هذه الظروف الإستثنائية ونأمل أن لا يكون ذلك ، لذلك على سياسيو قوى إعلان الحرية والتغيير الوقوف مع رجال المجلس العسكري الإنتقالي في أداء واجبهم تجاه الوطن والمواطن حيث أنهم يؤدون واجبهم بكل تجرد ونكران ذات وفق الدستور والقانون.
?لقد تسبب الذخم السياسي في تأخير تكوين المجلس العسكري الإنتقالي لحكومته الإنتقالية بسبب عدم تعاون السياسيين مما كان له الأثر السالب في تسيير مهام الفترة الإنتقالية بالصورة المطلوبة الأمر الذي تضرر منه الوطن والمواطن حيث إزدادت معاناة المواطنين بسبب هذا التأخير .

?إن على سياسيو قوى إعلان الحرية والتغيير الإستفادة من المرونة التى أبداها المجلس العسكري الإنتقالي في تكوينه لحكومته الإنتقالية منهم وعليهم إظهار مهارتهم في إدارتهم للدولة بما يمكنهم من كسب أصوات المواطنين في الإنتخابات القادمة حتى يتمكنوا من إكمال ما بدأوه من إبداع في إدارة الدولة بعد الإنتخابات.

?من كل ذلك فإن على سياسيو قوى إعلان الحرية والتغيير معاونة المجلس العسكري الإنتقالي في تسيير فترته الإنتقالية بدلاً عن الزج به في مخالفات قانونية وفق الدستور والقانون لأن تسليم السلطة للمدنيين في الفترة الإنتقالية غير وارد وليس من حق المجلس العسكري الإنتقالي القيام بذلك ولا يتم تسليم السلطة للمدنيين إلا بالإنتخابات لأن الشعب هو الوحيد الذي يملك الحق في تسليم السلطة الشرعية ، وذلك حتى لا ندخل الثورة والثوار في معركة من غير معترك فنرهق الثوار ونرهق الوطن والمواطن .

لواء ركن (م) : طارق ميرغني الفكي

عاش السودان حراً أبياً

. 25 مايو 2019

Exit mobile version